لم تعد مهنة سائقي السرافيس "الميكرو باص" تؤمن لقمة العيش لعائلة مكونة من شخصين أو أكثر، فالدخل اليومي لا يكفي لشراء طبخة نباتية للأسرة، في ظل أزمة طاحنة يعيشها السكان في مناطق سيطرة النظام السوري، ما يجعل الكثير من السائقين يتجاوزون التعريفة الرسمية.
ويعمل بهذه المهنة أكثر من 20 ألف سائق في دمشق وريفها، في قيادة 8510 سرافيس في العاصمة دمشق، و176 حافلة للشركات الخاصة، و140 حافلة لشركة النقل الداخلي، أما الريف وحده فيضم نحو 8 آلاف سرفيس.
تجاوز التسعيرة
في المقابل يشتكي كثيرون من استغلال أصحاب السرافيس وسائقيها لحاجة الناس إلى التنقل ولا يلتزمون بالتسعيرة الموجودة، في وضع مأساوي يبدو فيه أن الطرفين ضحية فشل النظام في تحسين أي شيء بمناطق سيطرته.
وتبدأ تعريفة ركوب السرفيس الرسمية في دمشق بـ 1000 ليرة سورية ولا تتجاوز الـ 2000 ليرة للخطوط الطويلة التي تصل بين دمشق والريف والضواحي، ولكن لا يلتزم معظم سائقي السرافيس بتلك التسعيرة لأن أرباحها لا تكفي وجبة غداء.
ويبدو أن النظام السوري فشل في تطبيق نظام "جي بي إس" على السرافيس لحساب ما يصرفونه من وقود مدعوم.
يركّب جهاز التتبع "جي بي إس" ضمن وسيلة النقل، وهدفه تحديد مكان السيارة وسرعتها والمسافة التي تقطعها، وكمية الوقود الموجودة فيها ومتى أقلعت أو توقفت، وكم توقفت، إضافة إلى كل معلومات السيارة وأجهزتها التقنية.
وأرغم النظام أصحاب السرافيس عام 2022 على تركيب هذه الأجهزة على حسابهم بمبلغ يصل إلى 500 دولار تقريباً (حينها)، إضافة إلى اشتراك شهري بـ 2500 ليرة سورية.
جهاز التتبع لديه بطارية خاصة به يستطيع أي شخص وضعه في جيبه ونقله عبر خط السرفيس، فيبدو وكأن السائق قد قطع الطريق المخصص له.
كيف يرى السائقون الأمر؟
ورصد موقع "تلفزيون سوريا" واقع وسائل النقل في دمشق وريفها، حيث هي معركة يومية للناس الذين يريدون الوصول إلى أعمالهم أو جامعاتهم أو مدارسهم، بتكاليف ليست قليلة مقارنة مع دخلهم الشهري.
وقال أبو ياسين الذي يعمل سائق سرفيس على أحد الخطوط بدمشق، إننا نحصل على 30 ليتراً من المازوت المدعوم يومياً، ما يكفي لأربع أو خمس رحلات بأحسن الأحوال.
وأضاف في حديث لموقع "تلفزيون سوريا" أن ليتر المازوت المدعوم بألفي ليرة، أقل رحلة تحتاج ما بين 5 أو 6 ليترات يعني 12 ألف ليرة، والرحلة بحسب التسعيرة مستحيل أن تتجاوز 25 ألف ليرة.
وأردف أبو ياسين أن "السرافيس في سوريا كلها قديمة وبالغالب تغير المحرك تبعها أكثر من مرة، يعني كيف ماشية ما حدا بيعرف، بدنا غيار زيت شهري 300 ألف ليرة، بدون أي عطل أو معاينة دورية".
ولفت إلى أن شرطة المرور في دمشق، "من المستحيل أن يمر يوم علينا بدون دفعة (رشوة) حتى يتركونا بحالنا، يعني أقل شي بيقلك ركاب زيادة أو وقوف بمكان ممنوع، تعطيل سير، وهكذا".
وبحسب أبي ياسين الكثير من السائقين مضطرون بعدم الالتزام بالتسعيرة، يعني قلة السرافيس التي تعمل على الخط بشكل فعلي تدفع الناس لدفع أي مبلغ لركوب السرفيس، لأن التكسي بعشر أضعاف.
وتختلف التسعيرة غير الرسمية من خط إلى آخر، إلا أنها تبدأ من 4 آلاف ليرة للراكب إلى 6 آلاف ليرة للخط الطويل.
وأوضح أن الكثير من السرافيس تعمل بطلبات خاصة، عبر شراء الحصول على المازوت المدعوم ثم إكمال حاجتهم بالمازوت الحر الذي يتجاوز سعر اللتر النظيف منه 17 ألف ليرة على الأقل.
