icon
التغطية الحية

مواجهة مرتقبة.. حزب الله وإسرائيل في ميزان القوة بعد اغتيال نصر الله

2024.09.29 | 08:11 دمشق

آخر تحديث: 29.09.2024 | 10:36 دمشق

صورة أرشيفية - رويترز
صورة أرشيفية - رويترز
 تلفزيون سوريا ـ خاص
+A
حجم الخط
-A

يشهد الشرق الأوسط حالة من التوتر غير المسبوق، إذ تتزايد احتمالات اندلاع حرب شاملة بين إسرائيل وحزب الله عقب اغتيال حسن نصر الله يوم الجمعة الفائت، وتزامن هذا التصعيد مع اقتراب العملية العسكرية الإسرائيلية في غزة من نهايتها، واستمرار إسرائيل في توجيه ضربات دقيقة ومركزة ضد مواقع حزب الله في مختلف أرجاء الأراضي اللبنانية.

تسببت الضربات الأخيرة، التي وُصفت بأنها غير مسبوقة، في خسائر فادحة للحزب، شملت تصفية غالبية قياداته في الصف الأول، وتحييد مئات العناصر بهجمات البيجر، مما فتح الباب أمام سيناريوهات عدة قد تشمل انزلاق المنطقة إلى حرب واسعة النطاق، إذ تشير التحركات الإسرائيلية إلى أن تل أبيب ترى في هذا التصعيد فرصة للقضاء على حزب الله أو تقليص نفوذه العسكري والسياسي في لبنان.

في المقابل، يرى مراقبون ومسؤولون إسرائيليون أن حزب الله، رغم خسائره الأخيرة، لا يزال يمتلك قدرات عسكرية متقدمة، تشمل صواريخ دقيقة، مما قد يؤهله لخوض مواجهة مفتوحة مع إسرائيل، ويعتقدون أن هذه القدرات، التي تم بناؤها على مدار عقود من الدعم الإيراني والخبرة المكتسبة من الحروب السابقة، تمنح الحزب القدرة على الرد إذا اقتضت الظروف.

لكن السؤال الأهم الذي يناقشه هذا التقرير هو مدى استعداد الحزب لتحمل كلفة حرب جديدة، في ظل التحديات السياسية والاقتصادية التي يواجهها لبنان، خاصة أن هذا التصعيد يأتي في وقت يعاني فيه لبنان من أزمة اقتصادية خانقة وانقسامات سياسية حادة، مما يضع قيادة الحزب أمام معادلة صعبة: بين الرد العسكري الحتمي وحسابات المخاطر التي قد تزيد من تعقيد الوضع الداخلي.

وتشير التوقعات إلى أن أي مواجهة قادمة لن تكون كسابقاتها، فالمشهد الإقليمي تغيّر بشكل كبير، وحزب الله لم يعد اللاعب الوحيد في الساحة اللبنانية، خاصة بعد مقتل نصر الله، كما أن التدخلات الدولية والمصالح المتشابكة في المنطقة قد تلعب دوراً مهماً في تحديد مسار الأحداث، سواء من خلال الوساطات الدبلوماسية أو التحركات العسكرية المباشرة.

وفي ضوء هذه التطورات، يستعرض التقرير الإمكانات العسكرية لحزب الله ومدى قدرته على الصمود في مواجهة مفتوحة مع إسرائيل، بالاستناد إلى عدد من الدراسات والتقارير الصادرة عن مراكز أبحاث دولية، تتناول النتائج المتوقعة لهذه المواجهة، في ضوء الأوضاع الإقليمية والدولية الحالية.

حزب الله وإسرائيل في ميزان القوة

قبل الخوض في تفاصيل هذا التقرير، لا بد من توضيح مفهوم "القدرات العسكرية" وكيفية قياسها؛ بشكل عام، تتحدد القدرات العسكرية من خلال مجموعة من العناصر، من أبرزها الإنفاق الدفاعي، وحجم القوات المسلحة، والخبرة القتالية، إضافة إلى التدريب والاستعداد، كما تشمل القيادة والسيطرة على مختلف الفروع العسكرية، وتشكل هذه العناصر مجتمعة الركيزة الأساسية لأي قوة عسكرية.

