بالرغم من أن زيارة رئيس وزراء دولة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لواشنطن ترافقت مع تقييمات متعددة، خاصة مع المواقف السلبية من الديمقراطيين التقدميين الذين تغيبوا عن خطاب نتنياهو في الكونغرس، إلا أنه من الواضح أن نتنياهو خرج بخلاصات من زيارته لواشنطن مع كل من بايدن وهاريس وترامب.
أدت هذه الخلاصات إلى إقدامه على تنفيذ ضربة قوية في بيروت موجهة للقائد العسكري الأعلى في حزب الله فؤاد شكر، ومن ثم توجيه ضربة في قلب العاصمة الإيرانية طهران اغتال خلالها رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية.
يستغل نتنياهو حالة الانشغال أو ما سماه هو عدم اليقين في واشنطن من جهة، واستمرار الضعف الذي اتسمت به الإدارة الأميركية خلال فترة الحرب منذ السابع من أكتوبر من جهة أخرى، في المضي بخيار استمرار الحرب وإشعال المنطقة.
من زاوية أخرى، يمكن القول إن نتنياهو، الذي استفرغ حججه لإطالة زمن الحرب في غزة، يبحث عن حجج يمكن أن تعفيه. حيث يعتقد أن استهداف واغتيال قائد المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية، والذي يعتبر فعليًا المسؤول عن عملية التفاوض، يمكن أن يؤدي إلى دفع حماس إلى إيقاف العملية التفاوضية من طرف واحد، وهو أمر يتمناه نتنياهو من أجل استمرار استراتيجيته المعتمدة على إدامة أمد الحرب.
بهذه الطريقة يجد نتنياهو طريقه لاستمرار الحرب في غزة عبر توسيع مجال الحرب خارج غزة.
من زاوية أخرى، يغذي نتنياهو حلمه وحلم حلفائه من اليمين المتشدد نحو جر الولايات المتحدة للمشاركة في تنفيذ ضربة قاصمة لإيران عبر تنفيذ الاغتيال، الذي يعتبر ضربة مزدوجة. وهو ما ينطبق على اغتيال هنية في طهران، حيث يعد ضربة لحماس وإيران معًا، وكذلك اغتيال شكر الذي يعد ضربة لحزب الله وإيران معًا. وبهاتين الضربتين يجرّ نتنياهو إيران للرد ويجر واشنطن للمساهمة في الدفاع والردع، وهو الأمر الذي تبقى احتمالات توسعه مفتوحة.
وبالتالي، بهذه الطريقة يجد نتنياهو طريقه لاستمرار الحرب في غزة عبر توسيع مجال الحرب خارج غزة. بعد أن نضج الاتفاق وفق المعطيات الأساسية التي بُنيت عليها عملية التفاوض قبل ذلك، أصبح إمكانية تهربه منه بدون إدخال معطيات جديدة أمرًا صعبًا. ولذلك لجأ نتنياهو للتصعيد في بيروت وطهران.
من زاوية أخرى، كان من الواضح أن الجيش الإسرائيلي، الذي تلقى ضربة كبيرة في 7 أكتوبر أفقدته واحدًا من الأساسات التي بُنيت عليها نظرية الأمن الإسرائيلي وهي الردع، قد لجأ إلى التدمير في غزة. لكن ذلك لم يردع حزب الله والحوثيين من الدخول في حالة اشتباك معه. لذلك وجد الجيش أنه مضطر للقيام بضربات مؤثرة ولها دلالات خارج الحدود من أجل ترميم الردع. ولهذا كانت الضربة في ميناء الحديدة التي كانت أكبر بكثير من ضربة المسيرة اليمنية التي ضربت تل أبيب، ومن ثم ضربة الضاحية الجنوبية وبعدها ضربة طهران.
النقطة الأساسية هنا هي أن نتنياهو دخل في رهان غير مضمون. فالواقع الحالي الذي يشهد توترًا إقليميًا غير مسبوق قد يستجلب ردًا وردًا على الرد يؤدي إلى خروج الأمور عن السيطرة.
لكن نظرة نتنياهو تختلف عن نظرة الجيش. فمع أن الطرفين يتفقان في مسألة ترميم الردع، إلا أن الجيش كان يريد تحقيق هذه الأهداف من أجل تقريب ساعة انتهاء الحرب وليس توسيعها. فيما يسعى نتنياهو لاستغلال ذلك في تحقيق عدة أهداف منها زيادة التوتر والاستقطاب، وتوسيع مجالات الحرب لزيادة أمدها، وإرضاء الكتلة اليمينية الداعمة له داخليًا وحشد دعمها خلفه. ومن زاوية أخرى، يخدم هذا التصعيد هدف نتنياهو المتمثل في إضعاف موقف إدارة بايدن في الولايات المتحدة، ويعطي هدايا لترامب الذي يبدو أن نتنياهو قد تفاهم معه على بعض التفاهمات الأولية التي من شأنها أن تحرج بايدن، ويمكن البناء عليها في هندسة المشهد الإقليمي في حال فاز ترامب.
حتى اللحظة، يبدو أن نتنياهو حقق نجاحًا في قصف ميناء الحديدة واغتيال فؤاد شكر في بيروت واغتيال هنية في طهران، وترميم جزء من الردع المتآكل من خلال هذه العمليات. وعلى الأغلب سيحتمي بالولايات المتحدة من أجل تثبيت هذا الوضع. لكن النقطة الأساسية هنا هي أن نتنياهو دخل في رهان غير مضمون. فالواقع الحالي الذي يشهد توترًا إقليميًا غير مسبوق قد يستجلب ردًا وردًا على الرد يؤدي إلى خروج الأمور عن السيطرة.