ثمة شقة قريبة من شارع ريجينت ببلدة فريدريكتون تشتمل على كل شيء يمكن أن يخطر ببالك من أجل استقبال قاطنيه، فقد تم تجهيز المكان بكل قطع الأثاث ومعدات المطبخ، بل حتى بالملابس التي تم التبرع بها للتغلب على برد الشتاء في هذه البلدة.
بيد أن الشيء الوحيد الناقص في تلك الشقة هو الأسرة التي ستسكنها.
إذ كان من المفترض أن تغادر شقيقة عبد المعين الهواري هي وأسرتها مخيم اللاجئين في الأردن لتسافر إلى كندا في السابع والعشرين من شهر تشرين الأول الماضي.
وقد ذكر شقيقها بأنها بقيت هي وأسرتها في المخيم لمدة تقارب ثلاث سنوات ونصف السنة، بعدما اكتشفت السلطات بأن زوجها يعمل في البلاد من دون ترخيص.
إذن العمل.. معاناة يعيشها اللاجئ
بالأصل غادرت تلك الأسرة سوريا لتصل إلى الأردن في عام 2013، وذلك بعد تعرض بيتهم للقصف.
إلا أن اللاجئين السوريين يجب أن يقدموا العديد من الوثائق حتى يحصلوا على إذن عمل في الأردن، ولهذا لم يستطع صهر عبد المعين أن يحصل على ذلك الإذن.
وعندما اكتشفت السلطات الأردنية أنه يعمل بلا إذن، تم ترحيله إلى سوريا، وبما أن ذلك القرار أجبره على ترك زوجته وأولاده الأربعة وحدهم بلا معيل، لذا دخل هذا الرجل إلى الأردن مجدداً من دون تصريح.
وهنا لن نذكر اسم شقيقة عبد المعين ولا أي أحد من أفراد أسرتها وذلك من أجل أمانهم، كونهم ما يزالون يعيشون في مخيم بالأردن.
كانت الرحلة المقررة في شهر تشرين الأول تمثل خطوة حاسمة ضمن عملية التقديم للحصول على رعاية خاصة من قبل كنيسة ويلموت المتحدة بهدف جلب شقيقة عبد المعين وأسرتها إلى فريدريكتون.
ولكن قبل ثلاثة أيام من موعد الرحلة، لم تسمح السلطات الأردنية لتلك الأسرة بمغادرة مخيم الأزرق لإجراء فحص كوفيد-19 من دون أي سبب واضح للرفض، كما تم تأجيل الرحلة المقررة في 25 تشرين الثاني، من دون تحديد أي تاريخ آخر لموعدها.
وحول ذلك يعلق عبد المعين بالقول: "من الصعب العيش في المخيم، إذ لا توجد فيه مدارس، ولا حياة، أي أنه صعب، ولا أستطيع أن أصف ذلك".
بقي عبد المعين على تواصل مع شقيقته من خلال تطبيق فيس تايم، حيث استطاع أن يرى من خلاله جوانب من الحياة في المخيم والظروف المعيشية هناك.
فقد أقامت المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة هذا المخيم بالتعاون مع الحكومة الأردنية، حيث تم افتتاحه في عام 2014 من أجل من هربوا من لظى الحرب السورية التي بدأت في عام 2011.
وتشير التقديرات أن نزلاء المخيم قد بلغ عددهم 38 ألف لاجئ حتى شهر حزيران المنصرم.
بقيت المتطوعة ويلا ستيفينسون تساعد عبد المعين في البحث والسعي ضمن عملية إعادة التوطين والحياة في كندا كونها متطوعة في برنامج أول صديق لفريدريكتون، إذ كان هذا البرنامج التطوعي عبارة عن مبادرة قدمتها جمعية فريدريكتون للثقافات المتعددة، ويهدف إلى مساعدة القادمين الجدد في عملية التوطين والاستقرار في المجتمع الجديد.
وتحدثنا تلك المتطوعة عن السبب الذي دفعها للتطوع وكيف التقت بأسرة عبد المعين فتقول: "اعتقدنا أن البرنامج سيستغرق بضعة أسابيع، أو ربما بضعة أشهر، ومن خلاله سنقوم بتقديم المساعدة مرتين في الأسبوع على ممارسة اللغة الإنجليزية... إلا أننا أحببنا بعضنا على الفور".
استقر عبد المعين مع زوجته وأولاده الثلاثة في فريدريكتون في عام 2016 بعدما هربوا من الحرب الدائرة في سوريا.
