من وجهة نظر إسرائيلية كان هناك العديد من التنظيرات التي يروج لها في أروقة الكيان الصهيوني وبين الأجنحة الأكثر تشدّداً في دولة الكيان، حول ضرورة تطبيق حكم عسكري على قطاع غزة.
وجاءت هذه الفكرة كما نعلم بعد فشل فكرة التهجير التي كانت في بداية العدوان على غزة والتي نظّر لها حتى وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن، وقد تم التنظير إلى مشاريع أخرى كبدائل مثل سلطات محلية مكونة من عشائر فلسطينية، أو وجود قوات دولية مشتركة، أو شركات أميركية ودولية تدير عملية المساعدات الإنسانية.
ولهذا فإنّ التنظير لهذه القضية، أي الاحتلال العسكري الكامل لقطاع غزة بشكل مؤقت أو بشكل دائم، هي فكرة نتجت بعد فشل التنظير لأفكار أخرى مثل فكرة التهجير وفكرة وجود بديل محلي أو دولي لحركة حماس، ولهذا فهي فكرة ليست راسخة إلا في عقلية لا تفكر بشكل منطقي، ولكنها بقيت خياراً ربما غير معلن حتى هذه اللحظة ولكن ليس خياراً متاحاً بسهولة.
والنقطة الأساسية الثانية هي أن دولة الاحتلال مع فحصها لممكنات هذا الخيار نظرياً، تدرك التكلفة الكبيرة له والمدة الزمنية الكبيرة له في حال مضت لتنفيذه، وإذا نظرنا إلى أن خيار القضاء على قدرات المقاومة في تكرار ما حدث في 7 أكتوبر، قد احتاج إلى أكثر من عام حتى الآن ولم يتحقق، وأن إطلاق الصواريخ على "تل أبيب" تم في الذكرى السنوية الأولى لطوفان الأقصى، فإن القدرة على تثبيت حكم عسكري في غزة قد تحتاج إلى سنوات عديدة.
وقد قال الكاتب الإسرائيلي تال شنايدر: "لا أحد يرغب بوضع رأسه في الشجاعية أو الشاطئ لأنهم سيحصلون على رصاصة في الرأس"..
وحتى مع ذلك ليست المشكلة هنا في الزمن بقدر التكلفة البشرية والمادية والأخلاقية والإنسانية التي ستتحملها دولة الاحتلال، وقد قال الكاتب الإسرائيلي تال شنايدر: "لا أحد يرغب بوضع رأسه في الشجاعية أو الشاطئ لأنهم سيحصلون على رصاصة في الرأس"، إضافة إلى أنّ هناك تكلفة مادية تصل إلى 10 مليارات دولار سنوياً.
من زاوية أخرى وفي ظل خوض الاحتلال لحرب طاحنة على جبهة لبنان، فإنه نقل وينقل المزيد من القوات إلى جبهة الشمال، مع أنباء عن سحب قوات من الجيش الإسرائيلي من شمالي قطاع غزة.
إضافة لما سبق، فإن جيش الاحتلال مع مئات القتلى وعشرات آلاف الجرحى الذين خرجوا من الخدمة، بات محتاجاً بشكل كبير إلى المزيد من الموارد البشرية ولديه أزمة في التجنيد، وقد صرّح وزير الحرب الإسرائيلي يوآف غالانت، أنّ احتياجات الجيش تعمقت وأنهم بحاجة إلى تجنيد جديد.
ومع وجود جنرالات في الجيش تدعم فكرة الاحتلال الكامل لغزة، إلا أن القيادة الممثلة بـ هاليفي، لا تميل إلى هذا الخيار، كما أن وزير الدفاع غالانت لا يدعمه، كما أن البقاء في عملية عسكرية إلى ما لا نهاية لا يمكن تحمله، وعلينا أن نتذكر أن الجيش الإسرائيلي انسحب من غزة في العام 2005، بعد 3 سنوات من التعرّض لعمليات إطلاق نار وقذائف هاون محدودة بما يتعرض له اليوم.
وكما قال الكاتب الإسرائيلي يديديه ياعر عبر مقال له في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، تعليقاً على التنظير باحتلال جنوبي لبنان وغزة: "مَن يحلم بالسيطرة على منطقة فاصلة حتى الليطاني، مع حُكم عسكري ومستوطنات في غزة، والدفاع عن المستوطنات في الضفة الغربية، بالإضافة إلى القوات المطلوبة في هضبة الجولان، ووادي الأردن، والجبهات المتوقعة في مواجهة الميليشيات العراقية، يعيش في عالم موازٍ للواقع".
هناك نقطة أخرى وهي الموقف الأميركي المعارض منذ البداية وحتى اللحظة لاحتلال إسرائيل لقطاع غزة، وقد تلقّى "نتنياهو" أكثر من رسالة أميركية بهذا الصدد..
وتابع: "ليس لدينا ما يكفي من الفرق العسكرية، حتى لو ارتدى كل طلاب اليشيفوت الزي العسكري، وهذا لن يحدث.. ولن نجد لبنانياً واحداً مستعداً لكي يتجنّد في (جيش لبنان الجنوبي) مرة أُخرى، كذلك، لن نجد فلسطينياً سيتجرأ على التعاون مع حُكم عسكري إسرائيلي، وسيقع كل العبء على قوات الاحتياط، وليس لدى إسرائيل القدرة على تحمُّل هذا العبء.. هذه الأحلام واهية".
هناك نقطة أخرى وهي الموقف الأميركي المعارض منذ البداية وحتى اللحظة لاحتلال إسرائيل لقطاع غزة، وقد تلقّى "نتنياهو" أكثر من رسالة أميركية بهذا الصدد من بايدن وبلينكن وأوستين وبشكل تحذيري، وقد قرّرت واشنطن إعادة تمويل "أونروا".
أخيراً وهو الأهم وعلى المستوى الفلسطيني، فإنّ هناك رفضاً كبيراً لفكرة الاحتلال العسكري وسيواجه الاحتلال بمقاومة شديدة، بل إنّ أي أطراف ستتعاون في تطبيق خطط الاحتلال سيكون مصيرها على الأغلب التعرّض للمقاومة كالاحتلال تماماً، وواضح أن هذا الموقف صلب ولا يتزعزع حتى لو تراجعت إمكانيات المقاومة خلال حرب طاحنة لم تنته منذ أكثر من عام.