شهدّت الساعات الأخيرة مِن مساء أمس الإثنين وفجر اليوم الثلاثاء، تقدّماًً لـ قوات "نظام الأسد" في مدينة خان شيخون جنوب إدلب ومناطق عدّة مجاورة لشمال حماة، وسط قصفٍ مكثّف بمختلف أنواع الأسلحة على المنطقة، شاركت فيه عشرات الطائرات الحربية التابعة لـ"النظام" وروسيا.
وتواردت الأنباء عن سيطرة - شبه كاملة - لـ قوات النظام على مدينة خان شيخون، بعد سيطرتها على محور "تل النمر" عند المدخل الشمالي الغربي للمدينة، واضطرار الفصائل العسكرية للانسحاب تحت وابل القصف الجوي الكثيف، فضلاً عن انسحاب الفصائل المتمركزة في ريف حماة الشمالي المجاور، الذي بات خالياً مِن أي وجود عسكري أو مدني، إلى شمال خان شيخون.
وحسب ما نقل ناشطون عن مصادر عسكرية، فإن نقطة المراقبة التركية قرب مدينة مورك لم تحاصر مِن قوات النظام التي تواصل تقدّمها في المنطقة، وأنَّ هناك طريقاً سالكاً مِنها إلى بلدة التمانعة شرقي خان شيخون، فيما أشارت مصادر أخرى إلى أن كل الطرق باتت مرصودة "ناريّاً"، وأن جميع مقاتلي الفصائل انسحبوا مِن مدينتي (كفرزيتا، واللطامنة) والبلدات والقرى في محيطهما باتجاه نقطة المراقبة في مورك.
عسكرياً، ترتبط السيطرة على مدينة خان شيخون بالسيطرة "حكماً" على مدن (كفرزيتا واللطامنة ومورك) والمناطق المحيطة بها شمال حماة، لأن السيطرة على الخان تُجبر الفصائل المتمركزة شمال حماة على الانسحاب خشية إطباق الحصار عليها، وهذا ما فعلته الفصائل، حسب مصادر عسكرية مِن غرفة عمليات "الفتح المبين".
ونظراً لـ مجريات العمليات العسكرية جنوب إدلب، يبدو أن روسيا - الداعمة لـ "النظام" - ما تزال تستخدم سياسة "الجيوب المحاصرة" التي اعتمدت عليها خلال السنوات الماضية لـ خنق تلك الجيوب عبر حصرها بين كفّي كماشة، وغالباً ما تبوء محاولات الفصائل بالفشل في ضربِ جوانب الفكّين، في ظل استخدام سياسة "الأرض المحروقة" التي تتبعها روسيا أيضاً في حال عجزها عن التقدّم أمام أي مقاومة شرسة للفصائل.
ورغم إرسال فصائل الجيش الوطني (العاملة في مناطق النفوذ التركي بريف حلب) مئات المقاتلين المجهّزين بالسلاح والذخائر مع آليات السلاح الثقيل إلى إدلب، إلّا أنها على ما يبدو - حسب ناشطين - لم تدخل المعركة، التي تواصل قوات النظام التقدّم فيها على حساب فصائل غرفة عمليات "الفتح المبين".
المحلل السياسي والعسكري (العقيد أحمد حمّادة) اعتبر في تصريح لـ موقع تلفزيون سوريا، أن دخول قوات النظام إلى خان شيخون ليس أمراً غريباً ولا مستبعداً، لأن القوة العسكرية التي يملكها "نظام الأسد" وميليشياته، إضافةً للقوة الجوية الروسية والدعم اللامتناهي مِن روسيا، لا بّد أن يفرض أمراً واقعاً على الأرض رغم صمود الفصائل أكثر مِن 115 يوماً، أمام محاولات "النظام" الوصول إلى الخان.
محلّلون آخرون، اعتبروا أن الدخول المفاجئ لـ قوات النظام إلى خان شيخون، رغم محاولة الجيش التركي إنشاء نقاط مراقبة جديدة تمنع تقدّم "النظام" في المنطقة، ليس أكثر مِن اتفاقات مسبقة بين الأطراف الفاعلة بالشأن السوري وبشكل الخاص بين الجانبين التركي - الروسي اللذين يملكان نفوذاً عسكرياً في المنطقة، مِن أجل تأمين خطوط التجارة الدولية على الطريق الدولي "M5".
وأضاف المحلّلون، أنه ليس بالضرورة أن تكون الفصائل المقاتلة هناك طرفاً في هذه الاتفاقات، بل إن استشراس روسيا و"نظام الأسد" على التقدّم في المنطقة تحت وابل القصف الشديد، فضلاً عن استهداف الرتل التركي وبشكل مباشر الذي حاول منع "النظام" مِن التقدّم إلى الطريق الدولي، ربما يدل على أن الفصائل تقف "عثرة" أمام تحقيق تلك التفاهمات، التي ستُفرض عليها تحت أي ظرف.
