icon
التغطية الحية

من الحرب إلى التسريح.. هل تحمل قرارات النظام السوري رسالة مزدوجة إلى إسرائيل؟

2024.10.23 | 06:14 دمشق

آخر تحديث: 23.10.2024 | 13:33 دمشق

756
النظام السوري بين التصعيد والتسريح: إعادة هيكلة الجيش ورسائل موجهة لإسرائيل
إسطنبول - خاص
+A
حجم الخط
-A

ملخص:

  • النظام السوري يواصل سياسة عدم الانخراط في الحروب الإقليمية، مع قرارات بتسريح أفراد من "الجيش"، رغم التوترات مع إسرائيل.
  • قرار تسريح الجنود جاء وسط تصعيد إسرائيلي في سوريا ولبنان، لكنه جزء من جهود إعادة هيكلة جيش النظام لبناء "جيش تطوعي احترافي".
  • يرسل النظام رسائل بأن هدفه هو الحفاظ على الجاهزية القتالية مع تجنب التدخل الخارجي، مما يُعد إشارة لإسرائيل بأن سوريا لن تنخرط في حرب.
  • هناك شكوك حول قدرة النظام على تحقيق هذا التوجه بسبب التدخلات الروسية والإيرانية في هيكل الجيش. 

بين صورتين متناقضتين، يواصل النظام السوري سياسة عدم الانخراط في الحروب الدائرة بالشرق، فبينما تقتحم دبابات الميركافا وعناصر الجيش الإسرائيلي، الذي لطالما اعتُبر العدو الاستراتيجي، أراضي الجنوب السوري لإقامة سياج أمني، يصدر بشار الأسد قرارات بتسريح عناصر من جيشه.

ومنذ أسابيع تشهد المنطقة تطورات متسارعة تجعلها على شفا حرب شاملة، خاصة مع توسيع إسرائيل عملياتها العسكرية في لبنان وسوريا واستدعائها قوات الاحتياط ممن أنهوا خدمتهم، وفي ظل هذا التصعيد، جاء قرار التسريح من جانب النظام ما أثار استغراب متابعين ومحللين الذين اعتبروا أنها إشارة وتأكيد على عدم انخراطه في الصراع الذي يهدد بتفجير المنطقة برمتها.

ورغم أن قرارات التسريح الصادرة ليست جديدة، إذ سبقتها عدة قرارات في إطار ما يصفه مسؤولو النظام بالسعي نحو بناء "جيش تطوعي احترافي"، إلا أن توقيت هذه القرارات تحمل رسائل ودلالات متعددة، إضافة إلى تساؤلات حول موقف حلفاء النظام من المخطط الجديد لبناء الجيش، لا سيما روسيا وإيران.

جيش احترافي؟

منذ27  سبتمبر الماضي دخلت المنطقة مرحلة تصعيد خطير بعد اغتيال حسن نصر الله وكبار قادة حزب الله، الحليف الأبرز لنظام الأسد، تبعه بعد ثلاثة أيام توغل بري إسرائيلي في جنوب لبنان، تزامناً مع تصريحات مسؤولين إسرائيليين عن إقامة شرق أوسط جديد.

على الجانب السوري بدأت تل أبيب استراتيجية جديدة تهدف إلى قطع أي إمداد عسكري أو لوجستي بين سوريا وحزب الله، فأحكمت حصارا على الحدود باستخدام طائرات استطلاع مسيرة لضبط أي تحركات عابرة من سوريا إلى لبنان، في حين تصاعدت الضربات الجوية الإسرائيلية داخل سوريا، كان آخرها، الإثنين الماضي، باستهداف أحد قيادي الحزب في حي المزة بدمشق.

وسط هذا التصعيد، أصدر النظام السوري مطلع الشهر الحالي قرارا بتسريح دفعات من الضباط والجنود الاحتياطيين، في استراتيجية جديدة يتبناها النظام، وجاء في القرار إنهاء الاحتفاظ والاستدعاء وصف الضباط الاحتياطيين ممن أكملوا مدة خمس سنوات من الخدمة بحلول 31 أكتوبر/تشرين الأول 2024، على أن يدخل القرار حيز التنفيذ في 1 نوفمبر/تشرين الثاني 2024.

