هل ستكون دمشق خارج الحسابات الإسرائيلية؟

2024.10.17 | 06:11 دمشق

دمشق
+A
حجم الخط
-A

أمام تطورات التصعيد المتبادل بين إيران وإسرائيل، فإنّ قوات الأخيرة وإلى جانب اهتمامها بالجزء الشرقي من جنوبي لبنان القريب من سوريا، تدخل أراضي سورية قرب ريف درعا الغربي، بالتزامن مع اشتداد قصفها الجوي الذي استهدف بشكل خاص منطقة المزة في دمشق، ما زاد من احتمالات وجود نيات إسرائيلية لاجتياح الأراضي السورية واستهداف العاصمة ذاتها بعمل بري، إلا أن تحركات دبلوماسية ومساعي سياسية وتطورات عسكرية حاصلة ومتوقعة ناتجة عنها قد تؤدي إلى تأكيد تحييدها من جديد.

أجرى وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي زيارة إلى الرياض، يوم التاسع من تشرين الأول الجاري، والتقى بولي العهد السعودي محمد بن سلمان، في محاولة بدت واضحة لاستثمار التطورات الإيجابية في علاقات البلدين منذ نجاح الوساطة الصينية، العام الفائت.

هذا الاستثمار تم تحديده بوضوح من خلال إمكانية لعب السعودية دوراً في تخفيض التصعيد الإسرائيلي مع إيران، عبر الولايات المتحدة، التي حافظت منذ طوفان الأقصى على سياستها في القيادة من الخلف، لذلك فإن المسعى الإيراني يأتي بهدف إدخال السعودية في ميدان التحركات الجارية، ودفع الولايات المتحدة لوقف حالة التردد في إطار سياستها تلك، والضغط عليها للقيام بالتدخل لتخفيض التصعيد ومنع اشتعال المنطقة.

ردة الفعل الأميركية الأولية بدت انفعالية من اللقاء الإيراني السعودي وعبر وكالة رويترز، التي قالت إن عباس عراقجي حمل رسائل تهديد لدول الخليج في حال سمحت باستخدام أجوائها لضربة إسرائيلية على إيران..

ردة الفعل الأميركية الأولية بدت انفعالية من اللقاء الإيراني السعودي وعبر وكالة رويترز، التي قالت إن عباس عراقجي حمل رسائل تهديد لدول الخليج في حال سمحت باستخدام أجوائها لضربة إسرائيلية على إيران، سواء شملت الضربة منشآتها النفطية أو النووية، هذا الخبر تم نفيه من قبل مصادر إعلامية مقربة من السلطات السعودية، وتمت إحاطته بأنه -على الأقل- عبارة عن قراءة خاطئة لمحتوى الرسائل والمساعي الإيرانية.

ورغم أنّ التركيز الإيراني في المباحثات المباشرة مع السعودية، وكذلك عبر الاتصالات بباقي دول الخليج بدا -إعلامياً- أنه مقتصر على موضوع الضربة الإسرائيلية المحتملة لإيران، إلا أنه كان يشبه رمياً للكرة في ملعب دول الخليج العربي، والسعودية بالتحديد، للعب دورٍ أكثر شمولاً.

وهكذا لوحظ في اليوم التالي للقاء عراقجي بمحمد بن سلمان، عدم تنفيذ إسرائيل لعمليات قصف مدمرة درجت عليها في أسبوع سابق لدمشق وبيروت، وأدّت إلى وقوع ضحايا مدنيين، هذا الوقف للقصف شكّل أمراً مفاجئاً للعديد من المراقبين.

وعلى الرغم من أن بعضهم قد ربطه بتخفيض تصعيد مرتبط بيوم الكيپبور (عيدالغفران) اليهودي، لكن الملاحظ أيضاً هو تزامن ذلك مع توقف عمليات استهداف القواعد الأميركية، رغم تنفيذ الأخيرة لأكثر من استهداف للميليشيات التابعة لإيران في دير الزور، الأمر الذي يسمح بالإشارة إلى أن شيئاً ما قد تم تمريره عبر الاتصالات المستمرة على مدار الساعة بين وزارتي الدفاع السعودية والأميركية، إذ لوحظ أيضاً تخفيف حدة التوتر بخصوص "المنطقة 55" شرقي سوريا، حيث توجد قاعدة التنف الأميركية مع فصيل "جيش سوريا الحرة"، وتعتبر أقرب نقطة عسكرية من دمشق.

كل ذلك تزامن مع تصريحات روسية بدت حادة بخصوص النوايا الإسرائيلية تجاه سوريا، التي تم إتباعها ببعض التحركات على الأرض من قبل القوات الروسية، أشارت من بعيد إلى إمكانية تدخل روسي في مواجهة تمدّد إسرائيلي محتمل عبر الجولان وريف درعا الغربي، فقد عادت القوات الروسية إلى نقطة المراقبة في تل الحارة بعد إنذار إسرائيلي لميليشيات محلية متهمة بالتعاون مع "حزب الله"، الأمر الذي كان مهماً للغاية بالنسبة للنظام السوري، والذي يمكن أن يتقاطع مع الرغبات الأميركية بضرورة ضبط التصعيد وعدم السماح بانتشار الصراع وتوسعته، والتي عبر عنها وزير خارجيتها بلينكن أكثر من مرة.

السعودية التي نقلت علاقاتها الدبلوماسية مع النظام السوري إلى مستوى السفراء، يتمتع سفيرها بخلفية أمنية تخوّله القيام بترتيبات متناسبة مع خطورة الوضع في سبيل حماية العاصمة السورية، التي تعتبر خطاً أحمرَ في استراتيجيتي روسيا والسعودية..

وفي إطار التوقّعات فإنّه لا يمكن استبعاد تعاون روسي سعودي في هذا الإطار، فالسعودية التي نقلت علاقاتها الدبلوماسية مع النظام السوري إلى مستوى السفراء، يتمتع سفيرها بخلفية أمنية تخوّله القيام بترتيبات متناسبة مع خطورة الوضع في سبيل حماية العاصمة السورية، التي تعتبر خطاً أحمرَ في استراتيجيتي روسيا والسعودية، وهو ما ظهر واضحاً في سياستهما تجاه سوريا منذ سنوات طويلة، بما فيها سنوات الحرب السورية، عندما كانت تلك الحرب تحيط وتتخلل دمشق، لاسيما بين أعوام 2015 و2018.

هكذا تتلاقى التحركات والتطورات الحاصلة والمتوقّعة على ما يبدو لنوع من تأكيد تحييد العاصمة السورية عن أي تطورات عسكرية غير منضبطة يمكن أن تؤدي إلى اتساع العمليات العسكرية تجاهها، سواء بصورتها عبر قاعدة الفعل ورد الفعل بين إيران وإسرائيل ومن ورائها الولايات المتحدة، أو بصورة الخطط العسكرية الإسرائيلية المتوقعة بخصوص خط الجبهة السورية - الإسرائيلية نحو دمشق.