ما تزال قصص السوريين ونظرائهم من أبناء الجالية العربية ممن تم سحب أطفالهم من قبل "مصلحة الخدمات الاجتماعية (السوسيال)" في السويد تتكشف للإعلام بعد أن أصبحت قضيتهم قضية رأي عام خصوصاً لدى الجالية العربية والإسلامية في الدول الإسكندافية.
الطفل السوري موسى جمو (11 عاماً) "عمره من عمر الثورة السورية" وعاش كل مراحل النزوح والهجرة قبل أن تسحبه "مصلحة الخدمة الاجتماعية" في السويد من والديه الذين ما زالوا في مرحلة ما بعد الصدمة إثر قصة أشبه بقصص الأفلام الهندية بعد أن ضاع ابنهم الآخر في تركيا لمدة خمس أعوام ثم عثروا عليه بعد أن وصلوا إلى السويد.
وبدأت القصة حين هرب اللاجئ السوري جمو جمو من مدينة اعزاز في ريف حلب بعد قصف النظام لها في عام 2013 متجهاً إلى مدينة إسطنبول وهناك ذاق كل أنواع الألم بعد أن ضاع ابنه أحمد الذي كان عمره 10 أعوام حينذاك.
ويقول جمو لموقع تلفزيون سوريا: "بحثت عنه في كل مكان في إسطنبول .. كنت أمشي مثل المجنون في شوارع إسطنبول حاملاً بيدي صورته متجولاً في الأسواق عسى أن أجد أحد قد يدلني على مكانه أو سمع شيئا عنه".
ويضيف اللاجئ السوري: "لمدة عامين كاملين كنا نخرج أنا وزوجتي هائمين على وجوهنا نبحث عنه .. كلما أخبرتنا الشرطة عن عثورهم على طفل ميت غرقاً على الشواطئ التركية نشعر بالغصة والألم ونذهب لرؤية الجثة ونفرح لأنه ليس هو".
ويتابع: "عندما ضاع أحمد لم نكن نملك بطاقة كيملك أنا وعائلتي وهذا الأمر زاد من صعوبة عملية البحث عنه من قبل الشرطة التركية"، مضيفاً "كان أحمد صغير ويعرف أن اسمي جمعة وبالتالي كان اسمه لدى من وجده أحمد جمعة وأنا اسمي جمو في بيانات الكيملك الذي حصلت عليه بعد فترة من ضياع أحمد".
بعد أن أصابه اليأس ولم يعد له القدرة على الحياة في تركيا عاد جمو وعائلته إلى مدينة اعزاز في عام 2015.
جزء من روحنا بقي وراءنا
عندما بدأت موجة الهجرة إلى أوروبا في عام 2015 قرر جمو وعائلته السفر إلى أوروبا، ودخل تركيا مجدداً ومنها استقل مع زوجته وأطفاله الأربعة "مراكب الموت" إلى اليونان، ومنها أكملوا طريقهم إلى السويد، "تاركين وراءنا جزءاً من روحنا في تركيا"، يقول جمو.
وفي السويد حصلت العائلة على تصريح الإقامة وأخبروا دائرة الهجرة والتجنيس حينذاك أنهم أضاعوا طفلهم الصغير في تركيا.
وأضاف جمو: "في عام 2018 اتصل بي أحد أفراد عائلتي وقال لي إن الشرطة اتصلت بهم وأبلغوهم بعثورهم على طفل لديه نفس مواصفات ابني".
وتابع: "تكلمت معه في اتصال فيديو .. ابني، ابني يا الله أصبح شاباً يافعاً، لم أعرفه بداية ولم أستطع أن أتواصل معه لأنه لم يستطع التكلم معي باللغة العربية وكنت أتواصل معه عبر مترجم .. لم أصدق نفسي بعد خمس سنوات أني سأعثر عليه كنت أعتقد أنه مات أو خُطف ولن أراه في حياتي".
وأوضح: "كان ولدي يعيش في ملجأ أيتام بعد أن عثر عليه أتراك ولم يستطيعوا التعرف عليه لأنه لا يملك كيملك وكان يقول لهم إن اسمه أحمد جمعة وأنا اسمي في الكيملك جمو ولكن عائلتي وأصدقائي ينادونني جمعة .. بعد ذلك أخبرت دائرة الهجرة والتجنيس أنه تم العثور على ابني الضائع وقامت بلم شمله مع العائلة في السويد".
ضحية تنمر و"عنصرية"
مأساة الرجل السوري لم تنته بعد أن عثر على ابنه الضائع أحمد، حيث بدأت قبل نحو سبعة أشهر معاناة جديدة مع "ضياع" من نوع آخر لابنه موسى الذي يقول إنه عانى من العنصرية والتنمر من قبل معلمته وزملائه في المدرسة.
ويقول اللاجئ السوري إن ابنه موسى "كان يعاني من التنمر والعنصرية من زملائه في المدرسة وعندما كان يشتكي للمعلمة في الصف كانت تصطف مع زملائه الذين تنمروا عليه، وكان يشتكي ابني من سوء معاملة المعلمة له حيث قال إنها كانت تمسكه بقوة من يده في بعض الأحيان وتصرخ كثيراً في وجهه.. وهنا موسى كره المدرسة وصار يتغيب عنها وطلب نقله إلى مدرسة أخرى".
طلب جمو موعداً من السوسيال ليحصل على المساعدة في حل مشكلة ابنه ونقله إلى مدرسة أخرى.
