كانت ارتدادات قرار بشار الأسد بإلغاء منصب مفتي سوريا واسعة في أوساط المشايخ السوريين في الداخل، وأعرب بعضهم لموقع تلفزيون سوريا عن مخاوفهم المتطابقة مع ما أعلن عنه معظم المشايخ والناشطين، ورحبوا كذلك بقرار تعيين الشيخ أسامة الرفاعي مفتياً للجمهورية العربية السورية.
ولم يكد يجف حبر توقيع رئيس النظام على المرسوم رقم 28 اللاغي لمنصب مفتي الجمهورية حتى رفع علماء كل من دمشق وحلب وحمص برقيات شكر وولاء للأسد على المرسوم الذي عزز دور المجلس العلمي الفقهي في وزارة الأوقاف والمؤسسة الدينية.
هذا ما نشرته وزارة الأوقاف ومديرياتها في تلك المحافظات على معرَّفاتها الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك، بعد يوم من صدور المرسوم، وأيام من رد قاس أصدره المجلس العلمي الفقهي على تفسير المفتي حسون لإحدى الآيات القرآنية، والذي اعتبر المجلس تفسيره "تحريفا" وشدد على "عدم الانجرار وراء التفسيرات الشخصية الغريبة".
والمجلس العلمي الفقهي الذي يترأسه وزير الأوقاف في حكومة النظام عبد الستار السيد كان أُحدث في 2018 وفقا للمادة الخامسة من القانون رقم 31 الخاص بالأوقاف.
لكن علماء ومشايخ في دمشق وسوريا كان لهم رأي مختلف لم يخرج للعلن بعد، وهنا عينة من رأي هؤلاء الذين تحفظوا على ذكر أسمائهم خوفاً من تعرض النظام وميليشياته لهم.
"المهم ألا تمس حرية المعتقد"
سامح وهو اسم مستعار لدكتور في كلية الشريعة بجامعة دمشق قال لموقع تلفزيون سوريا: "بعد كل هذا الجدل والنقاش من المهم التأكيد على أن حرية المعتقد مصانة، ويجب ألا تمس مهما حدث من تغييرات في هيكلية المؤسسة الدينية".
ويرى أن إلغاء منصب المفتي على أهميته أصبح أمراً واقعاً اليوم، وأن النظام يسعى من وراء هذه الخطوة للسيطرة على الحياة الدينية في سوريا وأدلجتها بما يخدم مصالحه بعد فقدانه السيطرة على المجال الديني بعد الثورة السورية في العام 2011.
وأضاف أنّ منصب المفتي له رمزية تاريخية في سوريا لكن يبدو أن موضوع إلغاء منصب المفتي يصب في إطار مشروع ما يسمى "الإصلاح الإداري" الذي يقوم به النظام والذي أدى ويؤدي لتفكيك ودمج في هيكلية مؤسسات النظام ووزاراته، ولم تكن الأوقاف بعيدة عن هذا الشيء.
معارضة واسعة لقرار الأسد
أما حسين وهو اسم مستعار لشيخ دمشقي فقال للموقع "إن أغلب مشايخ دمشق يعارضون مرسوم إلغاء منصب المفتي" وكانوا يفضلون إبقاءه وتعيين مفتي دمشقي وليس حلبياً كما جرى في تعيين أحمد حسون الذي كان مفتياً إعلامياً أكثر من كونه مفتياً دينياً.
وشدد الشيخ الدمشقي على أن حسون أضاع هيبة المنصب من خلال تملقه للنظام وتجيير كل المناسبات سواء كانت دينية أو غير ذلك للحديث عن النظام وامتداحه بصورة أضحت "مقرفة جداً"، وأن حسون لم يكن إلا مفتي السلطان.
وقال: "اليوم لدينا 44 مفتياً بعدد أعضاء المجلس العلمي الفقهي، وهؤلاء تتم تسميتهم جميعاً من وزير الأوقاف، وهو مجلس ديكوري تابع لوزير الأوقاف الذي هو أحد أشخاص السلطة التنفيذية ويعمل وفقاً لهواه".
ترحيب بالرفاعي
وأشار الشيخ حسين إلى أن المحاصصة المذهبية الموجودة داخل المجلس الفقهي، ما هي إلا لكسر احتكار السنة لمركز الفتوى".
وأكد عدد من المشايخ الذين التقاهم موقع تلفزيون سوريا أنه مع صدور قرار بشار الأسد بإلغاء منصب المفتي في سوريا، استذكر معظم المشايخ أسماء عهدتها دمشق في الأصالة والقوامة، وتساءلوا أين هو الشيخ أسامة الرفاعي وسارية الرفاعي والشيخ أحمد معاذ الخطيب؟ في إشارة منهم إلى أن "زمن الدين والتدين في دمشق قد ذهب مع هؤلاء ولاسيما عندما أصبح رجال الدين واجهة للقصر الجمهوري"، بحسب قول أحدهم.
وبذلك لقي قرار المجلس الإسلامي السوري إعادة منصب المفتي وتعيين الشيخ أسامة عبد الكريم الرفاعي مفتياً عاماً للجمهورية العربية السورية، ترحيباً واسعاً في أوساط المشيخة السورية والدمشقية من الدوائر البعيدة عن سلطان الأسد.
وذكر المجلس الإسلامي في بيان الإعلان يوم السبت الفائت أن هذه الخطوة جاءت "لإعادة الأمور إلى نصابها التاريخي بإبقاء هذا المنصب وإرجاع الاختيار فيه إلى يد كبار علماء هذه البلاد وفقهائها كما كان من قبل"، مشيراً إلى أن "الرفاعي" سيتوجه إلى "الجماهير" بكلمة خلال الأيام القليلة المقبلة.