شهدت الأيام الماضية تغييرات ملموسة في الخطاب السياسي المتعلق باللاجئين السوريين واستخدام اللغة العربية، وأظهر أوزغور أوزال، زعيم حزب الشعب الجمهوري، تحولاً في مواقفه مقارنة بسابقه كمال كليتشدار أوغلو، رغم أنه اتبع النهج ذاته عند استلامه القيادة. إلا أنه برزت في خطاب أوزال مؤخراً جوانب جديدة تجاه القضايا المحلية، وتحدث عن رؤية مستجدة لحزبه فيما يخص اللاجئين.
وأحد العوامل الرئيسية التي ساهمت في تغير خطاب أوزال هو اللقاء الذي جمعه بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان في العاصمة أنقرة. خلال هذا اللقاء، طرح أردوغان ضرورة تغيير الدستور التركي وتبني مبدأ "التليين" في السياسة التركية، في حين تركزت مطالب أوزال في إعادة محاكمة شخصيات بارزة مثل عثمان كافالا وجان أتالاي، والإفراج عن ضباط 28 شباط، إلى جانب مسألة الديون المترتبة على البلديات التي فاز بها خلال الانتخابات المحلية في نهاية آذار الفائت.
ويرغب حزب العدالة والتنمية في إزالة ملف اللاجئين السوريين من على رأس جدول الأعمال السياسي، خاصة مع تصاعد الضغوط الاقتصادية والاجتماعية التي تربطها المعارضة على رأسها حزب الشعب الجمهوري بالمهاجرين.
ويريد أوزال تخفيف حدة التشديد النقدي على البلديات التي فاز بها حزب الشعب الجمهوري في الانتخابات المحلية الأخيرة، والتي تعاني من ديون كبيرة تقدر بحوالي 11 مليار ليرة تركية، وهو ما يرفع أسهم الحزب لدى قاعدته الشعبية التي شهدت توسعاً في الانتخابات المحلية الأخيرة.
أوزال يكتب قصته الخاصة
تشير العديد من التقارير التركية إلى أن أوزال يعمل على تصدير نفسه على أنه شخصية سياسية جديرة بأن تواجه الحزب الحاكم والسلطة في تركيا، وبنفس الوقت لديه من المرونة ما يخوله إلى إجراء مفاوضات في العديد من القضايا المحلية والخارجية مع رئيس الجمهورية أردوغان، وتمكنه من تحقيق مطالب الأطراف المعارضة بشكل عام، وهو ما يخدمه في تثبيت نفوذه في الحزب، بعد أن طالته اتهامات بأن الزعيم الفعلي هو أكرم إمام أوغلو.
بعد فوزه في المؤتمر العام الذي عقد بالتعاون مع أكرم إمام أوغلو لإزاحة كمال كيليتشدار أوغلو، تعرض أوزغور أوزال لأحداث جدية بعد فترة وجيزة من جلوسه على كرسي رئاسة حزب الشعب الجمهوري. كان من الواضح منذ الأيام الأولى أنهم يريدون تصويره كرئيس مؤقت تحت ظل إمام أوغلو، وهذا ما أدركه بسهولة خلال الاجتماعات التي حضرها معه.
ويرى الصحفي التركي، يلماز بيلغان، أن أوزال عايش فترة معقدة بعد توليه رئاسة الحزب، واضطر لبدء صراع قوى في الأسابيع القليلة الأولى: "شرع في حملة تغيير جادة، وكان أول عمل له هو تجديد صورته. الخطوات التي اتخذها نحو ديناميكيات الحزب وتركيا، بالإضافة إلى النجاح في الانتخابات المحلية في 31 آذار، نقلته إلى مكانة مختلفة في فترة قصيرة".
ويؤكد الصحفي، في حديثه إلى موقع تلفزيون سوريا، على أن هذه الظروف دفعت أيضاً أوزال على تغيير خطابه المتعلق باللاجئين: "كانت تصريحاته المتعلقة باللاجئين تغييرا للأعراف داخل حزب الشعب الجمهوري. على عكس كليتشدار أوغلو وقادة الحزب الآخرين الذين أدانوا الثورة السورية بدعم من الأسد، استخدم أوزال عبارات تدل على الحيادية وفهم الأحداث".
ويشير بيلغان إلى أن هذه التصريحات "أزعجت بعض أنصار الحزب وتعرضت للانتقادات. التصريحات التي جاءت بعد ذلك، مثل 'لا تعادوا اللافتات العربية، فالعربية هي لغة القرآن، والمجتمع سيتأذى'، كانت خروجاً عن المألوف. هذه التغييرات تُناقش على نطاق واسع في تركيا".