إضافة إلى ذلك، تشمل القدرات العسكرية أنواع الأسلحة والمنصات المستخدمة، مثل القوات البحرية، والمدرعات والمناورة العسكرية، والقوات الجوية بما في ذلك الطائرات المقاتلة والمسيرة، كما لا يمكن إغفال المزايا التكتيكية والاستراتيجية، مثل غواصات الصواريخ النووية وقاذفات الصواريخ البرية، إلى جانب القدرات الاستخبارية والسيبرانية، والوضع العسكري العام، الذي يُحدد بقدرة القوات على الانتشار السريع والاستمرار في العمليات لفترات طويلة.

ويُعد حزب الله أقوى الفصائل غير الحكومية تسليحاً في العالم، حيث وُصف بأنه "ميليشيا مدربة بمستوى جيش ومجهزة بمستوى دولة"، وينطبق هذا الوصف خصوصاً على ترسانته الصاروخية الكبيرة، التي تتألف في معظمها من صواريخ أرض- أرض غير موجهة، ورغم افتقارها للدقة، فإن كثرتها تجعلها أدوات فعالة في نشر الرعب.

ووفقاً للتقديرات الإسرائيلية، كان لدى حزب الله قرابة 15 ألف صاروخ وقذيفة عشية حرب 2006، ومنذ ذلك الحين، نمت ترسانته لتصل اليوم إلى نحو 130 ألف صاروخ، ويُعتبر هذا التوسع في القوة الصاروخية لحزب الله مصدر قلق لإسرائيل وحلفائها، إذ قد يدفعه ذلك إلى تجاوز الخطوط الحمراء، كما يثير مخاوف دولية بشأن انتشار تكنولوجيا الصواريخ بين الميليشيات والجماعات غير الحكومية.

وتتفاوت التقديرات بشأن حجم ترسانة حزب الله؛ ففي تقرير صدر في آذار الماضي عن "مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية"، وهو مركز أبحاث مقره واشنطن، قُدِّرت الترسانة بما يتراوح بين 120 ألفاً و200 ألف صاروخ وقذيفة، تشمل الصواريخ الباليستية الموجهة، والصواريخ القصيرة والمتوسطة المدى غير الموجهة، وكذلك الصواريخ القصيرة والطويلة المدى.

7

في المقابل، أصبحت إسرائيل، التي تأسست في عام 1948، واحدة من أقوى القوى العسكرية في الشرق الأوسط، مستغلة تفوقها التكنولوجي وقدراتها السيبرانية المتقدمة التي تشكل ركائز أساسية في استراتيجياتها الدفاعية والهجومية، بالإضافة إلى صناعتها الدفاعية المتطورة وتخصيصها ميزانية عسكرية ضخمة تتجاوز 23.5 مليار دولار سنوياً، إضافةً إلى ذلك، تتلقى إسرائيل أحدث المعدات العسكرية الأميركية، مما يمنحها السيطرة الجوية والبحرية.

وتُعد الولايات المتحدة أكبر داعم عسكري لإسرائيل، حيث قدمت لها مساعدات عسكرية بلغت نحو 130 مليار دولار منذ تأسيسها، وتعتمد إسرائيل بشكل كبير على هذه المساعدات لتحديث منظوماتها العسكرية، وهو ما يعزز قدرتها على مواجهة التحديات الأمنية المحيطة بها.

القدرات العسكرية لحزب الله  

يتمتع حزب الله بقدرات عسكرية متطورة تتجاوز حدود كونه تنظيماً مسلحاً غير حكومي، إذ يمتلك مجموعة واسعة من الأسلحة التقليدية والمتقدمة، مثل الصواريخ القصيرة والبعيدة المدى التي تصل إلى إسرائيل.

ويعتمد حزب الله بشكل كبير على إيران لتزويده بمعظم أسلحته، وبالتوازي مع ذلك، يعمل على تطوير برنامجه الخاص لتعديل الصواريخ وتحديثها، كما أنشأ شبكة من الأنفاق والمخابئ لإخفاء هذه الأسلحة، وبنى ترسانة معدة خصيصاً لاستهداف البنية التحتية الإسرائيلية والمدن الحيوية للضغط على تل أبيب في حال حدوث غزو بري.