ورغم أن الناس تشتكي من ارتفاع أسعار النقل في سوريا، إلا أن مشكلتها هي في أزمة النقل وتبعاته النفسية وعدم توفر وسائل نقل متاحة بشكل دائم.
وأدت أزمة الوقود إلى عدم التزام السائقين بخطوطهم كاملة، إما عبر اختصار خط سير المركبة لينحصر فقط ضمن المنطقة الواحدة، وهنا يلتزم الشوفير بالتسعيرة بألف ليرة ضمن نطاق لا يتجاوز كيلومترين أو عبر زيادة التعرفة من خلال الالتزام بالخط كاملاً.
ويشتكي من التقينا بهم من قلة عدد حافلات النقل الداخلي، التي يجب أن تقوم بتأمين نقل الناس خصوصاً في وقت الذروة.
تجاوز التسعيرة مشكلة بسيطة أمام أزمة الركوب
وفي مقابلتنا للعديد من الركاب أجمع معظمهم أن مشكلة النقل في دمشق وريفها من أكثر الأمور التي يعانون منها يومياً، وكلفتها مرتفعة جداً، لأن إمكانية الركوب بالسرفيس هي فقط عبر دفع التسعيرة الأعلى.
وقال حسام أحد طلاب كلية الطب في جامعة دمشق، لموقع "تلفزيون سوريا" إنه يسكن في جديدة عرطوز، "بأغلب الأيام لا أستطيع الركوب بسبب أن السرفيس يكون ممتلئاً، وإن حصل وركبت لا أناقش الشوفير بالتسعيرة، قد ما طلب لح اعطيه، إن التسعيرة الرسمية هي 1500 ليرة، أحياناً بدفع 5 آلاف ليرة بحجة أنو المازوت حر مو مدعوم".
من جانبها، قالت ابتسام التي تركب خط دوار شمالي الذي ينطلق من ساحة العباسيين وصولاً إلى مشفى المواساة بحي المزة، كما هو معروف هذا من أسوأ الخطوط في سوريا كلها.
وأضافت لموقع "تلفزيون سوريا" أنها تقف ساعة أحياناً ولا يكون هناك سرفيس، وأحياناً تركب ولا يكمل الشوفير الخط بحجة عطل أو انتهاء المازوت فيقف بساحة شمدين أو دوار التربية فقط.
ولفتت إلى أن "التسعيرة الرسمية هي ألف ليرة، إلا أن بعض السائقين يأخذون منا 1500 ليرة وأحياناً ألفي ليرة".
ما بتشتري فروج
بدوره قال عمار الذي يعمل سائقاً بالنسبة على خط الدوار الشمالي، إن التسعيرة التي تضعها الدولة لا تكفي أي شيء.
وأضاف عمار الذي لديه 4 أولاد، "أنا إن التزمت بالتسعيرة بطلع باليوم 120 ألف ليرة تقريباً بحسب المازوت المدعوم، بعطي 40 ألف ليرة لصاحب الميكروباص، و40 ألف ليرة حق مازوت مدعوم وببقي 40 ألف ليرة الي كشوفير".
وأكّد أن 40 ألف ليرة لا تشتري فروج مشوي لعائلة، اليوم في دمشق أقل نوع فروج مشوي يصل إلى 70 ألف ليرة.
وقال عمار إن "بدك تموت من الجوع اشتغل شوفير ميكرو بسوريا، إن اشتريت سندويشة فلافل خلال النهار اعتبر أنو انكسرت".
وأشار إلى أن "السائق يقف عدة ساعات على الكازية لتعبئة 30 ليتراً، دائماً هناك نقص بالكمية، وأحياناً بيلطشوا منك أكثر من التسعيرة المدعومة".
وتسبب رفع أسعار المحروقات في سوريا إلى تفاقم الأزمة المعيشية في مناطق سيطرة النظام، خصوصاً أن هذه الخطوة تسببت بارتفاع الأسعار إلى درجات غير مسبوقة، مع فقدان الليرة السورية قيمتها أمام الدولار وتسجيلها بحسب آخر الأرقام 13500 ليرة، وفق موقع الليرة اليوم.
وقال أبو النور أحد مراقبي خطوط السرفيس بريف دمشق، إن "الكثير من السائقين لا يلتزمون بخطوطهم ويفضلون شراء المازوت الحر والقيام برحلات خاصة عبر الاتفاق مع موظفين بشركات خاصة أو طلاب جامعات".
وأضاف أن "التسعيرة الموضوعة لا تكفي شيئاً، فالناس معها حق والسائقون أيضاً لديهم حق، يعني من يؤمن لعائلة شوفير السرفيس أكلها وشربها في مهنة شاقة ومتعبة".
ولفت إلى أن "هناك مخالفات كثيرة تقوم بها شرطة المرور لمن يرفع التسعيرة، إلا أن الفساد المتفشي بكل متر في سوريا يسمح لك بأن تفعل ما تشاء طالما أنك تدفع يميناً وشمالاً".