icon
التغطية الحية

إيران تستعد للحرب مع إسرائيل وتتمنى أن تتجنبها في ذات الوقت

2024.10.25 | 22:29 دمشق

آخر تحديث: 25.10.2024 | 22:29 دمشق

جداريات تشتمل على عبارات مناهضة لإسرائيل في شوارع العاصمة الإيرانية طهران - المصدر: نيويورك تايمز
جداريات تشتمل على عبارات مناهضة لإسرائيل في شوارع العاصمة الإيرانية طهران - المصدر: نيويورك تايمز
The New York Times- ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

في الوقت الذي تستعد فيه لمواجهة غارة انتقامية من إسرائيل، أصدرت إيران أوامر تقضي بضرورة استعداد قواتها المسلحة للحرب، ولكنها في ذات الوقت تسعى لتجنب ذلك، خاصة بعد أن شهدت التفتيت الذي تعرض له حلفاؤها في لبنان وغزة.

أعلن أربعة مسؤولين إيرانيين من خلال مقابلات أجريت معهم عبر الهاتف خلال هذا الأسبوع بأن المرشد الأعلى، آية الله علي خامنئي، أمر الجيش بابتكار مخططات عسكرية عديدة للرد على أي هجوم إسرائيلي محتمل، وقالوا بأن مجال أي رد انتقامي إيراني لابد أن يعتمد وبشكل كبير على شدة الهجمات الإسرائيلية، بيد أن هؤلاء المسؤولين اشترطوا عدم ذكر أسمائهم لأنهم غير مفوضين بالتحدث عن الاستعدادات العسكرية.

الخيارات المطروحة

وفي حال أسفرت الغارات الإسرائيلية المحتملة عن أضرار كبيرة وخسائر هائلة في الأرواح، بما أن هذه الغارات ستأتي رداً على وابل الصواريخ التي أطلقتها إيران في مطلع هذا الشهر، فإن إيران سوف ترد حتماً كما ذكر هؤلاء المسؤولون. ولكن في حال كانت الهجمة الإسرائيلية محدودة، واقتصرت على بعض القواعد العسكرية ومستودعات تخزين الصواريخ والمسيرات، عندئذ قد لا تحرك إيران أي ساكن.

وذكر المسؤولون بأن آية الله خامنئي ذكر بأن الرد سيصبح أمراً محتوماً في حال ضربت إسرائيل منشآت النفط والطاقة أو المقرات النووية، أو في حال اغتيالها لكبار المسؤولين في إيران.

وقال مسؤولون بينهم ضباط في الحرس الثوري الإيراني بأنه في حال تسببت إسرائيل بإحداث ضرر جسيم، فإن الردود التي تدرس اليوم تشمل إطلاق وابل يصل إلى ألف صاروخ باليستي عليها، إلى جانب تصعيد هجمات الجماعات المسلحة الموالية لإيران في المنطقة، وقطع تدفق إمدادات الطاقة للعالم، فضلاً عن قطع حركة الملاحة عبر الخليج العربي ومضيق هرمز.

يذكر أن إيران أعلنت رسمياً بأنها لا تريد الحرب، ولكن الضربات العسكرية العقابية التي قد تنزلها إسرائيل بها لابد أن تمثل تحدياً لقادة إيران الذين عزموا على عدم الظهور بموقف الضعيف والمستكين، خاصة بعد الاغتيالات التي نفذتها إسرائيل بحق عدد من قادة حماس وحزب الله، بما أن إيران تدعم هاتين الجماعتين.

على هامش قمة البريكس التي عقدت في مدينة كازان الروسية، وفي تعليق على مجريات الأمور، قال عباس عراقجي وزير الخارجية الإيراني عبر أثير محطة إخبارية روسية يوم الأربعاء: "في حال شنت إسرائيل هجوماً علينا، فإن شكل ردنا سيتناسب مع هذا الهجوم وسيكون محسوباً".

ولكن المخاطر يمكن أن تزداد بالنسبة لإيران والمنطقة ككل، وذلك لأن قيام حرب شاملة بين إيران وإسرائيل قد يزيد الاضطرابات في المنطقة ويعمقها، كما يمكن لها أن تقضي على أي أمل بالتوصل إلى وقف إطلاق النار في غزة ولبنان، وقد يدفع ذلك الولايات المتحدة نحو تنفيذ عمل عسكري دعماً لإسرائيل.