ولتحقيق هذا الهدف، حصل الحزب على أسلحة وتكنولوجيا عسكرية ليس فقط من إيران، بل أيضاً من النظام السوري وبشكل غير مباشر من روسيا، بالإضافة إلى السوق السوداء، ومع ذلك، ما زال الحزب يعتمد بشكل أساسي على الأسلحة القديمة مثل صواريخ الكاتيوشا، ولم يستخدم أحدث معداته، بما في ذلك الصواريخ القادرة على استهداف الدبابات والسفن، وتعتقد الأبحاث أن حزب الله لم يستخدم الأسلحة المتطورة، مثل الصواريخ الموجهة بدقة، ويحتفظ بها كاحتياطي استعداداً لحرب شاملة.

وتشتمل القدرات العسكرية لحزب الله على العناصر الآتية:  

  • القوة البشرية:  

قدّر كتاب "حقائق العالم" الصادر عن وكالة المخابرات المركزية الأميركية عام 2024 أن حزب الله يمتلك 45 ألف مقاتل، منهم 20 ألفا من المتفرغين و25 ألفا من الاحتياطيين، في حين زعم حسن نصر الله في وقت سابق أن جماعته تمتلك 100 ألف مقاتل مدرب.

ويسعى حزب الله إلى تقديم نفسه كقوة قادرة على مواجهة إسرائيل بشكل مباشر، ولهذا السبب مال نصر الله إلى تضخيم حجم وقدرات الجماعة، وفقاً لآراء الخبراء.

وتتألف قوات حزب الله بشكل أساسي من وحدات مشاة خفيفة، تم تدريبها على التخفي والمرونة والعمل باستقلالية، واستخدم الحزب لذلك استراتيجية مشابهة لما تُعرف في الولايات المتحدة بـ"قيادة المهمة"، والتي تسمح للقادة الميدانيين باتخاذ قرارات مستقلة في ساحة المعركة استناداً إلى نوايا القيادة العليا.

ومكّن هذا النهج حزب الله من العمل بفعالية حتى في مواجهة القوة النارية الهائلة للجيش الإسرائيلي، وعلى سبيل المثال، في حرب 2006، صُممت وحدات الصواريخ الخاصة بحزب الله بحيث تستطيع إعداد مواقع الإطلاق وإطلاق النار والاختفاء خلال 28 ثانية فقط، معتمدةً على التجهيزات المعدة مسبقاً والمخابئ الأرضية والدراجات الجبلية لتقليل فترة التعرض للعدو.

وبعد الحرب، طور حزب الله هذه الاستراتيجية أكثر، وركز على إزالة مركزية القيادة والسيطرة، بهدف دفع الجيش الإسرائيلي إلى مواجهة قتالية في مناطق حضرية، وبالتالي تمكين مقاتلي الحزب من استغلال التحصينات والمواقع المخفية.

وخلال مشاركته في الحرب إلى جانب النظام في سوريا، اكتسب حزب الله خبرة قتالية كبيرة، حيث تمكن من تطوير قدراته في استخدام تكتيكات وتقنيات الجيوش التقليدية، وأصبح بمقدوره تنفيذ مناورات منسقة لقوات أكبر، وتأمين الدعم اللوجستي لتشكيلات عسكرية كبيرة، كما تدرب مقاتلوه عملياً على استخدام المدفعية الثقيلة بشكل فعال.

كذلك أتاحت له الحرب في سوريا إمكانية الوصول إلى دبابات قتال رئيسية مثل T-72 وT-54/55 وT-62، لكن استخدام هذه الدبابات داخل الأراضي اللبنانية يواجه تحديات كبيرة، حيث إن تشغيلها يتطلب تشكيلات دعم متخصصة وسلاسل إمداد معقدة، وهي أمور قد لا تتوافر بسهولة في مناطق نفوذ الحزب، كما أن الجيش الإسرائيلي يمتلك قدرات متقدمة في الطائرات الحربية والطائرات بدون طيار والمدفعية، التي يمكنها تدمير هذه الدبابات بسرعة.

ومن الجدير بالذكر أن حزب الله واجه في سوريا أعداء غير نظاميين (فصائل عسكرية تضم متطوعين غير مدربين)، وهو ما يختلف تماماً عن القتال ضد جيش نظامي، والتجربة الوحيدة التي خاضها ضد جيش نظامي كانت في إدلب عام 2020، حين تدخل الجيش التركي لوقف تقدم قوات النظام، وفي تلك المواجهة تكبد حزب الله خسائر بشرية كبيرة.