ويشير بيلغان إلى أن ارتفاع نسبة أصوات الشعب الجمهوري إلى 36 بالمئة بعد أن كانت تتراوح بين 24 - 28 بالمئة، يدل على أن الحزب استقطب ناخبين جدد من بقية الأحزاب، وهي التي دفعته أيضاً إلى اتباع سياسة تركز على فهم هؤلاء الناخبين والحفاظ على دعمهم.
جذب المحافظين ودعم الدول الغربية
وتوافق رأي الصحفي بيلغان مع الباحث التركي، عمر أوزكزلجيك، الذي يرى أن أوزغور أوزال على قناعة بأن ارتفاع نسبة أصوات حزب الشعب الجمهوري في الانتخابات المحلية كانت فرصة بالنسبة له، إلا أن الأصوات تعد بمثابة الـ "الوديعة" وربما لن يحصل عليها بالانتخابات العامة بعد أربع سنوات من الآن، لذا يعمل على المحافظة على هذه الأصوات، والوصول بشكل أكبر إلى الناخبين من الشرائح الأخرى.
ويؤكد الباحث أوزكزلجيك، في حديثه إلى موقع تلفزيون سوريا، على أن أوزال يعمل على خلق صورة جديدة للحزب: "يحاول أوزغور أوزال رسم صورة لحزب الشعب الجمهوري أكثر ديمقراطية وحرية، بدلاً من الصورة التي كانت تخيف وتثير قلق الفئات المحافظة في تركيا".
وأوضح أن حزب الشعب الجمهوري يتبنى نهجاً يركز على دمج السوريين في المجتمع إلا أنه " في الفترة الأخيرة، خاصة بسبب النهج الشعبوي الذي اتبعه كمال كليتشدار أوغلو، ووجود بعض التيارات داخل الحزب، والارتباط مع أوميت أوزداغ، تطورت بعض المواقف العنصرية تجاه السوريين، وتم الترويج لفكرة طرد السوريين".
وعلى الرغم من أوزال دعا إلى عدم استهداف اللافتات باللغة العربية بشكل خاص، لكونها لغة القرآن، ولأن العربية تعتبر اللغة الأم لأكثر من 6 ملايين مواطن تركي، إلا أنه ما زال متمسكاً بمسألة تطبيق القانون الذي ينص على جعل اللغة الاجنبية بنسبة 25 بالمئة فقط على هذه اللوحات، داعياً لتطبيقه على جميع اللغات.
وبرر أوزكزلجيك، تمسك أوزال بهذا الخطاب المخفف والأكثر عقلانية محاولة لدمج السياسات والتيارات في حزبه بطريقة متوازنة، مشيراً إلى أن "نهج أوزال هو استمرار للسياسات الحالية لحزب الشعب الجمهوري، لكنه يقدمها بشكل أكثر مرونة، إذ يسعى حزب الشعب الجمهوري، وخاصة أكرم إمام أوغلو، للحصول على دعم من الاتحاد الأوروبي والدول الغربية ضمن رؤيتهم المستقبلية وترشحهم للانتخابات الرئاسية".
أهداف مستقبلية تضمن ديمومة التغيير
عقب الرؤية التي طرحها أوزال، فيما يخص السوريين خاصة والقضايا الداخلية والخارجية عامة، يظهر تساؤل حول مدى استمرارية هذه الاستراتيجية، وعن مدى جديتها سواء من ناحية واقعية التحقيق، أو حتى في إمكانية أن تكون - هذه الرؤية - تجريبية لقياس مدى تقبلها من القاعدة الشعبية للحزب وقياداته، أو مرحلية لإرضاء الحكومة، التي تتفاوض معها على العديد من القضايا، أو لجذب نسب من أصوات الأحزاب المعارضة الأخرى.
يقول الكاتب الصحفي المهتم في الشؤون التركية، سمير صالحة، مسألة تغير خطاب أوزغور أوزال مرتبطة بنتائج الانتخابات المحلية الأخيرة. صعود الشعب الجمهوري وتراجع أصوات العدالة والتنمية، فتح الطريق أمام قناعات جديدة لقادة الشعب الجمهوري، والتي تقول أنه من الممكن الوصول إلى السلطة في الانتخابات العامة بعد أربع سنوات، أو في حال حدوث انتخابات برلمانية ورئاسية مبكرة بعد سنتين. يريد الحزب دراسة كل السيناريوهات، وتغيير الكثير من مواقفه وسياساته.