"النظام" يستهدف الرتل التركي ويتقدّم في خان شيخون
جاء تقدّم قوات النظام في خان شيخون بعد ساعات مِن استهداف طائرات "النظام" الحربية رتلاً عسكرياً للجيش التركي قرب مدينة معرة النعمان المجاورة، وذلك خلال محاولة الجيش إنشاء نقاط مراقبة جديدة شمالي الخان تمنع "النظام" مِن التقدّم إليه وقطع الطريق الدولي، فضلاً عن تأمين الطريق إلى نقطة المراقبة التاسعة قرب مورك.
وزارة الدفاع التركية اكتفت في بيانٍ، أمس، بإدانة استهداف رتلها العسكري، معتبرةً أنه "انتهاك للاتفاقيات المبرمة مع روسيا حول إدلب"، داعيةً لـ"اتخاذ كل التدابير لضمان عدم تكرار الهجوم، مع احتفاظها بحق الرد"، مؤكّدةً أن الاستهداف أدّى إلى مقتل 3 مدنيين وإصابة 12 آخرين، كانوا قرب الرتل.
ولكن وزير الخارجية التركي (مولود جاويش أوغلو) أكّد اليوم - حسب وكالة "الأناضول" -، أن نقطة المراقبة التاسعة في مورك ستبقى هناك، محذّراً "نظام الأسد" مِن "اللعب في النار"، ومشدّداً على أن غاية بلاده إعادة الأمان والاستقرار إلى إدلب.
المحلل السياسي والعسكري (العقيد أحمد حمّادة)، أشار إلى أن ضرب "نظام الأسد" للرتل العسكري التركي هو عبارة عن توجيه روسي، مِن أجل منع وصوله لـ تعزيز نقاط المراقبة في مورك، وأن تركيا بالمقابل عبر إرسال الرتل أوصلت رسالة أنها ما تزال مستمرة في دعم النقاط التركية والمعارضة السورية، حتى يتم اتفاق جديد أو تفعيل "اتفاق سوتشي"، أو ربما تبقى الأمور خارج السيطرة، ويكون اتفاق "سوتشي" ومحادثات "أستانا" قد أصبحت جزء مِن الماضي.
وحسب ناشطين، ما يزال رتل الجيش التركي متوقّفاً على أطراف الطريق الدولي قرب قرية "معرحطاط" جنوب إدلب، ولم يتحرّك نتيجة القصف الجوي الكثيف لـ طائرات روسيا و"نظام الأسد" على المدن والبلدات الواقعة على أطراف الطريق بالمنطقة.
اقرأ أيضاً.. طائرات "النظام" تستهدف رتلاً عسكرياً لـ تركيا جنوب إدلب (فيديو)
يشار إلى أن مدينة خان شيخون التي يدخلها "النظام" لأول مرّة منذ سيطرة الجيش الحر عليها، أواخر أيار عام 2014. تعرّضت - طوال سنوات الثورة السورية المستمرة - لـ قصفٍ بمختلف أنواع الأسلحة حتى "المحرّمة دولياً"، وارتكبت قوات النظام فيها مجازر عدّة أبرزها "مجزرة الكيماوي"، يوم الرابع مِن شهر نيسان عام 2017، التي راح ضحيتها عشرات المدنيين وأصيب المئات بحالات اختناق (جلّهم أطفال ونساء).
ويمر مِن وسط مدينة (خان شيخون) كبرى مدن ريف إدلب الجنوبي وخط الدفاع الأول عنه، جزء من الطريق الدولي "M5"، الذي تسعى روسيا وقوات النظام للسيطرة عليه بشكل كامل، على اعتبار أنّه يشكّل شرياناً حيوياً يربط بين أبرز المدن الخاضعة لـ سيطرة "النظام" مِن حلب شمالاً مروراً بـ كبرى مدن ريفي حماة وحمص - في الوسط - إلى العاصمة دمشق، وصولاً إلى "معبر نصيب" الحدودي مع الأردن.
تأتي هذه التطورات، في ظل حملة عسكرية شرسة تشنّها قوات النظام - بدعم روسي - منذ أواخر شهر نيسان الفائت، على محافظة إدلب وريفي حماة الشمالي والغربي وريف اللاذقية الشمالي، أدّت إلى وقوع مئات الضحايا مِن المدنيين، ونزوح عشرات الآلاف، فضلاً عن دمارٍ واسع طال الأحياء السكنيّة والبنى التحتية والمنشآت الخدمية.