  • العوامل الجغرافية:

خلال السنوات الماضية، استغل حزب الله تضاريس جنوبي لبنان في مواجهاته مع إسرائيل، حيث تتميز المنطقة بتلالها الصخرية التي وفرت غطاءً طبيعياً لمقاتلي الحزب خلال حرب 2006، إذ اعتمدوا على الأشجار، والكهوف، والمباني المتفرقة لإخفاء تحركاتهم وإطلاق الصواريخ والطائرات بدون طيار، مما صعب على القوات الإسرائيلية رصدهم.

كما بنى حزب الله شبكة معقدة من الأنفاق والمخابئ جنوبي لبنان، واستخدمها لنقل الأفراد والمعدات وحمايتهم من الضربات الجوية، ولتنفيذ الكمائن والهجمات الصاروخية، وعندما لم تتوفر التحصينات العسكرية التقليدية، لجأ الحزب إلى استخدام البنية التحتية المدنية مثل المنازل والمباني في القرى والمدن لإخفاء مواقعه.

ومع تصاعد التوترات في تشرين الأول 2023، نزح العديد من السكان من مناطق جنوبي لبنان، تاركين بعض القرى الحدودية شبه فارغة، وهو ما ساعد حزب الله بشكل أكبر على استخدام الأنفاق والمخابئ لضرب القوات الإسرائيلية والتراجع بسرعة، وهذا سيعقد مهمة الجيش الإسرائيلي إذا قرر التقدم براً للسيطرة على المنطقة.

كذلك، تشكل الأنهار في جنوبي لبنان، مثل نهر الليطاني، عائقاً طبيعياً يمكن للقوات المدافعة استغلاله لتحقيق ميزة تكتيكية، بالإضافة إلى أهميتها الاستراتيجية في التحكم بحركة الإمدادات والقوات، قد تلعب هذه الأنهار دوراً رئيسياً في أي مواجهة مستقبلية بين حزب الله وإسرائيل.

  • الترسانة العسكرية:

خلال حرب 2006، اتبع حزب الله استراتيجية تقوم على إطلاق آلاف الصواريخ والقذائف على إسرائيل، وضرب بنيتها التحتية وأمنها بهدف الضغط عليها وتقويض الدعم الشعبي للحرب، ولمحاولة استنزاف القوات الإسرائيلية وإضعاف فعالية عملياتها العسكرية، وبعد الثامن من تشرين الأول 2023، كرر حزب الله هذا السيناريو، ومن المحتمل أن يستخدم هذا الأسلوب بشكل أوسع إذا اندلعت حرب شاملة.

وتشمل ترسانة حزب الله صواريخ قصيرة المدى وغير موجهة، إضافة إلى صواريخ طويلة المدى موجهة بدقة تهدد المراكز الحيوية في إسرائيل، ويتمتع استخدام هذه الصواريخ بمزايا، منها إمكانية إطلاقها من سيارات متحركة أو من مخابئ طبيعية، وبالتالي فإن كشفها وتدميرها من قبل الجيش الإسرائيلي سيتطلب وقتاً وجهداً أكبر من قبل وحدات الاستطلاع.

ونظراً للعلاقة الوثيقة بين حزب الله وإيران، فمن المحتمل أن تقوم طهران بإعادة تزويد حزب الله سريعاً إذا استخدم هذه الترسانة في مواجهة مع إسرائيل، كما أن علاقات إيران مع النظام السوري تسهم في تسهيل تدفق الأسلحة إلى لبنان عبر خطوط الإمداد.

كما تمثل الطائرات من دون طيار جزءاً مهماً من هذه الترسانة، حيث تمكن حزب الله، بعد اتساع قدراته في هذا المجال بفضل الحرس الثوري الإيراني، من اختراق الدفاعات الجوية الإسرائيلية وشن أكثر من 40 هجوماً باستخدام الطائرات المسيرة منذ كانون الأول 2023، وتشمل تلك المسيرات الطائرات التجارية الرباعية الأجنحة من طراز DJI، بالإضافة إلى الطائرات الانتحارية والمسيرات الهجومية الإيرانية والمحلية الصنع.  
وفي حال اندلعت حرب أوسع بين حزب الله وإسرائيل، فمن المرجح أن يتلقى الحزب مزيداً من هذه الطائرات من إيران، ما لم يتم قطع طرق الإمداد عبر سوريا، ومع ذلك، لا يُستهان بالدفاعات الجوية الإسرائيلية وأنظمة الحرب الإلكترونية التي تمتلكها تل أبيب، والتي من الممكن أن تعطل جزءاً كبيراً من هذه الهجمات.