تحركات إيرانية لدرء الحرب

خلال الأسابيع القليلة الماضية، بقيت إيران تحاول تمتين تحالفاتها مع الدول العربية الإقليمية، لكنها حذرتهم أيضاً من أن أي دعم ومساندة يقدمونها لإسرائيل في أي هجوم تشنه على إيران فإن ذلك سيحول الدولة الداعمة إلى هدف مشروع هي أيضاً. وفي مؤتمر صحفي عقد بالكويت يوم الثلاثاء الماضي، ذكر الوزير عراقجي بأنه تلقى تأكيدات من دول الجوار بعدم السماح للطيران الإسرائيلي باستخدام مجالها الجوي أو التزود بالوقود من القواعد الموجودة على أراضيها في حال تنفيذ إسرائيل لأي هجوم على إيران.

وخلال الأسبوع الماضي، أبدى المسؤولون الإيرانيون آراء متضاربة في تصريحاتهم العلنية وذلك فيما يتصل بأسلوب التصدي لتلويح إسرائيل بتنفيذ غارات على إيران، فقد توعد الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان ووزيره عراقجي بالانتقام، لكن هذا التهديد أتى بنبرة معتدلة محسوبة. في حين استبعد أحد القادة العسكريين تنفيذ إسرائيل لأي هجوم، واعتبر تلويحها بذلك أقل من أن يستحق الرد، ولكن أحد القادة الكبار في الحرس الثوري هدد بالقضاء على كل الصهاينة في خطاب له.

وفي مقابلة هاتفية أجريت مع المحلل السياسي ناصر إيماني من طهران، قال: "إن التفكير اليوم يدور حول أنه في حال كانت الهجمة الإسرائيلية رمزية ومحدودة، عندئذ يجب علينا أن نترك الأمور على حالها وأن ننهي هذه الهجمات القائمة على الأخذ والرد، وذلك لأن إيران لا ترغب أبداً بخوض حرب كبرى مع إسرائيل، ولا نرى بأن هنالك أي فائدة في حال توسعت الحرب في المنطقة".

وأضاف إيماني أن إيران لا تنظر إلى الحرب مع إسرائيل على أنها تهديد وجودي خلال هذه المرحلة، لكنها تعتقد بأن قيام نزاع طويل الأمد لابد أن يدمر المنطقة ويحبط مخططات الحكومة الجديدة في سعيها إلى التفاوض مع الغرب على أمل رفع العقوبات الأميركية القاسية عن إيران مع تحسين وضع الاقتصاد الإيراني المتردي.

يذكر أن التوتر بين إيران وإسرائيل اشتد بشكل كبير منذ تنفيذ حماس لهجومها على إسرائيل في السابع من تشرين الأول قبل عام على الآن.

وخلال شهر نيسان الماضي، أخذت إيران تتبادل إطلاق النار مع إسرائيل عقب هجوم إسرائيل على مجمع السفارة الإيرانية في سوريا، وفي الضربة التي نفذتها إيران على إسرائيل في مطلع هذا الشهر، أطلقت قرابة 200 صاروخ باليستي وذلك رداً على اغتيال إسرائيل للزعيم السياسي لحماس، إسماعيل هنية، في أثناء وجوده في طهران، ولقتلها حسن نصر الله زعيم حزب الله في لبنان.

ومع توقع الرد، أطلقت إيران مؤخراً حملة دبلوماسية على نطاق واسع، وذكر إيماني بأن أحد دوافعها هو توجيه رسائل مبطنة لواشنطن، حتى تحاول احتواء إسرائيل ومنع قيام الحرب، ولكن الهدف منها أيضاً تمتين تحالفات إيران مع الدول العربية والتشاور مع تركيا، وأخذ رأي أهم دولتين حليفتين لإيران، أي روسيا والصين.

تقارب جديد بين إيران وروسيا

هذا والتقى الرئيس الإيراني بزيشكيان بنظيره الروسي فلاديمير بوتين والصيني شي جين بينغ في كازان خلال هذا الأسبوع، وبعد هذا الاجتماع، أعلن بوتين بأن وجهة نظر روسيا وإيران تجاه المنطقة "هي نفسها أو متقاربة إلى حد كبير"، وبأنه يقدر كثيراً مواقف آية الله خامنئي، وذلك بحسب التصريحات التي بثها التلفزيون الرسمي الإيراني.

لم تتعرض إيران لأي تهديد خارجي كبير منذ أن انتهت حربها مع العراق قبل أكثر من ثلاثة عقود، وفي الوقت الذي دخلت إيران مع إسرائيل في حرب خفية دارت رحاها في البر والبحر والجو وفي الفضاء السيبراني، بيد أن قصف الطيران الإسرائيلي لإيران يعتبر صفحة جديدة لم يخضها الطرفان من قبل في هذا الصراع برأي المحللين.

يعلق على ذلك أفشون أوستوفار وهو أستاذ مساعد متخصص بشؤون الأمن القومي في كلية البحرية بكاليفورنيا، وخبير بالشؤون العسكرية الإيرانية، فيقول: "تتمثل مشكلة إيران بأنها صعدت الأمور لدرجة دخولها في مباراة لإطلاق النار مع إسرائيل، مع أن معداتها العسكرية الموجودة تحت تصرفها أقل بكثير من تلك الموجودة تحت تصرف إسرائيل".