القرار ليس جديداً وإنما يُعد جزءاً من سلسلة إجراءات مشابهة اتخذها النظام، في إطار سياسة إعادة هيكلة مؤسسته العسكرية، فخلال الأشهر الماضية أصدر العديد من القوانين بدءاً من قرارات التسريح، وصولاً إلى مراسيم العفو عن جرائم الفرار الداخلي والخارجي كان آخرها في 22 من الشهر الماضي.

لكن الأهم هو فتح باب التطوع للأفراد وصف الضباط، نشرت شروطه وزارة الدفاع بحكومة النظام عبر حسابها الخاص في "فيس بوك" في 11 من الشهر الماضي، وتميزت بإدراج حوافز مالية كبيرة مقارنة برواتب مؤسسات الدولة، بالإضافة إلى تحديد أكثر وضوحا لمدة العقد وشروطه.

وشملت عقود التطوع فئتين، الأولى عقد مقاتل متطوع لمدة خمس سنوات قابل للتجديد على ألا يتجاوز عمر المتطوع 32 عاماً، والثاني عقد مقاتل متطوع لمدة عشر سنوات على ألا يتجاوز عمره 32 عاماً

وحسب الشروط فإن كل متطوع سيحصل على "راتب شهري يتقاضاه وفق رتبته، يضاف إليها تعويض الميدان بنسبة 100%، وبدل سكن بنسبة 100%، والعبء العسكري بنسبة 100"، إضافة إلى 100 ألف ليرة عن كل مهمة قتالية و150 ألف ليرة سورية بدل مواصلات.

كما يحصل المتطوع على مكافأة بدء الخدمة وهي "أربعة رواتب شهرية مقطوعة يتقاضاها المتطوع بعد مضي سنة على عقد تطوع الخمس سنوات، وثمانية رواتب يتقضاها بعد مضي سنة على عقد العشر سنوات، إضافة إلى مكافأة سنوية وهي "راتبان شهريان يتقاضهما المتطوع نهاية كل سنة من سنوات تطوع الخمس سنوات، وأربعة رواتب شهرية يتقاضاها نهاية كل سنة من سنوات عقد تطوع العشر سنوات".

في يونيو/ حزيران الماضي أعلن المدير العام للإدارة العامة في وزارة الدفاع بحكومة النظام، اللواء أحمد سليمان، عن جدول زمني من ثلاث مراحل لتسريح الاحتياط، تبدأ المرحلة الأولى من 1 يوليو/تموز 2024 وحتى نهاية العام، يتم خلالها تسريح الأفراد بناءً على سنوات الخدمة، أما المرحلة الثانية، فتنطلق مع بداية عام 2025، في حين تحدد المرحلة الثالثة الحد الأقصى للخدمة الاحتياطية بعامين، مع احتمال تعديل المدد وفق نسب الالتحاق.

وأكد سليمان أن "الهدف هو تسريح عشرات الآلاف مع الحفاظ على الجاهزية القتالية وتحقيق التوازن بين خدمة الوطن واحتياجات المواطنين".

رسائل داخلية

هذه الخطط والقرارات تأتي ضمن استراتيجية يعمل عليها النظام السوري، كشف عنها سليمان العام الماضي عندما أكد أن بشار الأسد اتخذ ما وصفه "قراراً جريئاً" يتضمن "تشكيل جيش احترافي متطور نوعي”، مشيراً إلى أن "الخطة تسير بصمت وسرية".

 مدير البحوث في مركز عمران للدراسات، معن طلاع، يرى أن القرارات الأخيرة تنطلق من مستويين أساسيين، المستوى الأول يتمحور حول انخفاض الحاجة للعسكرة، ويتضمن مؤشرين، الأول هو مؤشر الضغط الشعبي والاستجابة للحاضنة لتجنب حالة التململ الشعبي، والثاني هو المؤشر التنظيمي المتصل بعمل "وزارة الدفاع"، التي تعمل على إعادة هيكلة وتنظيم الجيش.

أما المستوى الثاني، حسب ما قاله طلاع لموقع تلفزيون سوريا ، فهو مرتبط بإيحاءات ورؤية النظام السياسية وهي أيضاً على مستويين، الأولى هي الرؤية الذاتية للنظام وسعيه إلى إعادة تشكيل شبكاته ومراكز القوة الأمنية والعسكرية بما يتناسب مع المرحلة المقبلة والقدرة على التكيف مع أي تغييرات مستقبلية.