6

بالإضافة إلى تلك القدرات، تشمل ترسانة حزب الله الصواريخ الموجهة المضادة للدبابات والعبوات الناسفة، التي يمكن استخدامها لمهاجمة المركبات المدرعة والمواقع المحصنة، وكانت هذه العناصر حيوية لتحقيق بعض نجاحاته التكتيكية في حرب 2006، ويُعتقد أن الجيش الإسرائيلي قد تعلم من تلك التجربة ولن يكرر الأخطاء نفسها في أي مواجهة مستقبلية. 

ومنذ عام 2006، طور حزب الله قدراته في مجال الصواريخ المضادة للدبابات، حيث بات يستخدم حالياً نظام "ثار الله"، المصمم للتغلب على نظام الحماية النشط المستخدم في دبابات "ميركافا" الإسرائيلية، رغم أن فعاليته لا تزال غير مؤكدة بحسب المصادر المتاحة.

إضافةً إلى ذلك، اتخذ الحزب خطوات لتحسين حركة وحداته القتالية، حيث زود المركبات المتعددة التضاريس بصواريخ كورنيت، مما يعزز قدرتها على الحركة ومهاجمة أهداف متعددة.

وفي كانون الثاني 2024، أفادت تقارير إخبارية بأن حزب الله استخدم صواريخ "كورنيت-إم" المتطورة لمهاجمة قاعدة مراقبة جوية إسرائيلية، في تصعيد واضح لقدراته المضادة للدبابات من حيث المدى والقوة التدميرية، ووفقاً لتحليل صادر عن "مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية"، فإن التجربة القتالية لحزب الله في سوريا أظهرت أن عناصره مدربون جيداً على استخدام هذه الصواريخ ضد المدرعات والمواقع المحصنة.

وفي مجال العبوات الناسفة، يُعد حزب الله من الأطراف البارزة في تصنيع واستخدام هذه الأسلحة، إذ استخدم الحزب العبوات الناسفة المزودة بذخائر خارقة للدروع ضد القوات الإسرائيلية منذ تسعينات القرن الماضي، ويبدو أنه مستعد لتكرار ذلك في أي مواجهة مستقبلية.

لكن، ورغم خطورة هذه الأسلحة، فهي غير كافية لحسم المعارك الكبرى، حيث تستطيع ضرب أهداف محدودة مثل المركبات أو المواقع الصغيرة، لكنها ليست كافية للتصدي لقوات مدرعة كبيرة مدعومة بالمشاة والقوات الجوية.

وفيما يتعلق بالدفاعات الجوية، عمل حزب الله بعد حرب 2006 على تطوير قدراته في هذا المجال، في مسعى لتعزيز قوته في مواجهة التفوق الجوي الإسرائيلي، وتشمل القدرات التي يمتلكها الحزب أنظمة تم تصنيعها في إيران وروسيا، وتضم المدافع المضادة للطائرات، وأنظمة الدفاع الجوي المحمولة، وصواريخ أرض- جو قصيرة ومتوسطة المدى، التي غالباً ما تصل إلى لبنان عبر سوريا.

وفي تشرين الثاني 2023، أشارت تقارير إلى أن الاستخبارات الأميركية رصدت قيام مجموعة فاغنر الروسية بنقل نظام SA-22 إلى حزب الله من سوريا، وفي الوقت ذاته، ظهرت تقارير تفيد بأن الميليشيات الإيرانية في سوريا تتدرب على استخدام نظام الدفاع الجوي الإيراني الأكثر تقدماً، خرداد-15.

وفي عام 2022، اعترف قائد سلاح الجو الإسرائيلي السابق، عميكام نوركين، بأن التفوق الجوي الإسرائيلي فوق جنوبي لبنان لم يعد كما كان عليه، وفي شباط 2024، أعلن الجيش الإسرائيلي عن استهداف مواقع الدفاع الجوي لحزب الله في وادي البقاع، بعد إسقاط طائرة إسرائيلية بدون طيار.

