"صرنا ننزل إلى سوق الألبسة ونشعر بأننا في تركيا".. هذا ما أبدته السيدة هدى الحسين بخصوص الألبسة التركية التي اجتاحت رفوف وواجهات المحال التجارية في منطقة إدلب شمال غربي سوريا، على حساب اللباس العربي الشرقي التقليدي.
وفي بداية شهر رمضان الفائت، شهدت أسواق الألبسة النسائية زيادة ملحوظة في انتشار الألبسة التركية، التي تتميز بألوانها الزاهية والرقيقة، حتى باتت لافتة للنظر بشكل كبير وأصبحت قضية تثير حيرة النساء بين الاضطرار والتفضيل.
"تُخالف الثقافات".. تقول "هدى" المهجرة من حي صلاح الدين في حلب، لـ موقع تلفزيون سوريا: "أيام حلب لم أرَ قط ملابس أوروبية أو موديلات، لكن بعد تهجيرنا إلى المناطق الحدودية مع تركيا، عدنا نذهب إلى الأسواق في المنطقة، وأصبحنا نرى الموديلات التركية، منها الملابس الفضفاضة القصيرة والبنطال الجينز مع البلوزات الطويلة بمختلف أنواعها وألوانها، حيث تُظهر زيّاً غريباً"، مردفةً: "بالنسبة لعائلتنا، لا يمكن شراء هذه الملابس، لذا نذهب إلى الأسواق التي تحتوي على الملابس الشعبية والشرعية".
وأوضحت السيدة الخمسينية "هدى" أنها ليست الوحيدة التي ترفض شراء هذه الموديلات لبناتها الثلاث، مؤكدةً على أن جاراتها المهجرات اللاتي يسكنّ على أطراف بلدة باتبو غربي حلب، رفضن أيضاً فكرة شراء هذه الموديلات، نظراً لمخالفتها الثقافة التقليدية.
وأظهرت التجارب الأولية التي أجريناها خلال إعداد هذا التقرير، أن تلك الألبسة لم تحظ بالإقبال وفق الشكل المطلوب في المنطقة، وخاصّةً خلال شراء السكّان لألبسة العيد مؤخراً، ما أدّى إلى خسائر مالية كبيرة لدى المستوردين.
التحديات والتغيرات
يؤكّد محمد البشير، صاحب محل لبيع الألبسة النسائية في "مول الحمرا" بمدينة الدانا شمالي إدلب، أنّ الألبسة التركية غزت كلّ المحال التجارية في أسواق إدلب هذا العام، بسبب تصاميمها الجديدة وجمال ألوانها وتعدّد أشكالها، مضيفاً أنّ أصحاب المحال أساساً يبحثون دائماً عن الأصناف غير الموجودة في محال نظرائهم، بهدف جذب الزبائن وتميزهم.
واعتبر البشير أن نسبة الإقبال على الأصناف التركية كانت "جيدة"، لكنها تركّزت على فئة الفتيات الصغيرات فقط، التي تراوحت أعمارهن بين 13 عاماً حتى الـ20 عاماً كـ"حدٍ أقصى"، بيّد أن النساء الأكبر عمراً معظمهن كان خيارهن الفساتين الشعبية التقليدية أو العباءة والمانطو، التي تُستورد من مناطق سيطرة النظام السوري في دمشق وحلب.
ما هو الزيّ السوري؟
تقول السيدة نغم محمد ديب -مصمّمة طبعات التطريز في ورشة السعد للخياطة ببلدة حزرة شمالي إدلب- خلال حديثها لـ موقع تلفزيون سوريا، إنّ السوريين عامةً استطاعوا المحافظة على تراث لباس مناطقهم المختلفة، والتي عكست غنى الفن والصناعات التقليدية في البلاد.
وعلى سبيل المثال فإن "اللباس التقليدي لمناطق أرياف وقرى دمشق والجنوب السوري تتميّز بالثوب الكلاسيكي المعروف بالشرش والمطرّز من كل الأطراف ومزيّن بياقة صغيرة، حيث يُزيّن عادّة هذا الثوب بقطع من القماش الملون، مخيطة على قماش الثوب نفسه".
وأضافت أن منطقة شمال ووسط سوريا، وعلى وجه الخصوص مناطق ريف إدلب وحمص، تمتاز بارتداء التنانير تحت الثوب، المنسوجة من الساتان الأسود، مع تزيينات تطريز على الواجهة الأمامية والخلفية والجوانب لإضافة جمالية للزي التقليدي في هذه المناطق، أمّا عن سكان محافظة حلب ومعظم القسم الشمالي في إدلب، فإن سكّانها يعتمدون على لباس "المانطو والعباءة"، سوداء اللون.
مقارنة في الأسعار
فيما يتعلق بالأسعار، يلاحظ "البشير" أن البضائع المستوردة من تركيا تُعرض بأسعار أقل بكثير مقارنة بالبضائع المستوردة من مناطق سيطرة النظام السوري، حيث يتراوح أسعار قطع الألبسة النسائية التركية بين 20 و35 دولاراً أميركياً، وهذا يشمل جميع أنواع الألبسة، بينما تتراوح أسعار الملابس السورية كـ"الفساتين الطويلة والعباءات والمانطو" بين 25 و75 دولاراً أميركياً للقطعة الواحدة.
وعن أسباب ارتفاع أسعارها هذا الموسم، يُشير "البشير" إلى عدّة عوامل محدّدة ومنها:
- قلة توفر مشاغل إنتاج الألبسة الجاهزة في محافظة إدلب، مما يجبر التجار على الاستيراد إما من تركيا أو مناطق سيطرة النظام، مثل مدينة حلب أو دمشق.
- اعتماد تجار الجملة والمستوردين على الدولار الأميركي في عمليات البيع والشراء، مما يرتبط بشكل مباشر بقيمة الليرة التركية غير المستقرة أمام الدولار.
- نسبة الجودة والكفاءة المرتفعة للأقمشة المحلية في الألبسة السورية، حيث تَستخدم نسبة عالية من القطن النقي (نحو 100%).
وعلى سبيل المثال، بيّن "البشير" أن سعر فستان نسائي سوري بجودة "جيدة" وصل إلى 60 دولاراً أميركياً، ما جعله خارج متناول الكثيرين، واقتصر على فئة قليلة من المواطنين.
"لا تُلبي احتياجات السوق"
عزا محمد منصور، صاحب محل لبيع الألبسة النسائية في مدينة الأتارب غربي حلب، أنّ سبب انتشار الألبسة التركية في أسواق إدلب، يعود إلى "غياب مفهوم الموضة" في معامل وورش الألبسة في سوريا بالكامل، بالإضافة إلى تراجع الأنشطة التصنيعية المحلية وسوء جودة الإنتاج، متوقّعاً زيادة انخفاض البضائع السورية في السنوات المقبلة.
ولكن السيدة لمى الصوان -صاحبة محل لبيع الألبسة النسائية في مول الحميدية بمدينة الدانا- ترى أنّ الألبسة السورية لم تعد كافية لتلبية احتياجات السوق، حيث أصبح من الصعب الاعتماد على استيرادها من ورشات الخياطة في دمشق، خاصةً بسبب الطرق غير الآمنة للتهريب والضرائب العالية.
وتؤكد أن "البضائع السورية المعروفة بالذوق التقليدي تشهد انحساراً هذا العام بسبب ارتفاع الأسعار وسهولة استيراد الألبسة التركية التي تقدم أنماطاً جديدة غير متوفرة في الأسواق السورية، وبناءً على ذلك، لم يعد بالإمكان تعويض البضائع السورية من السوق التركية بسبب اختلاف الأذواق بين البلدين".
غلاء الشحن
يقول محمد كريم سليمان -تاجر ألبسة في مدينة سرمدا شمالي إدلب- إن استيراد البضائع من محافظتي دمشق وحلب إلى إدلب، ينقسم إلى طريقين:
- عن طريق التهريب براً، وهي طريقة لم تعد تكفي حاجة السوق.
- هو شحن البضائع عبر الطريق البري من دمشق إلى بيروت، ثم تحويلها إلى شحن بحري باتجاه ميناء مرسين التركي، وبعد الوصول، تُنقل البضائع عبر الحدود إلى إدلب برّاً عبر معبر باب الهوى.
يشير "سليمان" إلى أن هذا الاختيار المبتكر في وسيلة الشحن أصبح الأكثر شيوعاً بين تجار الألبسة في مناطق سيطرة النظام والمعارضة، نظراً لكلفته المناسبة مقارنة بالطرق التقليدية الأخرى.
وتابع: "في الوقت الحالي، تقدم شركات الشحن خدماتها من دمشق إلى إدلب بكلفة تبلغ 130 دولاراً أميركيا لكل طرد من الألبسة، مع وقت تسليم يتراوح بين 10 و15 يوماً، بحسب حجم الشحنة".
وبحسب "البشير"، فإنّ تجار الألبسة في سرمدا يعملون على استكشاف المزيد من الخيارات والابتكارات في مجال الشحن، بهدف تسهيل عمليات التوريد وتحسين إمكانية الوصول إلى البضائع بشكل أكثر فاعلية واقتصادية.