ويشير صالحة في حديثه إلى موقع تلفزيون سوريا، إلى أن "الليونة السياسية الواضحة تهدف إلى نزع أصوات اليسار الديمقراطي في تركيا، والتي لا تعتبر متشددة في آرائها، واستهداف هذه الشرائح مهم بالنسبة لقوى المعارضة، وذلك عبر استدراجها من حزب العدالة والتنمية. هذه الشريحة لديها اعتراضات على سياسات العدالة والتنمية، وعليه يرغب الشعب الجمهوري لعب ورقة استدراج هذه الشريحة إلى جانبه".
ويؤكد أن حزب الشعب الجمهوري تعلم من "أخطائه وآرائه المتشددة، والسياسات الثابتة في التعامل مع الملفات الداخلية والخارجية. كل هذه العوامل ولدت قناعة لدى قيادات حزب الشعب الجمهوري أن فرص الوصول إلى الحكم تتراجع إذا لم يكن هناك تحول في التعامل مع هذه السياسات" الأمر الذي ربما يضمن ديمومة هذا التغيير.
ولا يرى صالحة أن التحول في خطاب أوزال فيما يخص السوريين سيشهد تحولاً كبيراً، إذ أن تصريحات أوزال ما زالت تطالب بالتحاور والتنسيق مع النظام السوري، إلا أنه يحاول من خلال رؤيته الجديدة تمرير رسائل باتجاه قواعد حزب العدالة والتنمية بأنه منفتح على فكرة قبول حقيقة أن اللاجئ السوري وصل إلى تركيا نتيجة الأزمة السياسية وقمع النظام في دمشق.
وأكد أوزال في مقابلة تلفزيونية على شاشة (Sözcü TV) يوم الخميس، أن خطابه لم يتغير فيما يخص مسألة اللاجئين السوريين، مجدداً دعواته إلى الحوار مع رئيس النظام السوري بشار الأسد. وأضاف: "ما الفرق إذا كنت ضد أو مع اللاجئين السوريين؟ أنا ضد السياسات والسياسيين الذين يخلقون اللاجئين". وذكّر أوزال بما أسماه "الخطر الديموغرافي" بسبب ارتفاع نسب ولادات السوريين مقابل انخفاض الولادات لدى الأتراك.
ويشدد صالحة على أن صعوبة المرحلة لدى أوزال في تحقيق هذه الرؤية هي التنسيق مع المعارضة، إذ يحاول زيادة أصوات حزبه حتى يقنعها بأنها لا تمتلك فرصاً بدون التنسيق معه وذلك "للضغط على القواعد الشعبية للأحزاب المعارضة، والتي يمكن أن تدفعها إلى دعم الشعب الجمهوري، أو أن القاعدة الشعبية لهذه الأحزاب ستدعمه لأن فرصه تتزايد يوماً بعد يوم".
كافالا والجنرالات.. مبادرات تعزيز الثقة
لا شك أن أوزال الذي يعمل على حل المشاكل التي يعاني منها حزبه عقب تسلمه بلديات كبرى من العدالة والتنمية مع تركة ديون تقدر بـ11 مليار ليرة تركية، وذلك عبر تخفيف قبضة سياسة التشديد النقدي المتبعة في البلاد، يحاول أيضاً من خلال لقائه بالرئيس التركي، الذي يدفع منذ سنوات إلى كتابة دستور جديد للبلاد، أن ينال مكاسب سياسية على مستوى الشعب الجمهوري، والأطراف المعارضة أيضاً.
طالب أوزال خلال لقائه أردوغان، بإطلاق سراح جان أتالاي، أحد معتقلي أحداث غيزي، من حزب العمال التركي، والذي كان نائباً في البرلمان قبل أن تسقط عضويته في 30 كانون الثاني، وفي حين لم يذكر أوزال بشكل مباشر اسمَي عثمان كافالا وصلاح الدين دميرطاش، إلا أنه شدد على أهمية تطبيق قرارات المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان المتعلقة بحريتهم، وتطرق إلى مسألة رواتب المتقاعدين وتأثير الأزمة الاقتصادية على حياتهم اليومية.