وتعلق ويلا على ذلك بالقول: "توجهنا إلى المطار في ليلة من ليالي كانون الثاني، يومئذ كان الثلج يهطل، ولهذا لن أنسى ما حييت كيف نزلوا من الطائرة".
وتتحدث كيف توجهت مع تلك الأسرة للتسوق وشراء حاجيات البيت في اليوم التالي، من دون أن تجمع بينهم لغة مشتركة، بيد أنهم استطاعوا أن يتواصلوا معاً، وحول ذلك تعلق قائلة: "أقمنا علاقة صداقة رائعة منذ ذلك الحين".
ثم تواصلت ويلا مع كنيسة ويلموت المتحدة للبدء بعملية الرعاية الخاصة من أجل شقيقة عبد المعين وأسرتها.
تنحدر عائلة الهواري من دمشق، ويخبرنا عبد المعين بأنه حاول أن يرسم صورة لشكل الحياة في فريدريكتون ليصف الوضع لشقيقته التي كانت تعيش في درعا القريبة من الحدود الأردنية، وحول ذلك يخبرنا فيقول: "تبدو مدينتها أشبه بقرية صغيرة، كونها تشتمل على كثير من الأشجار والحيوانات، فهنالك كثير من المساحات الخضراء كما هي الحال في فريدريكتون... عندما حدثتها عن فريدريكتون قلت لها: لا تقلقي... سنعيش في قرية جميلة، إذ هنالك كثير من الناس اللطفاء، والأماكن الجميلة... ستكونين سعيدة هنا".
الخطوات التالية
نظراً لوجود قوانين تحمي الخصوصية في كندا، لذا امتنعت وزارة الهجرة عن التعليق على وضع شقيقة عبد المعين هي وأسرتها، حيث ذكرت الناطقة الرسمية باسم الوزارة، السيدة نانسي كارتون الآتي: "لا يمكننا التعليق على حالة بعينها من دون موافقة الشخص المعني، ولكن عموماً، تواصل كندا العمل مع الشركاء الدوليين على تسهيل عملية إعادة توطين اللاجئين عندما تسمح الظروف"، وأشارت إلى الضرر المتواصل الذي خلفته الجائحة على العديد من الدول وعلى الجهود التي تبذل من أجل إعادة توطين اللاجئين، وتابعت قائلة: "ستزداد عمليات إعادة التوطين مع تحسن الظروف المحلية لكوفيد-19 بما يسمح بتسريع العملية، ويتيح السفر من العديد من الوجهات".
وفي بيان وزارة الهجرة الكندية ورد ما يأتي: "تختلف شروط عملية تسهيل السفر باختلاف البلد، وقد يتأثر ذلك بشكل سلبي بموجات كوفيد-19 المتلاحقة. وإننا نقوم بتسهيل الخطط الساعية لاستبدال الوثائق التي انتهت مدتها ولتحديد مواعيد السفر إلى كندا قدر الإمكان".
الأمل بالقدوم إلى كندا
حاولت ويلا أن تتواصل مع النائب جينيكا آتوين التي تمثل بلدة فريدريكتون في البرلمان وكذلك مع دومينيك ليبلانك وزير الشؤون الحكومية الدولية في كندا، وذلك لأنها هي وعبد المعين قلقان على أمان شقيقته وأسرتها التي تعيش في المخيم، خاصة بعد مرور المزيد من الوقت من دون تحديد موعد لرحلتهم إلى كندا، إذ تعلق ويلا على ذلك بقولها: "لم نصل إلى أي جواب شاف، وهذا أكثر شيء مزعج بالنسبة لي، لأننا بتنا على أتم استعداد لاستقبالهم، فقد حصلوا على سمات دخول، وتلقوا جرعتين من التطعيم، إذ لديهم عيادة متخصصة بالتلقيح في المخيم، أي أنهم أعدوا العدة للرحيل بشكل كامل".
ومن ضمن الاستعدادات للمجيء إلى فريدريكتون، أجرى عبد المعين جولة افتراضية لشقيقته في المنزل المخصص لها، وهكذا أصبحت المكالمات بينهما مفعمة بالعواطف الجياشة، وصار عبد المعين يعاني وهو يحاول أن يهب الأمل لشقيقته، وعن ذلك يقول: "اتصلت بشقيقتي لأعطيها فكرة عن شقتها... ولأمنحها بعض الأمل... ولأقول لها: لا تقلقي، لأنك ستأتين إلى هنا لا محالة... أرجوك لا تبكِ!".
المصدر: سي بي إس