قالت منظمة حقوقية سورية إن "مرسوم العفو" الأخير الذي أصدره رئيس النظام السوري بشار الأسد يعتبر خطوة منقوصة في ظل وجود "محكمة الإرهاب" وقانون "مكافحة الإرهاب" الصادر عن النظام عام 2012.
وفي تقريرها الصادر أمس الأربعاء، ترى منظمة "سوريون من أجل الحقيقة والعدالة" أن "إيراد مواد من قانون العقوبات السوري العام، والمتعلقة بالإرهاب من المادة 304 إلى 306 من ضمن (مرسوم العفو)، رغم كونها ملغية بحكم (المادة 14) في القانون (رقم 19 لعام 2012)، سببه وجود أحكام نهائية أصدرها القضاء العادي (الجنائي) بحق أشخاص كانوا يقضون فترة أحكامهم في السجون وفق مواد قانون العقوبات الملغية، بحكم عدم وجود قوانين ومحكمة مكافحة الإرهاب آنذاك، وهو ما يفسّر أن العشرات من المفرج عنهم بموجب العفو، تبيّن أنّهم قضوا سنوات طويلة في السجون قبل الإفراج عنهم".
وذكر التقرير أن "مرسوم العفو لم يشمل الجرائم الواقعة على أمن الدولة الداخلي، التي حوكم على أساسها آلاف السوريين/ات سواء بأحكام حضورية/ وجاهية أو غيابية، خاصّة تلك الواردة في قانون العقوبات لعام 1949، قبل تعديله، ومنها المواد (285 إلى 288)".
لماذا لن يحل "مرسوم العفو" قضايا الاعتقال التعسفي والاختفاء القسري؟
وقالت المنظمة إن الصلاحيات اللامحدودة الممنوحة لأجهزة النظام الأمنية تجعل من الصعب، إن لم يكن من المستحيل على القضاء التابع للنظام، تطبيق هذا المرسوم على عشرات آلاف المعتقلين/ات والمختفين قسراً الموجودين في سجون الأجهزة الأمنية (مثل جهاز المخابرات العسكرية، الأمن العسكري، وإدارة المخابرات العامة، وأمن الدولة، وجهاز المخابرات الجوية، وشعبة الأمن السياسي). كونها محصنة من الملاحقة القضائية ولا سلطان لأي جهاز قضائي عليها.
وأضافت أن من المستحيل قدرة المرسوم على الإفراج عن المعتقلين/ات والمختفين/ات لدى الميليشيات التابعة لقوات النظام السوري مثل الدفاع الوطني" والميليشيات الأجنبية الموجودة على الأراضي السورية، مثل الإيرانية أو اللبنانية، نظراً لوجود معتقلات وسجون خارج إطار سلطة النظام.
"عفو" منقوض وفضفاض في ظل قانون "مكافحة الإرهاب"
ويشير التقرير إلى أنه إذا كانت نية النظام السوري حسنة لتطبيق المرسوم، فيجب تشميل الغالبية العظمى من المعتقلين والمختفين قسرياً به، لأن اعتقالهم كان بناءً على آرائهم السياسية المناهضة للنظام، أو لأنهم من المناطق المناوئة له، وأحياناً أخرى كانت الغاية من الاعتقال هي فقط الحصول على إتاوات من أقاربهم مقابل إطلاق سراحهم أو حتى مقابل معرفة مصائرهم، ناهيك عن أن أغلب المتهمين بارتكاب أعمال إرهابية، كانت تلك الأعمال عبارة عن عمليات إغاثة أو إسعافات طبية أو كتابة بوست أو مقال رأي يؤيد الثورة السورية ضد النظام.
وبالمقابل، إذا كان سوء النية سيحكم تصرف أجهزة النظام الأمنية بخصوص تطبيق "مرسوم العفو"، وهذا المتوقع، فلن يتم تشميل الكثير من المعتقلين به، وسوف تعتبر تلك الأجهزة أي عمل معارض للنظام، حتى لو كان مقال رأي "عملاً إرهابياً" أفضى إلى الموت، وبالتالي لا يشمله مرسوم العفو، ويمكنهم الذهاب بتفسيرهم بأن ذلك العمل مثل (كتابة بوست أو مقال أو رأي أو..) أدى إلى تشجيع العمليات الإرهابية التي أدت إلى مقتل البعض. وفقاً للتقرير.
"مرسوم العفو" خاضع لتقديرات أجهزة النظام الأمنية
وفي تاريخ 7 أيار 2022 أصدرت "وزارة العدل" في حكومة النظام السوري بياناً تحدثت بموجبه عن إلغاء كل الإجراءات المتعلّقة بالملاحقة القضائية (إذاعة بحث - توقيف - مراجعة) بحق المطلوبين أمنياً ضمن القضايا الخاضعة لـ "محكمة الإرهاب".
وقالت منظمة "سوريون من أجل الحقيقة والعدالة" إن البيان عاد ووضع استثناءات لمدى شمول هذا العفو لبعض الأفعال "التي لم تفض إلى موت إنسان" المذكورة في "مرسوم العفو"، أو "ما لم يثبت استمرار انتمائهم لتنظيمات إرهابية أو ارتباطهم مع دول أخرى" وهي عبارة لم ترد في نص المرسوم.
وأضافت أن "بيان وزارة العدل أورد عبارات جديدة وفضفاضة وتحتمل التأويل والتفسير وتزيد الغموص، وتحديداً عبارة (ما لم يثبت استمرار انتمائهم لتنظيمات إرهابية أو ارتباطهم مع دول أخرى)" حيث تخضع تلك العبارة لتقديرات الأجهزة الأمنية التابعة للنظام وليس للتفسير القضائي.
وتساءل التقرير "كيف للسوري/ة أن يثبت عدم ارتباطه بدول أخرى؟ وهل يعتبر مئات آلاف الأشخاص الذين يعملون مع منظمات ومبادرات المجتمع المدني داخل سوريا وخارجها، ويحصلون على دعمهم من جهات أممية وأوروبية ودولية أخرى (غير صديقة للنظام)، من فئة (ارتباطهم مع دول أخرى)؟ وهل مجرد الحصول على جواز سفر أو إقامات أجنبية بعد العام 2011، يعتبر ارتباط بتلك الدول؟ وبالتالي من المحتمل أن يتم حرمانهم من العودة إلى وطنهم؟.
وأشار إلى أن "عبارة انتمائهم إلى تنظيمات إرهابية" تمنح الأجهزة الأمنية مرة أخرى صلاحيات واسعة للتفسير والتأويل، وبناء عليه، قد تهمش شريحة واسعة من السوريين المقيمين في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري.