لم يعد اسم أوميت أوزداغ مغموراً في الحياة السياسية التركية، فقد استغل قضية اللاجئين السوريين بشكل كبير جداً للصعود على أكتافهم إلى البازار السياسي التركي، مستخدماً كل الوسائل والأدوات (اللاأخلاقية) لتحقيق الحضور بعد طرده من حزبي الحركة القومية والجيد.
ومع ذلك لم يحقق أوميت أوزداغ وذبابه الإلكتروني أي خرق يذكر في الحياة السياسية التركية، حيث حصل في حسابه بموقع "تويتر" على 2.2 مليون متابع، في الوقت الذي لم ينل حزبه سوى 1.215.264 من أصوات الناخبين الأتراك.
وبالرغم هذا الرقم الضعيف في انتخابات مهمة بالنسبة للمواطنين الأتراك، يحاول أوميت أن يستغل هذه الأصوات لمساومة مرشح المعارضة كمال كليتشدار أوغلو أو الرئيس رجب طيب أردوغان للحصول على أي مكسب ممكن في الجولة الثانية من انتخابات الرئاسة.
فقاعة إعلامية تعطي أصواتاً انتخابية "فاشوش"
ولعل أوزداغ الذي بدأ يلتقي مع الحزب الحاكم وحزب الشعب الجمهوري قبل الجولة الثانية من الانتخابات، ليس بيضة قبان حقيقية، بل فقاعة إعلامية تضاءل دوره بعد فقدان الحصانة البرلمانية، وخسارته الانتخابات، كما أنه لا يمون فعلياً على ناخبيه، ولا يغير كثيراً من المعادلة في الجولة الثانية خصوصاً بعد انحياز سنان أوغان للرئيس أردوغان في انتخابات 28 أيار.
ويبدو أن أوزداغ الذي فك تحالفه مع سنان أوغان يميل أكثر إلى كليتشدار أوغلو لأن الأخير بحاجة لتأييد من صوّت له، إلا أن كليتشدار أوغلو يواجه مخاطر تفكك الطاولة السداسية، لذلك قد يخرج الطرفان باتفاق بين حزب الشعب الجمهوري وحزب الظفر يكون غير ملزم للأحزاب الأخرى المكونة لـ "تحالف الأمة" المعارض.
أعلن أوميت أوزداغ دعمه لكلتيشدار أوغلو داعياً من انتخبه في الجولة الأولى دون ذكر المقابل، والذي يرجح صحفيون مقربون من الشعب الجمهوري، أن أوزداغ طلب أن يحصل على وزارة الداخلية أو رئاسة جهاز الاستخبارات. إلى جانب اتفاق آخر على دخول حزب الظفر على قوائم حزب الشعب الجمهوري في الانتخابات المحلية عام 2024 ليحوز عدداً منها.
هذه الأصوات التي سيحصل عليها كليتشدار أوغلو من أوميت أوزداغ ستسحب منه كثير من الأصوات الليبرالية التي تؤمن بشكل جدي بحقوق الإنسان، وستمنع الأصوات المحافظة المؤيدة لأحزاب المستقبل والديمقراطية والتقدم والسعادة والحزب الديمقراطي من التصويت له، لذلك فإن مرشح المعارضة سيكون له أصوات جديدة لكنها لن تحسب لأنها ستكون بقرب الصندوق لا بداخله.
كما أن استلام أوزداغ لوزارة الداخلية لن يرحب به الناخبون الأكراد، باعتبار أن زعيم حزب الظفر إن استلم المنصب سيكون بيده تعيين رؤساء بلديات مناطق كردية في ديار بكر وغيرها، أوميت أوزداغ مشكلة "لكل الناخبين الأكراد" أكثر بكثير من أي لاجئ سوري.
استلهام أفكار اليمين المتطرف
يمثل أوزداغ، أفكار اليمين المتطرف بكل تجلياته، مستلهماً تجربته من صعوده في دول الاتحاد الأوروبي بعد موجة اللجوء الكبرى عام 2015، عبر أحزاب حققت حضوراً جيداً نسبياً بالانتخابات البرلمانية والرئاسية في دول مثل فرنسا والسويد وإيطاليا والدنمارك وحتى ألمانيا، وصولاً إلى القنبلة الأميركية التي دخل بها دونالد ترامب إلى البيت الأبيض عبر سلسلة من القرارات التي تحد من المهاجرين والأجانب في بلد تقوم في أساسها عليهم.
ويرتكز خطاب اليمين المتطرف على مبدأ العدوانية على كل آخر لا يشبهنا، ويسعى عبر أنصاره إلى بناء مجتمع متجانس على أساس الإثنية أو العرقية أو الجنسية أو الدين عبر رفض جميع الأشكال الأخرى في صالح حب الذات وانتقاص الغير، بعبارة أخرى "إضفاء حالة من المثالية على (نحن) وإقصاء أو طرد من يكونوا ضمن دائرة (هم)".
