خسرت الليرة السورية أكثر من ثلث قيمتها خلال شهر ونصف متجاوزة عتبة الـ 10 آلاف ليرة في مقابل كل دولار، وصولاً إلى أكثر من 13 ألف ليرة في مناطق سيطرة النظام السوري خلال النصف الأخير من شهر تموز 2023، تاركة الناس أمام مجهول كبير لما ستكون عليه الأسواق خلال الأيام المقبلة.
ويتابع السوريون في المحافظات التي يسيطر عليها النظام، أسعار الليرة لحظة بلحظة، على أمل توقف هذا الانهيار الذي يوحي بمخاطر كبيرة على لقمة العيش اليومية، وسط استمرار الرواتب على حالها، وتحول الكثير من السلع إلى التسعير بالدولار مباشرة، وإن كان التجار يقبضون عشرات ملايين الليرات التي ينظر إليها بأنها بلا أي قيمة.
تخبط بالأسواق
ورغم أن البنك المركزي للنظام السوري، كان يعدل أسعار الصرافة والحوالات منذ فترة، إلا أنه ما زال عند 9900 ليرة لكل دولار منذ فترة، بالوقت الذي تنشط فيه السوق السوداء بشكل كبير، مع اعتماد مباشر من قبل التجار والصناعيين على المنصات الإلكترونية والمواقع العاملة خارج سوريا لتسعير الدولار.
وأدت مشكلة انهيار الليرة السورية أمام الدولار وارتفاع أسعار الذهب إلى تخبط كبير في الأسواق السورية خصوصاً بما يتعلق بتسعير المنتجات والسلع والمواد الغذائية، التي باتت تغير أكثر من 3 مرات في اليوم الواحد، وسط إغلاق الكثير من التجار لمحالهم أو احتكار منتجات وعدم توزيعها بالأسواق.
تعديل الأسعار عدة مرات باليوم
وفي حديث لموقع "تلفزيون سوريا" قال أبو رضا، أحد تجار الجملة في العاصمة السورية دمشق، إنه اضطر لإيقاف بيع الكثير من المنتجات لتجار المفرق، لأنه سيخسر بشكل كبير جداً إن استمر الوضع على حاله.
وأضاف أبو رضا، الذي رفض كشف اسمه لما قد يعرضه لمخاطر أمنية، أنه لا يمكن الحديث عن ذلك بشكل علني، الوضع الاقتصادي في سوريا كل ساعة يزداد سوءاً، يعني أحياناً يتصل بنا التاجر سائلاً عن سعر منتج معين نعطيه السعر وعندما يأتي للشراء يأخذه بفرق 500 ليرة على الأقل.
ولفت إلى أن التجار يراقبون سعر الصرف لحظة بلحظة، وهناك تطبيقات تعطي إشعارات لمعرفة سعر السوق الحقيقي، والآن الكل يسعر بـ 13500 لكل دولار، وإن كان السعر أقل من ذلك بألف ليرة تقريباً اليوم.
كذبة الانفراجة الاقتصادية
وبلغ سعر غرام الذهب 21 قيراطاً في العاصمة السورية دمشق، 691 ألف ليرة سورية، وفق أسعار 31 من تموز الجاري، بالسوق السوداء.
ورغم البشائر التي تم الحديث عنها خلال الأشهر الماضية، بعد تطبيع علاقات النظام السوري مع دول عربية غنية مثل السعودية، إلى جانب العلاقات الوثيقة للنظام مع الإمارات، لم يتحسن الوضع الاقتصادي بل تراجع أضعافاً مضاعفة مع حلول فصل الصيف.
ولا تكمن المشكلة فقط في انهيار الليرة، فقد كان هذا الصيف من بين الأسوأ على السكان في مناطق سيطرة النظام، لارتفاع درجات الحرارة إلى مستويات غير مسبوقة، وسط انقطاع مستمر للتيار الكهربائي وزيادة في ساعات التقنين، حيث لا يجد السوريون مياهاً باردة لشربها، ولا مراوح أو مكيفات لتشغيلها.
وقال حسن رؤوف، أحد العاملين في محل مفرق بدمشق، إن الوضع بات لا يحتمل أبداً في سوريا، يعني الغلاء تجاوز المستحيل، الناس تمر وتسأل ولا أحد يشتري، ولم نعد نضع الأسعار على أي سلعة بسبب كثرة تغييرها.
وأضاف لموقع "تلفزيون سوريا" أن عدد الأسئلة عن الأسعار يصل إلى 10 أضعاف من يشتري، طبعاً هناك أشخاص يسألون قبل يوم أو في الصباح وعندما يعودون للشراء تكون الأسعار قد تغيرت، ما يجعلهم يحجمون عن الشراء.