طوال الأسابيع الماضية، ومع توقع الانتقام من إسرائيل، وضعت إيران قواتها المسلحة في حالة تأهب كاملة وعززت دفاعاتها الجوية في المواقع العسكرية والنووية الحساسة وذلك بحسب ما أورده أربعة مسؤولين إيرانيين.

كما ذكر ضابطان من الحرس الثوري مطلعان على المخططات العسكرية بأن كبار القادة الذين يترأسون الفصائل الموجودة في العراق وسوريا والتي تحارب جماعة تنظيم الدولة هناك نشروا مقاتليهم في جميع المحافظات الحدودية، وذلك لأنهم يخشون من تنفيذ جماعات مسلحة عرقية انفصالية أو جماعات مسلحة من أمثال تنظيم الدولة لهجمات مع نشرها لحالة الفوضى في حال دخلت إيران الحرب، بحسب رأي هؤلاء الضباط.

إسرائيل هي الخطر وليست أميركا

وفي مقابلة أجريت معه عبر الهاتف، قال ناصر هاديان وهو محلل سياسي موجود في طهران بأن إيران أمضت عقوداً وهي تنظم جماعات مقاتلة مثل حزب الله في لبنان وتجهزها للعمل كقوة دفاعية على الحدود مع إسرائيل، وذلك لمنع الولايات المتحدة من تنفيذ أي هجوم، بيد أن التركيز قد تغير اليوم بحسب رأيه، وأضاف: "تحولت إسرائيل إلى خطر حقيقي يهدد إيران، بعد أن خلنا طوال تلك السنين بأن الخطر الحقيقي هو أميركا".

ثم إن تفتيت إسرائيل لتسلسل القيادة في حزب الله وبنيته التحتية العسكرية قلب الموازين والحسابات بالنسبة لإيران، ولهذا يقول هاديان: "ينفع الردع في حال عدم وجود أي حرب، ولكن الآن، بعد تعرض حزب الله لضربات قاصمة، اختفى جزء كبير من القوة الرادعة التي تمتلكها إيران".

وقع بوادر الحرب على الشارع الإيراني

في شوارع طهران، تتلخص أوضح مؤشرات الحرب بجداريات دعائية تهدد إسرائيل باللغة العبرية، وذلك بحسب ما ذكره مواطنون يعيشون في طهران خلال مقابلات أجريت معهم، إذ قالت آسال، 21 عاماً: "إننا لا نعرف أي شيء، لأنهم يبقوننا في العتمة" وهذه الشابة تعمل في مجال التسويق لكنها طلبت عدم ذكر اسم عائلتها خوفاً من تعرضها للانتقام، وأضافت: "لا نعرف كيف نهيئ أنفسنا لأن الحكومة لم تطلعنا على أي شيء".

وخلال الأيام القليلة الماضية، هبط التومان الإيراني من جديد أمام الدولار، في حين ارتفع سعر الذهب، بما أن هذين العنصرين يمثلان معياراً لاستجابة الاقتصاد للأزمة والتضخم. ويوم الخميس الماضي، منعت الحكومة الإيرانية المسيرات المدنية من التحليق في الأجواء، كما علقت معظم شركات الطيران الأجنبية رحلاتها إلى إيران، مما أضعف الخيارات أمام المسافرين، ورفع أسعار حجوزات الطيران وبطاقات السفر التي بيعت بأكملها.

يبدو أن تأييد فكرة خوض حرب مع إسرائيل أمر يقتصر على المؤيدين الأيديولوجيين المخلصين للحكومة، الذين أعلنوا عبر منشورات كتبوها على وسائل التواصل الاجتماعي وعبر القناة التلفزيونية الرسمية بأنهم سوف يتطوعون للقتال. غير أن كثيرين غيرهم من الإيرانيين ذكروا في مقابلات وعبر وسائل التواصل الاجتماعي بأنهم قلقون وغاضبون من فكرة الانجرار إلى حرب لا يريدونها ولا يؤيدونها.

وتعليقاً على ذلك تقول رايكا، وهي فنانة في السابعة والأربعين من عمرها تعيش في طهران وطلبت ألا يشار إليها إلا باسمها الأول لدواع أمنية: "هنالك كثيرون يقيمون مثلي في إيران بكل ما فيها من مشكلات ويصارعون من أجل البقاء، ولهذا لا أريد لنا أن نتورط في حروب دول أخرى، ولا أريد أن أموت من أجل شيء لا علاقة لبلدي ولا لشعبي به".

 

المصدر: The New York Times