أما المستوى الثاني فيرتبط بالسياق السياسي العام حيث يتم توظيف هذه التغييرات كجزء من رؤية سياسية تهدف إلى التماهي مع مجموعة من المتغيرات في المشهد السياسي العام في المنطقة، لا سيما فيما يتعلق بالعلاقات مع روسيا وإيران، وتنامي مؤشرات التطبيع معه.

وأشار طلاع إلى أن النظام يقدم من خلال هذه القرارات إيحاءات سياسية بأنه قادر على ضبط المجتمع بما يتماشى مع هذه التحولات، والعمل على تهيئة الأوضاع داخل سوريا لعودة اللاجئين.

من جانبه اعتبر الباحث السوري أيمن الدسوقي أن قرارات التسريح وغيرها، ذات الصلة بالمؤسسة العسكرية، جزء من تصور غايته إعادة هيكلة المؤسستين العسكرية والأمنية، آخذة بعين الاعتبار حقائق ما بعد عام 2011، لبناء "جيش احترافي قائم على الولاء وذي تسليح نوعي، وأكثر قابلية لاستيعاب العقائد القتالية الجديدة والتحرك بفاعلية أكثر ميدانياً".

وحسب ما قاله الدسوقي لموقع تلفزيون سوريا فإن حيادية النظام السوري وعدم انخراطه المباشر ميدانياً في دعم حلفائه فيما يسمى "محور المقاومة"، والثبات النسبي لخطوط المواجهات مع خصوم النظام داخلياً، "يوحي بوجود قراءة لدى النظام مفادها تضاؤل فرص اندلاع تصعيد عسكري كبير ضده، يستدعي منه الحفاظ على أعداد كبيرة من المقاتلين، وما يترتب على ذلك من أعباء مادية وتنظيمية ومجتمعية".

رسائل خارجية

أما على المستوى الخارجي فإن قرارات النظام تحمل رسائل موجهة إلى طرفين، الطرف الأول هو الدول العربية التي تنامى دورها التطبيعي أكثر بعد حرب غزة وما يشهده لبنان.

وفقا لطلاع، يسعى النظام إلى إيصال رسالة للدول العربية تفيد بأنه يتبنى موقفاً سلبياً تجاه التطورات والأحداث الجارية في المنطقة، مركزاً في المقام الأول على استحقاقاته الداخلية.

وتشمل هذه الاستحقاقات إصدار مراسيم عفو، وإجراء تغييرات على المستويين السياسي والعسكري من خلال إعادة هيكلة الجيش وتقليل عسكرة المجتمع، كما يعمل النظام على تبني استراتيجيات تهدف إلى نزع السلاح وإعادة تأهيل الجماعات المسلحة ضمن مساعٍ لتعزيز الاستقرار الداخلي.

يرى طلاع أن الرسالة الأهم في هذا السياق السياسي تتمثل في إيصال إيحاء للإسرائيليين بأن التحول نحو جيش احترافي أصبح مسارا معتمدا، على الرغم من التوقعات السابقة التي أشارت إلى أن هذا التحول يحتاج إلى خطة طويلة الأمد، وبهذا التوجه، تصبح مفاهيم التطوع والحشد العام والنفير العام في سوريا شبه منتهية، مما يعكس تحولاً جذرياً في العقيدة العسكرية للنظام.

وقال طلاع إن "إنهاء التجنيد الإجباري دلالة على أن الهدف من تشكيل جيش احترافي هو التركيز على المهام المحلية وعدم الانخراط في أي أزمات خارجية، وبالتالي سيكون دور الجيش أقرب لدور الشرطة على الحدود، خاصة مع الإنهاك الكبير الذي يعانيه في الداخل"، مؤكداً أن كل ذلك هو "رسالة طمأنة بشكل غير مباشر للإسرائيليين".

وأوضح أن جيش النظام يسعى إلى تحصيل موارد بشرية جديدة، ما يشير إلى أنه بدأ في التعافي ولم يعد بحاجة إلى الاعتماد على الميليشيات، وخاصة الإيرانية، وهذا يعطي مؤشراً على أن الأسد يستبعد خيار الدخول في أي معركة عسكرية، سواء داخلية أو خارجية، وبالتالي في حال سعيه لتحقيق أي مكسب عسكري أو أمني، فسيكون ذلك عبر المفاوضات السياسية مع الأطراف المعنية، بهدف فرض السيطرة على المناطق بشكل سياسي.