وأيد الصحفي التركي المقرب من حزب العدالة والتنمية، عبد القادر سيلفي، في سلسلة من المقالات نشرها على موقع صحيفة (Hürriyet)، مطالب أوزال في إعادة محاكمة عثمان كافالا، المعتقل بتهمة تمويل أحداث غيزي والمشاركة بالانقلاب الفاشل في 15 تموز 2016، حيث يرى أن "قضية عثمان كافالا ليست مجرد قضية فردية، بل هي قضية تمس تركيا بكاملها" وهو ما يجري حالياً بعد أن تقدم محامي كافالا بطلب إعادة محاكمته إلى المحكمة الجنائية العليا الرابعة عشرة في إسطنبول في 3 أيار الجاري، والذي قوبل بالموافقة وفقاً للمادة 30-1 من قانون الإجراءات الجنائية، الأمر الذي اعتبره سيلفي قراراً يمكن أن "يريح" تركيا.
وأشار سيلفي أيضاً إلى أن صياغة سياسة جديدة تجري الآن في تركيا من خلال تعاون أردوغان وأوزال، ورئيس حزب الحركة القومية دولت بهتشلي، ودعا إلى تقوية أوزال في حزبه حتى يستطيع إقناع قيادات الحزب بضرورة التعاون مع أردوغان، حيث توجد اعتراضات داخل الحزب على أوزغور أوزال، معتبرين أن "أردوغان سيخدعه"، في حين يرى أكرم إمام أوغلو علاقة أردوغان - أوزال كتحالف ضده.
"السياسة ليست ساحة للقتال"
ويتوقع سيلفي أن أردوغان لن يذهب في زيارة إلى مقر حزب الشعب الجمهوري ويديه فارغتين، في إشارة إلى أن الرئيس يمكن أن يحرك ملف عثمان كافالا، ويوقع قرار الإفراج عن ضباط 28 شباط المسجونين بسبب تقدمهم بالعمر، إذ إنه سأل أردوغان عن هذا الموضوع في إحدى رحلاته الخارجية، وأجابه حينها أنهم "لم يتقدموا بطلب العفو" وصدر بعد ذلك تعميم من وزارة العدل يشير إلى إمكانية العفو عن المحكومين دون طلب منهم.
ونشرت الصحيفة الرسمية، يوم الجمعة، قراراً رئاسياً يقضي بالعفو عن الأشخاص الذين تسببوا في أحداث 28 شباط، إلى جانب أشخاص موقوفين بتهمة "قضية كوباني". ركز القرار، الموقع من رجب طيب أردوغان، على حالات المرض الدائم، والإعاقة، والشيخوخة التي وثقها معهد الطب العدلي بحق المحكومين. وعلَّق وزير العدل التركي على القرار قائلًا: "مع تقدم سن المتهمين في قضية 28 شباط، تم استخدام صلاحية العفو بموجب المادة 104 من الدستور، وبذلك سيتم الإفراج عنهم اعتباراً من اليوم".
ويرفض زعيم حزب الحركة القومية الشريك الرئيسي للعدالة والتنمية، دولت بهتشلي، قضايا مثل العفو عن معتقلي غيزي والجنرالات السابقين المدانين في قضية 28 شباط، إلا أنه قال في كلمته أمام كتلة حزبه البرلمانية قبل اجتماعه مع أوزل: "السياسة ليست ساحة قتال، بل مجال للحوار وحل المشكلات. بدلاً من الجدل والمعارك الكلامية الحادة، يجب على الجميع دعم عملية نهضة تركيا من خلال التوافق والمفاوضات العقلانية والأخلاقية".
يمكن القول إن تحقيق بعض مطالب أوزغور أوزال، زعيم حزب الشعب الجمهوري، في الفترة المقبلة، سيعزز مكانته كقائد فعلي للحزب وقائد رئيسي للمعارضة في البلاد. هذا من شأنه أن يجذب الناخبين من مختلف التيارات، ويضمن التعاون مع الأحزاب المعارضة الأخرى، بما في ذلك المحافظين الذين يتبنون رؤية واقعية تجاه قضية اللاجئين السوريين. هذا التعاون يمكن أن يمهد الطريق لرؤية أوزال الجديدة، خاصة إذا نجح في التوصل إلى اتفاق يحقق أهدافه ويعزز مكانته كلاعب مؤثر في الساحة السياسية، إلا أن ذلك أيضاً يمكن أن يدخله في صراع داخل الحزب مع أكرم إمام أوغلو وداعميه، وبعض التيارات التي كانت متماهية مع شعبوية كمال كليتشدار أوغلو في تعاطيها مع مسألة اللاجئين السوريين، وهو ما يدركه أوزال جيداً.