وتابع حديثه: "السوسيال صار يماطل بإيجاد حل حتى ينتهي العام الدراسي 2021، وبعد ذلك صاروا يقولون لي موسى لسانه طويل ويتشاجر دائماً مع الأطفال الآخرين".
وقبل أن يبدأ العام الدراسي الجديد قرر السوسيال سحب موسى لمدة 3 أشهر ووضعه عند أسرة بديلة.
وأوضح جمو: "كُتب في القرار أن الأبوين وافقا على سحب الطفل، لكننا لم نفهم بالضبط نص القرار بسبب ضعف لغتنا وعندما اكتشفنا فحواه طلبنا إعادة موسى للمنزل، لكنهم رفضوا ذلك، ثم طبقوا عليه قانون حماية الأطفال واليافعين LVU".
في العائلة البديلة.. تشرد وضياع ومحاولتا انتحار
أشار جمو إلى أن الأسرة البديلة مكونة من امرأة من أصول أفغانية إضافة إلى طفلة مسحوبة أيضاً من أهلها، وأكد أن هذه المرأة كانت تعطي موسى حريته في البقاء خارج المنزل على أن يعود قبل الـ 12 ليلاً، "وهنا صار متشرداً وصاحب شباناً أكبر منه، وحاول الانتحار مرتين عبر رمي نفسه من النافذة لأنه كان يرفض البقاء معها ويريد العودة إلينا".
وأضاف الأب جمو: "بعد فترة هرب ابني من منزل تلك المرأة وقال لي إنه لا يريد البقاء معها، وعندما سألته عن السبب قال إنها تسيء معاملته، وأحياناً كان تجبره على البقاء خارج المنزل حتى الساعة الثانية عشرة ليلاً".
لكن أكثر ما صدم جمو مما سمعه من ابنه أن "المرأة كانت تمارس الجنس مع صديقها على مسامع ابني".
تواصل جمو مع السوسيال ووضعهم في صورة الأمر وما أبلغه ابنه عنه من سوء المعاملة وممارسة الجنس العلني، فرفضت السوسيال الاستماع إليه ولم تعره أي اهتمام.
وبعد أخذ ورد لعدة مرات وبعد أن هرب موسى من منزله المرأة إثر عدة مشاجرات معها، قررت السوسيال نقله إلى منزل أسرة أخرى.
"موسى يترجانا لنعيده للمنزل ويأخذ قطعة من ثياب أمه"
العائلة الجديدة كانت رجلا سويديا يحتضن ثلاثة من أعمار مختلفة أحدهم عمره 20 عاماً وكلهم مسحوبون من أهلهم، وأكد جمو أن الرجل السويدي كان يسيء معاملة ابنه موسى.
هرب موسى مرات عدة من منزل العائلة الجديدة وأبلغ والده أن الرجل أيضاً يشتمه وعائلته بألفاظ نابية وأنه يريد العودة إلى عائلته الأصلية.
وقال جمو: "لا أعرف ماذا أفعل ومع من أتواصل وتعبت جداً .. أنا لا أريد شيئا سوى ابني".
وأضاف: "حالياً لا أعرف أين موسى، كان يهرب بين الحين والآخر من الأسرة الحاضنة ويأتي إليّ وأحياناً يهرب ويبقى مشرداً في شوارع مالمو.. ابني ضاع في السويد على مرأى عيني ولا أعرف كيف أنقذه ولا أعرف من يستطيع مساعدتي".
وأشار الأب إلى أنه لم يعد يستطيع السيطرة على ابنه موسى لأنه بعيد عنه ويبقى حتى ساعات متأخرة في الليل في شوارع مالمو والأسرة الحاضنة لا تهتم لأمره.
وتابع: "قبل أيام هرب من الأسرة الحاضنة والآن هو مشرد لا يستطيع الرجوع إلي لأني سأكون مجبراً على إخبار السوسيال الذي سيأتي لأخذه ولا يستطيع أن يرجع لعند ذلك الرجل لأنه يخاف منه ويسيء معاملته.. كان كلما هرب إلينا أبلغ السوسيال فيأتي الموظفون ليأخذوه ويحرقون قلبي على فراقه ويقول لنا (مشان الله لا تتركوني) لكني لا أستطيع إلا أن أخبرهم وإلا سأدخل بمشكلات معهم .. البيت حزين منذ أن غادرنا موسى لأنه أكثر إخوته حنية لدرجة أنه كلما هرب إلينا يطلب أن يأخذ صورا لنا أو قطعة من ثيابي أو ثياب أمه".
الوضع الدراسي لموسى يزداد سوءاً
وبحسب ما يقول اللاجئ السوري فإن ابنه موسى منذ أن تم سحبه بداية شهر آب الماضي لم يداوم في مدرسته سوى عشرة أيام تقريباً، مضيفاً "صار وضعه الدراسي أسوأ بكثير مما كان عليه".
ويضيف: "موسى لم ير يوماً سعيداً منذ ولد فعمره من عمر الثورة وعاش معي كل مراحل النزوح والهجرة والخوف خلال رحلتنا إلى السويد .. والآن يعيش أسوأ مراحل حياته من تشرد وضياع بسبب ما قام به السوسيال!".
يشار إلى أن السوسيال ترفض الرد على الأسئلة عن الحالات الفردية وتقول دائماً إنها تسحب الأطفال من ذويهم حين يثبت أن الأهل غير مؤهلين لتربية الأطفال.