تشهد مدينة دوما في غوطة دمشق الشرقية، منذ أيام، فعاليات وحفلات غنائية يحييها فنانون لبنانيون بمناسبة انتخابات رئاسية يجريها نظام الأسد، وسط رفضٍ دولي واسع.
ويبدو أنّ نظام الأسد قد نقل فعالياته وحفلاته الغنائية مِن ساحات العاصمة دمشق إلى مدينة دوما، التي نفّذ فيها ثاني أكبر مجزرة بالسلاح الكيماوي في تاريخ الثورة السوريّة، قبل أن يسيطر عليها ويُهجّر أهلها، بدعمٍ روسي وإيراني.
فعالية "انتخابية" في دوما
نشرت صفحة "مجلس مدينة دوما" الموالية، العديد مِن مقاطع الفيديو والصور عن الفعالية التي أطلقت عليها "من غوطة الأمل حيَّ على العمل" ودعت إليها احتفالا بمناسبة "انتخابات النظام".
وقد أظهرت الصور التي نشرتها الصفحة الموالية الاستعدادات للاحتفال، وأنّها قد نصبت - بشكل عاجل - مسرحاً كبيراً في "ساحة البلدية" وسط مدينة دوما، لم يتمكّن مِن تغطية الدمار الذي خلّفته طائرات "النظام" وصواريخه في مختلف أنحاء المدينة.
وذكرت الصفحة الموالية أنّ مهرجان "الانتخابات" في دوما سيتخلّله حفل فني بمشاركة العديد من النجوم والفنانين السوريين، إلّا أنّ مَن أحيا الحفل في يومِه الأول، يوم الجمعة الفائت، الفنان اللبناني أيمن زبيب، إضافةً إلى حفل آخر سيحييه الفنان اللبناني ربيع الأسمر، اليوم الإثنين، وهو آخر أيام الفعالية.
الجدير بالذكر أنّ فعالية "انتخابات النظام" في مدينة دوما، أقيمت برعاية عامر تيسير خيتي أحد أبرز أمراء الحرب والتجّار المشبوهين، الذين بنوا ثرواتهم على حساب جوع ودماء المُحاصرين في الغوطة الشرقية.
ولم يُخفِ "خيتي" اسم مرشّحهِ بأنّه "الأسد" حيث أشار إليه - في تصريح لـ وكالة "سبوتنيك" الروسيّة- زاعماً "مَن حمى سكّان الغوطة من الإرهاب؟ ومَن حرر مدنهم مِن المسلحين؟ سنكون جميعاً عند صناديق الاقتراع".
وحسب أهالي مدينة دوما التي ينحدر منها "خيتي"، فإنّه كان عاملاً بسيطاً خلال انطلاق الثورة السوريّة ضد استبداد نظام الأسد، منتصف آذار 2011، قبل أن يتحوّل لاحقاً إلى عضوٍ في "مجلس الشعب" وصاحب أكبر شركات العقار في دمشق، تزامناً مع تهجير أهالي الغوطة إلى الشمال السوري.
فعالية "انتخابية" برائحة الكيماوي
حاول القائمون على الفعالية بشعارها المزعوم "من غوطة الأمل حيَّ على العمل"، العمل على نشر صور بشار الأسد في معظم أرجاء مدينة دوما، أملاً فقط بطمس جرائمه في تدمير المدينة، التي ارتكب فيها عشرات المجازر، أبرزها مجرزة الكيماوي، يوم 7 نيسان 2018.
وقضى في تلك المجزرة - حينذاك - أكثر مِن 70 مدنياً وأصيب عشرات آخرون بحالات اختناق، متأُثرين باستنشاق غازٍ كيماوي - رُجّح أنه السارين - ألقته مروحيات نظام الأسد على مدينة دوما، بعد أن استعصت على "النظام" رغم حصارها وقصفها - وعموم الغوطة الشرقية - بمختلف أنواع الأسلحة لأكثر مِن 5 سنوات، قبل أن يتمكّن بعد المجزرة القاتلة مِن تهجير أهلها إلى الشمال السوري.
وتعد مجزرة كيماوي دوما، ثاني أكبر مجزرة كيماوية في تاريخ الثورة السوريّة يرتكبها نظام الأسد، بعد كيماوي الغوطة الشهير، يوم 21 نيسان 2013، الذي نالت دوما حصّةً منه أيضاً، وطبعت - حينذاك - أكبر مأساة في وجدان السوريين، بعد أن اكتفى المجتمع الدولي بالتنديد والقلق، الذي ترافق مع كذبة تدمير ترسانة "النظام" الكيماوية وفرض "خطوط حمراء"، تجاوزها "النظام" مئات المرّات.
اليوم وبعد سنوات مِن السيطرة على مدينة دوما وكامل الغوطة الشرقية، يبدو أنّ نظام الأسد عبر أمراء حربه وعملائه مِن أبناء المنطقة، قد تمكّن مِن إظهار دوما -التي كانت عصية عليه لـ سنوات- وكأنّ أهلها يرقصون على أنقاض ما دمّرته طائراته وحرقته صواريخه وقذائفه، احتفالاً بإعادة تنصيب القاتل "رئيساً للبلاد".
سنوات عشر مضت على انطلاق الثورة السوريّة، والتي ارتكب خلالها نظام الأسد مئات المجازر بحق السوريين، وهجّر الملايين منهم بين نازح في مخيمات الشمال ولاجئ في مختلف دول العالم، سجونه ومعتقلاته تغصّ بأجساد متراكمة لـ آلاف المعتقلين (معظمهم مشروع "قتيل تحت التعذيب")، ورائحة الموت والسارين والكلور ما زالت تُزكم الأنوف، على مسمع ومرأى وشمّ من العالم بأسرّه، ولكن رغم كل ذلك، ما يزال المجرم طليقاً، ويكسب مزيدا مِن السنوات في حكم سوريا.