يتجدد الحديث عن ضغوطات وموجة مهاجرين تغرق ألمانيا، مع ارتفاع عدد طالبي اللجوء واللاجئين الواصلين إلى ألمانيا من جديد، والذين تقترب أعدادهم من أعداد من وصلوا إليها في أزمة اللجوء عام 2015، عندما عبر الحدود أكثر من 1.2 مليون شخص، ويتوقع وصول مزيد من اللاجئين اليوم أكثر مما حدث حينئذ.
وفي الوقت الذي تم فيه تجهيز مخيمات وملاعب رياضية لتستوعب الأعداد المتزايدة من اللاجئين، يشتكي رؤساء البلديات ووزراء الداخلية في كل البلاد من اضطرارهم للتعامل مع الوضع وحدهم. إذ في اجتماع مع وزيرة الداخلية الألمانية، نانسي فيزر، يوم الثلاثاء الماضي، الموافق 11 تشرين الأول، حذر وزير داخلية مقاطعة ساكسونيا من اضطرار مقاطعته لإغلاق حدودها، في حين ذكر نظيره من بافاريا، والذي سبقه إلى ذلك، بأن المقاطعات باتت بحاجة للمزيد من مليارات اليوروهات لتصرفها على القادمين الجدد. وهكذا زادت الضغوط على الحكومة الاتحادية الألمانية، ما دفعها للمطالبة بعقد قمة أوروبية حول اللاجئين لمعالجة القضايا والمشكلات وضمان التوزيع العادل لطالبي اللجوء على دول ذلك التكتل.
معظم اللاجئين فروا من حرب أوكرانيا
رسمت المخاوف التي أعرب عنها قادة الدولة في ألمانيا الإطار الأوسع فيما يتصل بعدم كفاية الموارد والقدرة على إعالة أعداد كبيرة من القادمين الجدد الذين وصلوا حديثاً، ومعظمهم فروا من الحرب الدائرة في أوكرانيا. إذ بحسب ما أعلنته وزارة الداخلية الألمانية، فإن نحو 998 ألف لاجئ، تعادل النساء والفتيات نسبة الثلثين منهم، أتوا من أوكرانيا وقاموا بالتسجيل لدى السجل المركزي للأجانب خلال الفترة الواقعة ما بين نهاية شهر شباط ونهاية شهر أيلول 2022.
إلا أن عدد اللاجئين بسبب حرب أوكرانيا في ألمانيا قد يكون أعلى بكثير في الواقع، بما أنه بوسع الأوكرانيين دخول الاتحاد الأوروبي بلا سمة دخول، كما يمكنهم التحرك ضمن منطقة شنغن بحرية لمدة 90 يوماً.
وبحسب ما أوردته المفوضية العليا للاجئين، فإن أكثر من 700 ألف أوكراني في ألمانيا قد حصلوا على الحماية بوصفهم لاجئي حرب.
كثير من طالبي اللجوء في طريقهم إلى شمالي أوروبا عبر دول البلقان
الزيادة في عدد طالبي اللجوء تقلق وزيرة الداخلية الألمانية
أتت الزيادة الهائلة في أعداد الواصلين إلى ألمانيا نتيجة لهروب الناس من أوكرانيا، ولا شك بأنهم سيظلون موضع ترحيب، إلا أن عكس ذلك سيكون من نصيب من أتوا من "دول آمنة" عبر البحر المتوسط ودول البلقان الغربية ليطلبوا اللجوء في ألمانيا. ولهذا زادت الضغوط ليس فقط على ألمانيا، بل على الحدود الخارجية لدول الاتحاد الأوروبي بالعموم، بحسب ما ذكرته الوزيرة فيزر التي وصفت الوضع بالمقلق بالنسبة لها أمام الحكومة وإدارات المقاطعات.
خلال الفترة ما بين كانون الثاني وآب 2022، تم تقديم 115.402 طلب لجوء للمرة الأولى لدى مكتب الاتحاد الألماني للهجرة واللاجئين. وخلال الفترة ذاتها من عام 2021، بلغ عدد طلبات اللجوء التي قدمت للمرة الأولى 85.230، أي بواقع زيادة فاقت 35%.
تصدر السوريون قائمة المتقدمين، بوجود حوالي 34 ألف طلب لجوء للمرة الأولى، أي أن هذا العدد أتى أدنى بقليل عن عدد تلك الطلبات خلال عام 2021، ويحتل الأفغان المرتبة الثانية بواقع 19.730 طلب لجوء، أي بزيادة تعادل 58% عما كان عليه العدد خلال العام الفائت، يأتي بعدهم العراقيون بواقع 10.288 طلب لجوء قدم للمرة الأولى، أي بزيادة بلغت نحو 45%.
ضغوط على السكن والتعليم في ألمانيا
خلال شهر حزيران كان هناك ما يكفي من الأماكن المخصصة للسكن ضمن شقق وفنادق في معظم المدن والبلديات بألمانيا، ولكن في تلك الأثناء تغير الوضع، إذ صارت تلك الأماكن تقل وتتناقص ضمن العديد من البلديات. وكما حدث في عام 2015-2016 فقد تم تجهيز الصالات الرياضية والمرافق العامة الأخرى لتستخدم كمراكز إيواء طارئة.
ومما زاد من حدة تلك المشكلة، صعوبة سوق الإسكان في ألمانيا، إذ لم يعد يتوفر إلا النزر اليسير من الشقق الفارغة في أماكن قصية وريفية. ولذلك هنالك تخوف من أن يصبح الوضع أشد حدة وخطورة خلال الأشهر المقبلة، فكما يقول الباحث في شؤون الهجرة جيرالد كناوز: "سنواجه شتاء تاريخياً من النزوح إن ساء الوضع في أوكرانيا، ولم تعد مخصصات التدفئة والكهرباء تفي بالغرض نتيجة للحرب الروسية".