4

ورغم التطور في أنظمة الدفاع الجوي لحزب الله، فإن إسرائيل لا تزال تتمتع بتفوق جوي كبير، فمنذ التصعيد في السابع من تشرين الأول 2023، كثفت القوات الجوية الإسرائيلية غاراتها على مواقع في لبنان، مستخدمةً بعضاً من أحدث الطائرات والأنظمة الجوية في العالم، ووصل تهديد المقاتلات الإسرائيلية إلى المقر الرئيسي لحزب الله، الذي تم قصفه وتصفية حسن نصر الله داخله.

القدرات العسكرية الإسرائيلية

تمتلك إسرائيل أحد أكبر الأجهزة العسكرية في المنطقة، حيث يتألف الجيش الإسرائيلي من نحو 169,500 جندي نشط في الجيش والبحرية والقوات شبه العسكرية، إلى جانب 465,000 جندي احتياطي، بالإضافة إلى 8,000 فرد ضمن القوات شبه العسكرية.

وتفرض إسرائيل الخدمة العسكرية الإلزامية على جميع المواطنين الذين تتجاوز أعمارهم 18 عاماً، حيث يخدم الرجال لمدة 32 شهراً، بينما تخدم النساء لمدة 24 شهراً.

ولدى إسرائيل ترسانة عسكرية قوية ومتطورة تضم أسلحة حديثة وأنظمة مراقبة متقدمة، وتشمل هذه الترسانة أكثر من 2200 دبابة و530 قطعة مدفعية متنوعة، إضافةً إلى قوة جوية تضم 339 طائرة قتالية، بما في ذلك طائرات F-16، F-15، وF-35، بالإضافة إلى 43 مروحية هجومية من نوع أباتشي. وعلى الصعيد البحري، تمتلك إسرائيل 5 غواصات و49 سفينة دورية ومقاتلة ساحلية.

3

كما أنها تمتلك أحد الأنظمة الدفاعية الأكثر شهرة، وهو "القبة الحديدية"، الذي يُعد نظام دفاع جوي متطور لاعتراض وتدمير الصواريخ القصيرة المدى، وطُوِّر هذا النظام بعد حرب 2006 مع حزب الله، حيث استهدفت إسرائيل آلاف الصواريخ، ودخل الخدمة عام 2011 بتمويل ودعم أميركي بلغت قيمته أكثر من 1.5 مليار دولار، واعترضت القبة أكثر من 90% من الصواريخ التي أطلقتها حماس وفصائل فلسطينية أخرى خلال عام 2021.

إلى جانب قدراتها العسكرية التقليدية، يُعتقد أن إسرائيل تمتلك ترسانة نووية، بما في ذلك صواريخ أريحا وطائرات قادرة على حمل رؤوس نووية.

ووفقاً لتقرير صدر عن "معهد استوكهولم الدولي لأبحاث السلام" في عام 2022، أنفقت إسرائيل قرابة 23.4 مليار دولار على جيشها، ما يعادل 4.5% من الناتج المحلي الإجمالي، مما يجعلها من أكبر الدول المنفقة على الجيش في العالم.

وتُعتبر إسرائيل أيضاً أكبر متلقٍ للمساعدات الخارجية الأميركية، حيث تلقت نحو 263 مليار دولار منذ عام 1946، أي ما يعادل تقريباً ضعف ما تلقته مصر، التي جاءت في المرتبة الثانية بحصولها على 151.9 مليار دولار، وتعتمد إسرائيل بشكل كبير على هذه المساعدات لتعزيز قدراتها العسكرية وتحديث منظوماتها الدفاعية.

