قال رئيس هيئة الإشراف على الانتخابات اللبنانية، القاضي نديم عبد الملك، إن الهيئة لن تتمكن من مكافحة الرشوة الانتخابية، في الاستحقاق المرتقب عقده في شهر أيار المقبل في البلاد.
وأوضح عبد الملك، أمس الأربعاء، أن الهيئة ستقوم بكامل دورها القانوني بالإمكانات المتاحة لديها ووفقاً لصلاحياتها، لكن وبالرغم من ذلك، فإن الرشوة الانتخابية تمثل آفة تاريخية في المجتمع اللبناني، من الصعب ضبطها وملاحقتها أو إنهاؤها بشكل كامل، بحسب موقع "الحرة" الأميركي.
وتنقسم المادة 62 من قانون الانتخاب، التي تتعلق بالرشوة الانتخابية، على فقرتين، الأولى تنص على "حظر الالتزامات والنفقات التي تتضمن تقديم خدمات أو دفع مبالغ للناخبين، أثناء فترة الحملة الانتخابية، ومنها، على سبيل البيان لا الحصر، التقديمات والمساعدات العينية والنقدية إلى الأفراد والجمعيات الخيرية والاجتماعية والثقافية أو العائلية أو الدينية أو النوادي الرياضية وجميع المؤسسات الرسمية".
في حين ترفع الفقرة الثانية من المادة الحظر عن التقديمات والمساعدات المذكورة أعلاه، "إذا كانت مقدمة من مرشحين أو مؤسسات يملكها أو يديرها مرشحون أو أحزاب درجوا على تقديمها بذات الحجم والكمية بصورة اعتيادية ومنتظمة، منذ ما لا يقل عن ثلاث سنوات قبل بدء فترة الحملة الانتخابية، وفي هذه الحالة لا تعتبر المدفوعات والمساعدات المقدمة أثناء الحملة الانتخابية خاضعة للسقف الانتخابي".
رشوة مقنعة
ويرى رئيس هيئة الإشراف على الانتخابات اللبنانية الفقرة الثانية بأنها تشريع "للرشوة المقنعة" مؤكداً أن الهيئة قد طالبت مراراً بإلغاء تلك الفقرة من القانون، وهو ما لم يحصل، "وبالتالي القانون نفسه لم يعتبرها من المحظورات".
وفي حين كانت الرُّشا الانتخابية في الماضي تتخذ أشكالاً متوافقة مع حاجات المرحلة، تطبّعت التقديمات الحالية مع متطلبات المواطنين الملحة، فأخذت أشكالاً لم يعهدها اللبنانيون في السابق، كدفع الأحزاب لفواتير اشتراكات مولدات الكهرباء الخاصة للناخبين، أو تأمين الكهرباء لمنطقة معينة، أو تقديم مولدات كهربائية لبلديات ومستشفيات.
وتشمل كذلك تأمين منح تربوية ورعاية صحية وأدوية مفقودة، أو حتى قسائم شراء محروقات، وقسائم تبضع مواد غذائية، وهذا كله نابع من الأزمات المعيشية التي جعلت المواطن اللبناني بحاجة ماسة إلى هذا النوع من التقديمات.
ولم توفر التقديمات الانتخابية، المستلزمات والحاجيات النسائية، كالفوط الصحية، التي ارتفع ثمنها بشكل كبير يفوق قدرة نسبة كبيرة من نساء لبنان على شرائها، حيث رصدت جمعية "لادي" تقديمات من هذا النوع في منطقة البقاع الغربي.
كذلك وثقت "لادي" توزيع حليب أطفال من قبل بعض المرشحين في شمال لبنان، ووصل الأمر ببعض المرشحين إلى حد التبرع بفتح الطرقات التي قطعتها الثلوج خلال العواصف الماضية، على نفقتهم الخاصة.
وسجلت الجمعية توزيع حصص غذائية أو ما يعرف بـ "الإعاشات"، وإقامة ولائم غداء وعشاء على شرف الناخبين في المناطق. كذلك وصل الأمر ببعض الأحزاب إلى حد إعلانها عن حملات تنظيف لمناطق بيئية، في حين استثمرت أحزاب أخرى في أزمة تكدس النفايات في الشوارع، وتبرعت بإزالتها من مناطق معينة على نفقتها الخاصة.
كل ذلك أدرجته الجمعية في تقاريرها الشهرية التي تعلن فيها بشكل متتابع عن نتائج مراقبتها لسير الحملات الانتخابية، حيث اعتبرت فيها كل تلك التقديمات كنوع من أنواع الرشوة الانتخابية.
ليست بالسر
في المقابل فإن كل تلك التقديمات لم تكن تجري في السر، بل تفاخر المرشحون والأحزاب بها، ونشروها عبر صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي وفي وسائل الإعلام كنوع من التسويق والاستقطاب، لاسيما وأن القانون الانتخابي في لبنان، يفتقد إلى الدقة والحسم في تعريفه للرشوة والتقديمات الانتخابية.
وفي هذا السياق يلفت عبد الملك إلى أن جرم الرشوة عادة ما يتم بين شخصين، الراشي والمرتشي، ويعتبران شريكين في الجرم، وتتم ملاحقتهما قانونياً، "وهنا يأتي السؤال: من سيتكلم عمن؟ لا الراشي ولا المرتشي، إلا إذا ضبطت الرشوة بالجرم المشهود عندئذ تلقائياً قوى الأمن ستحيلهم مباشرة إلى النيابة العامة".
الجدير بالذكر أن في لبنان تحالفات سياسية مختلفة نتجت عن تشكيل 103 لوائح انتخابية تضم 718 مرشحاً موزعين على 15 دائرة انتخابية (قضاء أو أكثر) لاختيار 128 نائباً بالبرلمان.
ويشهد لبنان منذ عام 2019 انهياراً اقتصادياً غير مسبوق، صنّفه البنك الدولي على أنه من بين الأسوأ في العالم منذ منتصف القرن الماضي، ويترافق ذلك مع شلل سياسي يحول دون اتخاذ خطوات إصلاحية تحدّ من التدهور المعيشي الذي يعاني منه أكثر من ثمانين في المئة من اللبنانيين يعيشون تحت خط الفقر.