وتتعرض المدارس الألمانية لتحديات كبيرة، إذ هنالك أكثر من 193 ألف طفل ويافع فروا من أوكرانيا وصاروا يداومون ويدرسون في مدارس ألمانيا.
وحول ذلك يقول أودو بيكمان، وهو مدير وكالة الأنباء في ألمانيا، إن تلك المشكلات تشمل عدم توفر أماكن ومعلمين ودعم من قبل مجالات أخرى، مثل التعامل مع حالة الصدمة، وأضاف بأن تلك الأمور تعني بأنه من الصعب تحقيق حالة دمج ناجحة بالرغم من الالتزام العظيم الذي يبديه المعلمون.
أطفال أوكرانيون يبدؤون بتعلم دروسهم في المدارس الألمانية
ألمانيا تقرر الحد من أعداد المهاجرين
أخذت البلديات في ألمانيا تطالب بمزيد من الأموال بالإضافة إلى توسيع مراكز الاستقبال لديها وذلك حتى تعيل طالبي اللجوء واللاجئين. فقد صرفت الحكومة الألمانية في نيسان الماضي مبلغاً إضافياً وقدره مليارا يورو على المقاطعات والبلديات من أجل اللاجئين وطالبي اللجوء. كما أكدت الوزيرة فيزر خلال هذا الأسبوع بأن الحكومة الاتحادية ستؤمن أربعة آلاف مقر للسكن، لكنها ذكرت بأن على الولايات أن تنتظر حتى شهر تشرين الثاني حتى يتم الإعلان عن تخصيص مزيد من التمويل.
وفي الوقت ذاته، تركز الحكومة الألمانية على الحد من أعداد الواصلين وذلك عبر قطع طرقات الهجرة، لاسيما تلك التي تصل من دول البلقان الغربية. إذ في خطوة باتت عرضة لانتقادات شديدة اللهجة من قبل حزب الخضر الألماني يوم الثلاثاء الماضي، قامت الحكومة الألمانية بتوسيع عمليات ضبط الحدود مع النمسا وتمديدها لما بعد شهر تشرين الثاني بالإضافة إلى تمديدها لستة أشهر أخرى، فضلاً عن ازدياد عمليات التفتيش التي تقوم بها الشرطة الألمانية على الحدود التشيكية.
يذكر أن فيزر تعهدت بمعالجة الوضع الذي وصفته بغير المقبول في صربيا، إذ بما أن هذه الدولة تسمح للسوريين والعراقيين والهنود والباكستانيين وغيرهم بدخولها من دون الحاجة لتأشيرة، لذا زادت أعداد الناس الذين يسافرون إليها لينتقلوا منها إلى كرواتيا وسلوفينيا والنمسا وهنغاريا وسلوفاكيا وجمهورية التشيك ليصلوا إلى ألمانيا. إذ ذكرت الوزيرة فيزر: "إن أمور التأشيرة في صربيا تساعد على الانتقال عبر طريق البلقان"، وأضافت بأن الدول الأوروبية "مسؤولة مسؤولية جماعية عن وقف عمليات الدخول غير القانونية".
وزيرة الداخلية الألمانية نانسي فيزر برفقة وزير داخلية بافاريا ورئيس بلدية لايبزيغ
تجميد النظام المشترك
إضافة إلى كل ذلك، ترغب الحكومة الألمانية بمناقشة فكرة إحياء اتفاقية دبلن مع دول أوروبية أخرى والتي تقضي بإعادة طالبي اللجوء الذين يصلون إلى ألمانيا من دول أخرى عضوة في الاتحاد الأوروبي إلى الدول التي أتوا منها.
أما حالياً، فما تزال فكرة الخروج باتفاقية ملزمة بشأن توزيع طالبي اللجوء مجمدة، ولهذا أعلن زعيم حزب الديمقراطيين الأحرار في البرلمان، ستيفان توما، بأن المقترح حول الخروج بنظام لجوء أوروبي موحد "لن يحدث أي تقدم" خلال السنوات المقبلة، ولذلك فإنهم: "بحاجة اليوم إلى عقد قمة أوروبية بشأن الهجرة في أسرع وقت ممكن وذلك لنضع قوانين واضحة حول طريقة تعامل أوروبا مع موجة اللجوء هذه وغيرها من الموجات التي يمكن أن تظهر مستقبلاً".
وفي تلك الأثناء، وتحديداً يوم الثلاثاء الماضي، تم نقل أول دفعة من المهاجرين، ضمت 74 شخصاً، من إيطاليا إلى ألمانيا بوجب اتفاقية مؤقتة تعرف باسم الآلية الأوروبية للتضامن الطوعي، حيث وافقت 21 دولة أوروبية في حزيران الماضي على تلك الآلية التي سيتم العمل بها مبدئياً لمدة سنة. إلا أن التقدم أتى بطيئاً حتى الآن، إذ بعيداً عن فرنسا التي استقبلت 38 شخصاً في شهر آب الماضي، كانت عملية النقل إلى ألمانيا هي الوحيدة من نوعها خلال هذا الأسبوع بحسب ما أوردته وكالة dpa الألمانية للأنباء. إذ بالعموم، وافقت الحكومة الألمانية على استقبال 3500 طالب لجوء حتى منتصف السنة المقبلة، وهذا العدد كبير جداً برأي المعارضة، في الوقت الذي يحاول فيه البلد جاهداً للتغلب على تلك المشكلة.
المصدر: INFO MIGRANTS