ويميل اليمين المتطرف إلى التعبير عن الفوارق بين الأمم والأعراق والأفراد والثقافات بصورة مطلقة نظراً إلى أنها تحول دون أحلامهم الطوباوية بإنشاء مجتمع عضواني متصل بطبيعته شبه الخالدة وقائم على أسس ميتافيزيقية صلبة، بأفكار تشبه ما قامت عليه ألمانيا النازية أو إيطاليا الفاشية وأخيراً "إسرائيل".
أوميت أوزداغ.. سيرة أكاديمية مهمة بنتائج إنسانية "صفر"
ولد أوميت في طوكيو عاصمة اليابان عام 1961، وهو من أصول داغستانية، حتى أن العديد من المصادر تشير إلى أنه من قبائل داغستان الأصلية.
شارك والده الضابط في الجيش التركي مظفر أوزداغ في انقلاب 27 أيار عام 1960 على حكومة رئيس الوزراء المنتخب عدنان مندريس (الذي أعدمه العسكر في أيلول عام 1961)، تم نفيه إلى اليابان بعد تفكيك ما يعرف باسم "لجنة الوحدة الوطنية" في 13 تشرين الثاني عام 1960، وكان على صلة مع ألب أرسلان توركيش، مؤسس حزب "الحركة القومية".
أما والدته غونول أوزداغ فكانت أول رئيسة للفروع النسائية في الحركة القومية، الذي انتسب له أوزداغ الابن فيما بعد.
درس أوزداغ في جامعة "لودفيغ ماكسيميليان" في ميونيخ الألمانية بقسم العلوم السياسية، وأكمل درجة الماجستير في جامعة غازي بأنقرة في عام 1986، بدأ العمل كمساعد باحث في جامعة غازي، بكلية الاقتصاد والعلوم الإدارية، أصبح دكتوراً في العلوم السياسية عام 1990 بأطروحة حملت عنوان "العلاقات العسكرية والسياسية في عصر أتاتورك وإينونو" .
وفي عام 1993، حصل على لقب أستاذ مشارك من خلال أطروحة بعنوان العلاقات بين الجيش والسياسة وحركة 27 مايو العسكرية خلال فترة مندريس.
في عام 1995، أجرى بحثاً ميدانياً اجتماعياً وسياسياً في شرق وجنوب شرقي الأناضول وفي المقاطعات المستقبلة للهجرة من هذه المناطق.
وخلال الأعوام التالية كانت له دراسات متنوعة بخصوص العولمة والصراعات العرقية عبر برامج زمالة بعدد من الجامعات ومراكز الأبحاث في أوروبا والولايات المتحدة.
قد يتفاجئ القارئ أن أوميت أوزداغ ليس شخصاً هامشياً بل أحد أبناء النخبة الأكاديمية في تركيا، ويعرف تماماً أبعاد التحشيد السياسي ضد اللاجئين أو الأجانب، خصوصاً أن لديه عشرات الكتب في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، وعمل أستاذاً جامعياً وتدرج بالرتب قبل أن يصبح "بروفسوراً"، وهو ما يجعل من سيرته الذاتية سيرة مهمة لشخص مجتهد إلا أنها ذات نتائج "صفر" على المستوى الإنساني والقيمي والأخلاقي.
وهذه عينة من كتب أوميت أوزداغ الأكاديمية:
الفشل في زعامة القوميين
كان أوميت أوزداغ ابن الحركة القومية منذ شبابه، يحمل أفكارها الراسخة بعظمة العرق التركي في أقصى اليمين مع تأكيد الصلة بالدين الإسلامي، حالماً بأن يكون زعيماً للحركة التي ورثها دولت بهتشلي بعد وفاة أرسلان توركيش عام 1997.
في عام 2006 وقبل انعقاد مؤتمر الحزب أعلن أنه سيترشح لرئاسة الحزب ضد دولت بهتشلي، إلا أن إدارة الحزب طردته قبل يومين من عقد المؤتمر، إلا أنه عاد إلى الحزب بقرار من المحكمة عام 2010، وفشل في الدخول للبرلمان عام 2011.
تم انتخابه كعضو في المجلس التنفيذي المركزي لحزب الحركة القومية في مؤتمر الحزب الذي عقد في 21 آذار 2015. انتخب نائباً عن غازي عنتاب في الانتخابات العامة لشهر حزيران والمبكرة في تشرين الثاني 2015.