صواريخ حزب الله

  • صواريخ "كاتيوشا" هي نوع من الصواريخ المدفعية غير الموجهة التي استخدمت لأول مرة خلال الحرب العالمية الثانية من قبل السوفييت. ويعتمد حزب الله على عدة طرازات من هذه الصواريخ، مثل 9M22 Grad بعيار 122 ملم، والتي يصل مداها إلى 20 كيلومتراً وتحمل رأساً حربياً بوزن 6 كغم. وتُطلق هذه الصواريخ إما من قاذفات ثلاثية القوائم أو من قاذفات متعددة الأسطوانات المثبتة على الشاحنات، وقد استخدمت بكثرة خلال حرب لبنان عام 2006. وتُعد إيران المورد الرئيسي لصواريخ الكاتيوشا لحزب الله منذ عام 2001.
  • صواريخ فجر-1 عيار 107 ملم، طورتها الصين في الستينات من القرن الماضي، ومن ثم قامت إيران بتطويرها بشكل محلي. ويبلغ مدى هذه الصواريخ نحو 8-10 كيلومترات وتحمل رأساً حربياً شديد الانفجار بوزن 8 كغم. ويتم إطلاقها يدوياً أو من خلال قاذفات متعددة الخلايا حصل عليها حزب الله من إيران.
  • صواريخ فلق-1 وفلق-2 وهي صواريخ مدفعية غير موجهة تم تطويرها في إيران في التسعينات. وفلق-1 يحمل رأساً حربياً بوزن 50 كغم ومداه 10-11 كيلومتراً، بينما يحمل فلق-2 رأساً حربياً أثقل بوزن 120 كغم ومدى مماثل. ويمكن إطلاق هذه الصواريخ من الشاحنات أو القوارب، وقد استخدمها حزب الله ضد إسرائيل خلال حرب لبنان الثانية.
  • صاروخ شهين-1 وهو صاروخ مدفعي غير موجه بعيار 333 ملم، تم تطويره في إيران، بمدى يصل إلى 13 كيلومتراً، ويحمل رأساً حربياً شديد الانفجار بوزن 190 كغم.
  • صاروخ طراز 81 الصيني يُصنف ضمن فئة الكاتيوشا، يبلغ مداه 20.5 كيلومتراً وهو مزود برأس حربي شديد الانفجار، ويقال إنه يحمل 39 ذخيرة فرعية من طراز MZD-2 أو طراز 90. ويبلغ طول الصاروخ القياسي بقطر 122 ملم 1.927 متراً ويزن 45.3 كغم.
  • صواريخ فجر-3 وفجر-5 هي من ضمن الصواريخ المدفعية غير الموجهة التي طورتها إيران في التسعينات. ويبلغ مدى فجر-3 نحو 43 كيلومتراً ويحمل رأساً حربياً بوزن 45 كغم، بينما يصل مدى فجر-5 إلى 75 كيلومتراً مع رأس حربي يزن 90 كغم. وتم إطلاق هذه الصواريخ خلال حرب لبنان 2006 ضد إسرائيل.
  • صواريخ رعد-2 ورعد-3 هي صواريخ مدفعية بعيار 220 ملم، تم تطويرها من قبل الاتحاد السوفييتي، ويصل مداها إلى 70 كيلومتراً. وتحمل هذه الصواريخ رؤوساً حربية بوزن 50 كغم مملوءة بكرات فولاذية مضادة للأفراد، وقد استخدمها حزب الله في صراعاته مع إسرائيل.
  • صاروخ خيبر-1 وهو صاروخ مدفعي غير موجه بمدى يصل إلى 100 كيلومتر، وقد طوره النظام السوري استناداً إلى النظام الصيني WS-1. ويحمل هذا الصاروخ رأساً حربياً بوزن 150 كغم، وقد استخدمه حزب الله لأول مرة في حرب 2006 لاستهداف المدن الإسرائيلية.
  • صاروخ زلزال 1 وزلزال 2 هي صواريخ باليستية تم تطويرها في إيران، ويتراوح مداها بين 125 و210 كيلومترات، وتحمل هذه الصواريخ رؤوساً حربية ثقيلة بوزن 600 كغم. وقد زودت إيران حزب الله بها عبر النظام السوري لتمكينه من استهداف العمق الإسرائيلي.
  • صاروخ فاتح- 110 هو صاروخ باليستي إيراني قصير المدى يمكن تحريكه على الطرق، ويصل مداه إلى 300 كيلومتر، ويحمل رأساً حربياً بوزن 500 كغم. ونُقلت هذه الصواريخ إلى حزب الله من قبل النظام السوري وإيران، وتُعتبر من أهم الأسلحة في ترسانة الحزب.
  • صاروخ "تشرين" هو نسخة سوريّة من صاروخ فاتح-110، يبلغ طوله نحو 9 أمتار ويزن قرابة 3450 كغم عند الإطلاق.
  • صواريخ سكود، تشير التقارير إلى أن النظام السوري نقل عدداً غير معروف من صواريخ سكود (المتغيرات B وC و/ أو D) إلى حزب الله في أواخر عام 2009، ومرة أخرى في نيسان 2010. وتعتبر هذه الصواريخ ضخمة وغير عملية بالنسبة لحزب الله نظراً لصعوبة نقلها وإعدادها للإطلاق. وتتراوح مدى متغيرات صواريخ سكود بين 300 و550 كيلومتراً، وتحمل حمولة تتراوح بين 600 و985 كغم، ويبلغ طول الإصدارات القياسية بين 10.3 و12.29 متراً.
    6
  • فيما يخص الصواريخ المضادة للسفن، يمتلك حزب الله صواريخ C-802 الصينية التي يصل مداها إلى 120 كيلومتراً، وتحمل رأساً حربياً يزن 165 كغم، وقد استخدمها الحزب في استهداف سفينة حربية إسرائيلية خلال حرب 2006.
  • كما يمتلك الحزب صواريخ ياخونت الروسية التي تشكل تهديداً كبيراً للملاحة الإسرائيلية، إذ يبلغ مداها 300 كيلومتر، وتحمل إما رأساً حربياً شديد الانفجار (HE) بوزن 200 كغم أو رأساً حربياً نصف خارق للدروع (SAP) بوزن 250 كغم، وحصل الحزب على هذه الصواريخ من النظام السوري في عام 2016.
  • أما فيما يخص الصواريخ المضادة للدبابات، فيستخدم حزب الله مجموعة واسعة من الأنظمة مثل RPG-29 و9M14 Malyutka وAT-5 Spandrel وM133 Kornet-E وAT-13، والتي حصل الحزب على معظمها من النظام السوري واستخدمها خلال حرب لبنان 2006، حيث نجحت في تدمير العديد من دبابات ميركافا الإسرائيلية.
  • كما يمتلك حزب الله أنظمة دفاع جوي مثل Misagh-1 وSA-7 وSA-8 وSA-14 وPantsyr-S1، التي توفر حماية نسبية ضد الطائرات الإسرائيلية، إلا أنها لا تمنع تماماً الضربات الجوية الإسرائيلية، وتشير التقارير إلى أن النظام السوري وإيران زودا الحزب بهذه الأنظمة.