ومنذ بدء طوفان الأقصى تبنى النظام السوري موقف الحياد النسبي تجاه ما يجري في المنطقة، متجنبا الانخراط المباشر في الصراع، وجاء ذلك بعد تهديدات أرسلتها إسرائيل إلى الأسد، عبر الإمارات العربية المتحدة، بسبب نقل الأسلحة الإيرانية.

وتضمنت رسالة إسرائيل للأسد، حسب ما قاله ضابط في مخابرات النظام لوكالة "رويترز"، "أنتم تسمحون للإيرانيين وحزب الله بنقل الأسلحة وترسيخ أنفسهم، لذلك سنقطع شريان حياتكم وستجدون أنفسكم في مأزق".

ويرى البعض أن هذه التهديدات دفعت النظام إلى التركيز على أولوياته الداخلية ومحاولة احتواء الأزمات الاقتصادية والأمنية التي تواجهه.

وفي هذا السياق يرى طلاع أن حجم الانتكاسات والتصدعات التي شهدها النظام جعله غير قادر على الانخراط في القضايا الإقليمية إلا من خلال التصريحات والإعلانات، معتبراً أن أجندة بشار الأسد تركز بالكامل على الاستحقاقات الداخلية فقط، باعتبارها المرحلة التي تسبق الانهيار الكامل.

وأشار إلى أن الأسد مضطر للتركيز على المستوى الداخلي وإعطاء الأولوية لمعالجة التحديات الداخلية، فاتخاذ هذا الموقف ليس خياراً ترفياً، بل يأتي بدافع الضرورة، لكن هذا التوجه يخدم السياق السياسي الراهن.

هل ينجح النظام؟

في ظل تغلغل الميليشيات والوجود الروسي والإيراني إلى جانب تداخل مصالح العديد من اللاعبين الإقليميين والدوليين، تثار تساؤلات حول قدرة النظام على ترميم جيشه وإعادة بناء مؤسساته العسكرية.

منذ تدخلها في سوريا لمساندة النظام في 2015 بدأت روسيا بإحداث تغييرات جوهرية في بنية الجيش في مسعى للتأثير على قراراته وتعزيز نفوذها العسكري، وذلك عبر تشكيل فيالق وقوى عسكرية خاصة بروسيا، أبرزها "الفيلق الخامس" و"قوات النمر"، التي تم تغيير اسمها إلى "الفرقة 25 مهام خاصة - مكافحة الإرهاب"، إضافة إلى تدريبات عسكرية تولتها موسكو تجاه قوات النظام.

أما إيران فاعتمدت على استراتيجية تأسيس ميليشيات ورعايتها لها ضمن "الدفاع الوطني" قبل دمجها في 2017 في صفوف الجيش ما أعطاها نوعا من التغلغل، إلى جانب توقيع اتفاقيات عسكرية مع النظام تنص على بناء الجيش والصناعات العسكرية الدفاعية.

الباحث أيمن الدسوقي اعتبر أن جهود إصلاح المؤسسة العسكرية للنظام تبقى "مثار شكوك في ظل ما تواجهه من تحديات تتصل بحلفاء النظام وقدرات الأخير، فمساعي النظام تصطدم بالنموذجين الإيراني والروسي غير المتطابقين".

وقال الدسوقي إن النموذج الإيراني قائم على "نموذج ميليشياوي يقوض سيادة الدولة ومؤسساتها لصالح مشروع فوق وطني"، أما النموذج الروسي فيقوم على دعم مؤسسات الدولة وفق مقاربة تغلب الاعتبارات المهنية على الولاء، ولصالح تأطير المؤسسة العسكرية للنظام بما يتماشى مع أجندات موسكو في المنطقة، وكلا النموذجين يقيد حركة النظام في إصلاح مؤسسته العسكرية.

وأشار الدسوقي إلى أن النظام لا يمتلك الخبرات والقدرات والموارد التي تمكنه من إصلاح المؤسستين العسكرية والأمنية، وليس لديه تصور شامل لتلك العملية خاصة فيما يتصل بمسائل عمليات نزع السلاح والتسريح وإعادة الدمج للقوات الموجودة خارج نطاق سيطرته، بعكس ما توحيه تصريحات مسؤوليه.

وأكد أنه "في ظل المعطيات السابقة، مضافاً إليها القيود المفروضة على النظام أمنياً وعسكرياً بحكم التفاهمات العسكرية والأمنية الناشئة عقب عام 2011، أعتقد من الصعب على النظام استعادة استقلالية قراره العسكري في المستقبل المنظور".