عينه الحزب نائباً لرئيسه في تشرين الثاني 2015، إلا أنه استقال من منصبه في 24 شباط 2016، مطالباً بعقد مؤتمر استثنائي وفقاً للديمقراطية الحزبية، فشل في عقد المؤتمر، ثم أحيل إلى لجنة الانضباط المركزية في الحزب وطلب فصل نهائي بحقه على أساس أنه خالف بعض مواد النظام الأساسي للحزب، طُرد نهائياً في 15 تشرين الثاني 2016.
وبعد تحالف الحركة القومية مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في تعديل الدستور عام 2017، شارك في المؤتمر التأسيسي لحزب "الجيد" القوميين الأتراك لقسمين، قسم داعم لحكومة العدالة والتنمية وآخر معارض لها.
عين نائب رئيس حزب الجيد للاتصال والدعاية والترويج، ثم انتخب عضواً في البرلمان التركي عن ولاية إسطنبول بالانتخابات العامة 2018، لم تكن حملة الحزب الانتخابية بعيدة عن الخطاب العنصري تجاه الأجانب واللاجئين.
في عام 2020 صدر قرارٌ بطرده من حزب "الجيد" بسبب مشادات مع زعيمته ميرال أكشنار وقيادات أخرى في الحزب، ألغت محكمة أنقرة الابتدائية قرار بداية عام 2021، إلا أنه أعلن استقالته نهائياً من حزب "الجيد" في 4 آذار 2021.
حزب النصر على "اللاجئين"
بعد استقالة أوزداغ من حزب "الجيد" لم تنته ولايته في البرلمان، أسس في شهر آب من العام نفسه حزب النصر، كان مشروع الحزب الأساسي والوحيد تقريباً هو الهجوم على اللاجئين السوريين والأجانب وتحميلهم كل مشكلات تركيا الاقتصادية والأمنية، مع التجييش المستمر تجاههم ما تسبب بالعديد من حوادث القتل والعنف ضدهم.
وبدأ الحزب بنشر دعاية إعلامية على مواقع التواصل الاجتماعي، شملت إنتاج أفلام قصيرة وفيديوهات تحريضية ضد اللاجئين تحمل سيلاً من الأكاذيب مثل أن اللاجئين "يدخلون الجامعات دون امتحانات قبول، ويتقاضون رواتب شهرية من الحكومة التركية ، ولا يدفعون الضرائب، بالإضافة إلى إلحاق أي جريمة بهم مهما كان نوعها دون التحقق.
وفي نهاية عام 2021 رفعت الشرطة التركية دعوى قضائية ضد أوميت أوزداغ بتهمة "التحريض على الكراهية والعداوة بين المواطنين وإساءة استخدام السلطة والمساس بخصوصية الآخرين".
وفي نيسان 2022، رفعت "نقابة المحامين الأتراك" دعوى قضائية جديدة برئاسة المحامي عمر فاروق سيلان. المطالبة بالإغلاق الفوري لحزب أوزداغ بسبب تصريحاته العنصرية وتحريضه المستمر ضد اللاجئين في تركيا.
كان أوزداغ ينشر بشكل يومي تغريدات ضد اللاجئين، ويحرض عليهم، دون أي دليل ملموس أوما يدينهم. بل على العكس من ذلك، فهو يضع أرقاماً وإحصائيات في مجملها مفبركة وغير دقيقة ومختلفة عن الأرقام التي تنشرها الجهات الرسمية والمنظمات الحقوقية المستقلة، مثل رفع أعداد اللاجئين السوريين من 3.6 ملايين إلى 13 مليوناً.
حملة انتخابية برنامجها "غير إنساني"
ومع كل الزوابع التي حاول أن يثيرها أوزادغ فشل بأن يكون في صف المعارضة التركية، فدخل في تحالف مع حزب العدالة مؤسساً تحالف الأجداد سنان أوغان صاحب الخطاب العنصري أيضاً ضد اللاجئين ليكون مرشحه الرئاسي، واستطاع حزب "النصر" أن يجمع له 100 ألف توقيع الإجبارية لترشحه، إلا أن الأخير لم يأتِ بأكثر من 5.17 بالمئة من أصوات الناخبين، في دعاية انتخابية لم تأت على ذكر أي مشروع حقيقي لبناء الدولة، إنما تجييش وهجوم على اللاجئين والأجانب في حملة مليئة بالكذب والافتراءات.
ولعل حجم الأصوات التي حصلها تحالف الأجداد في البرلمان والرئاسة توضح أن كل الحملة العنصرية تجاه اللاجئين لم تؤت أكلها، وفشلت في إيجاد سامعين لها إلا ما ندر، فلم يتجاوز عددهم 3 ملايين من أصل 65 مليون ناخب، لا يمكن أن يكونوا صوت البلاد وممثلين عنها.