هل يصمد حزب الله أمام إسرائيل؟

في ضوء الاستعدادات المستمرة لكل من حزب الله والجيش الإسرائيلي، يبدو أن أي تصعيد مستقبلي بين الطرفين سيشهد مواجهات أعنف وأكثر تعقيداً مقارنة بحرب عام 2006، فحزب الله، الذي اكتسب خبرة قتالية هائلة من تدخله في سوريا، بات أكثر قدرة على إدارة الهجمات ضد إسرائيل، مستخدماً ترسانة متطورة من الصواريخ بعيدة المدى والطائرات بدون طيار.

ورغم ذلك، فإن حزب الله لا يزال يواجه تحديات تكنولوجية مقارنة بالقدرات المتقدمة للجيش الإسرائيلي، الذي استثمر بشكل كبير في تطوير منصات برية وجوية تسمح له بجلب قوة نيران هائلة إلى أي صراع محتمل، كما أن الهيمنة الجوية لإسرائيل، إلى جانب خبرتها في حرب غزة الأخيرة، تضعها في موقف متفوق تقنياً، مما قد يحد من قدرة حزب الله على تنفيذ هجمات مؤثرة.

في النهاية، فإن أي مواجهة برية موسعة بين حزب الله وإسرائيل ستكون اختباراً لقدرات الطرفين على تحقيق أهدافهما الاستراتيجية، في حين أن حزب الله قد يستفيد من خبرته المتزايدة وتكتيكاته الجديدة، فإن التحديات التي يواجهها في سياق تغيير موازين القوى العسكرية والتطورات الجيوسياسية لا يمكن إغفالها، كما أن التفوق الإسرائيلي في القوة النارية والتكنولوجيا سيظل حاسماً في تحديد ملامح أي صراع مستقبلي.