ولفت إلى أن وسائل إعلام النظام صدعت رؤوسنا بأن هناك انفراجة اقتصادية قادمة بعد تحسن العلاقات مع دول الخليج، لكن ما حصل هو أسوأ من السابق بمراحل.
وأشار إلى أن الليرة السورية أصبحت بلا أي قيمة، ندفع بعشرات الملايين فاتورة كنا ندفع عليها 3 أو 4 ملايين ليرة قبل أقل من سنة، ما يعني أن الانهيار الاقتصادي إما أنه بدأ بشكل جدي أو سندخل به قريباً.
ما سبب الانهيار؟
وترى حسناء عبد الله، طالبة في كلية الاقتصاد، أن الليرة السورية تنهار، لوجود كثير من المضاربات في السوق السوداء عليها، بشكل أكبر من السابق خصوصاً بعد انخفاضها إلى أكثر من عتبة 10 آلاف ليرة، ما جعل العاملين في مجال الصرافة يخشون من سيناريو لبنان، بالانهيار الدراماتيكي المتسارع.
وأضافت في حديث لموقع "تلفزيون سوريا"، أن هناك تهريباً واسعاً في السوق السورية، وهو موضوع قديم جداً، ولكن هذا التهريب ترافق مع تغيرات معينة خلال الآونة الأخيرة، لا أعرف ما هي، ولكن هناك فقدان منتجات كثيرة من الأسواق، ربما أسهمت في ذلك، وهناك نقص كبير في الاستيراد، ما يعني منع تداول الدولار واكتنازه ما يزيد من احتمالية انهيار الليرة.
وأشارت إلى أن "غياب الاستثمارات الأجنبية الحقيقية في مناطق سيطرة النظام السوري، طبيعية، لأنه سوق غير موثوق أبداً، والخسارة فيه مضمونة، لانعدام أي معدل من معدلات الشفافية والنزاهة".
ولفتت إلى أنه لا يمكن فك ارتباط، مشكلة الدولار في سوريا، مع الانهيار الحاصل في لبنان، وهناك خط تهريب يعمل ليلاً ونهاراً بين الطرفين، وهذا التراجع في سعر الليرة السورية قد يكون له صلة بتهريب قطع أجنبي إلى خارج سوريا.
ولا تعتقد عبد الله أن الليرة السورية ستتحسن في الوقت القريب، لأن المسببات الموجبة لتراجعها جميعها موجودة، ولكن من الممكن أن تستقر في حال تدخل النظام بتخفيف موجة الفساد العارمة وعمليات التهريب.
وعود الزيادة كاذبة
وما يزال متوسط راتب الموظف الحكومي في سوريا، لا يتجاوز الـ 100 ألف ليرة (أقل من 8 دولارات شهرياً)، رغم الوعود التي بات النظام يعطيها منذ نيسان الماضي، والتي كان حينها يتم الحديث عن زياة قد تصل إلى 200 في المئة.
مع الارتفاع الجديد في الأسعار وانهيار الليرة إلى أدنى مستوياتها لم تعد زيادة الـ 200 في المئة الموعودة منذ نحو 4 أشهر ذات فائدة، لأن أسعار كل شيء تضاعفت أضعافاً مضاعفة.
وقال أحمد السادات، أحد المدرسين بحي الزاهرة بدمشق، إن مهنة التعليم كانت في سوريا منذ قديم الزمان مهنة لا تجعلك غنياً، هذا صحيح، لكن المشكلة الآن، أنها سبب أساسي في إفقارك لأدنى درجة.
وأضاف السادات لموقع "تلفزيون سوريا" أنه رغم عملي في الدروس الخصوصية، إلا أن الناس ليس لديها مال كافٍ لتعطينا، يعني الساعة بـ 30 ألف ليرة، مبلغ قد لا يتجاوز دولارين، ولا يشتري لي دجاجة مشوية لعائلتي.
وأشار إلى أن الخروج من سوريا كان مشكلة، نسمع اليوم عن حالات العنصرية ضد السوريين في كل مكان، وكان البقاء في سوريا مشكلة أكبر لأننا نتجه إلى الموت جوعاً بشكل حرفي.
ولفت المدرس السوري، إلى أن "الأزمة الاقتصادية زادت من نسبة الفساد بشكل كبير جداً، ولم يعد هناك أي تكاتف بين الناس، وقد يكون البعض مضطراً حتى لا يخسر رأسماله، ولكن في المقابل لم يعد هناك أي رقابة على شيء، والكل يسعر على كيفه".