كان على أهالي اللاذقية الانتظار أربعين عاماً لتجد المحافظة حلاً لمكب نفاية "البصة" العشوائي، الذي يبعد نحو 15 كيلومتراً عن مركز المحافظة، وهذا المكب كان شاهداً ودليلاً على أشهر قصص فشل الإدارات المتعاقبة في المدينة على مدار عقود في تقديم حلول حقيقية لمشكلة القمامة المزمنة.
لم يشفع للاذقية إطلالتها البحرية وواجهة سوريا الساحلية بأن تحظى بمزيد من الاهتمام، وحيثما وجد الفساد سيحل الخراب.
بعد وعود استمرت لأعوام أعلن المكتب الصحفي في محافظة اللاذقية رسمياً، في 27 كانون الثاني/ديسمبر الماضي، استكمال إجراءات إغلاق مكب "البصة" للنفايات وإطلاق العمل التجريبي في مطمر "قاسية".
وكان المكب يشكل في السابق مشكلة دائمة لآلاف السكان المقيمين حوله، لأنه يقع على أطراف قرية البصة الزراعية، التي أخذ اسمها، وهي قرية قريبة من شاطئ البحر المتوسط، فضلاً عن قربه من المناطق السكنية.
وعلى الرغم من إغلاق مكب "البصة" بشكل رسمي وتحويل النفايات إلى مكب تجريبي، فإن المشكلة لم تحل بشكل فعلي.
وأكدت مصادر خاصة من اللاذقية لموقع "تلفزيون سوريا"، أن آلاف الأطنان من المخلفات الصلبة لا تزال جاثمة في المنطقة، موضحين أنها تحتاج إلى سنوات طويلة للتخلص منها وتنظيف المكان.
الناشط الإعلامي، أحمد اللاذقاني، أكد أن عشرات المكبات العشوائية لا تزال منتشرة داخل المدينة، وسط غياب شبه تام لدور المحافظة التي لم تتحرك لإزالتها.
وقال اللاذقاني، المقيم داخل اللاذقية، إن مكبين عشوائيين لا يزالان في حارة الدن داخل المدينة، الأول عند تجمع المدارس والآخر في الشارع الواصل بين فرن عكاشة وحارة الدن، حيث تتجمع النفايات لأيام طويلة من دون وجود أي حاويات.
وأضاف الناشط، في حي قنينص وسط المدينة يشكو أهالي الحي أيضاً من امتلاء القمامة وتحول أطراف الحي إلى مكب نفايات، واصفاً مشهد أكوام القمامة بقوله إنه "يضاهي أحيانا مكب البصة في كثافة القمامة والروائح الكريهة التي تنتشر وسط أحياء المدينة".
في حين نشرت "شبكة أخبار اللاذقية" المحلية في صفحتها في "فيس بوك" شكاوى العديد من المواطنين في حي مشروع الصليبة بمدينة اللاذقية تفيد بانتشار القمامة في الحي وصولاً إلى المشفى الوطني لأكثر من ثلاثة أشهر من دون أي تحرك من المحافظة، وأرفقت معظم الشكاوى بصور من داخل الحي.
كما تكررت الشكاوى ذاتها من وجود مكب عشوائي في قرية السرسكية بريف اللاذقية من دون أي حلول من قبل المحافظة.
أما في مدينة جبلة جنوبي اللاذقية فيعاني حي الفيض الذي يؤوي عدداً كبيراً من النازحين خلال الأعوام الأخيرة من انتشار عدة مكبات عشوائية بعضها داخل الأحياء السكنية وأخرى على أطراف أراض زراعية.
ويؤكد أبو بسام، أحد سكان حي الفيض بجبلة، في حديثه لموقع "تلفزيون سوريا" أن روائح النفايات واضطرار الأهالي إلى حرقها عشوائيا بسبب تغاضي البلدية عن الشكاوى يسبب الكثير من المصاعب والأمراض للأهالي، لا سيما في كثير من الأحيان تمر أشهر طويلة من دون أن ترسل البلدية تركسات (جرافات) لترحيل النفايات التي ما تلبث أن تتجمع من جديد.
ما أسباب المشكلة؟
حول أسباب انتشار أكوام القمامة في شوارع وأحياء مدينة اللاذقية وريفها بهذه الكثافة، قال الناشط الإعلامي في مدينة جبلة أبو يوسف جبلاوي لموقع "تلفزيون سوريا" إن نقص عمال النظافة في البلديات، والاكتفاء بتوظيف الموجودين بعقود محدودة، وتدني رواتبهم، دفع الكثير من الموظفين لترك العمل في البلديات التي لا توفر بديلاً.
وأضاف جبلاوي أن عوامل أخرى تتعلق بقلة سيارات النظافة التي باتت جولاتها على الأحياء مقتصرة على مرة كل ثلاثة أيام وفي بعض الأحياء المهمشة تصل إلى أسبوع وأكثر ما يؤدي إلى تراكم النفايات بشكل كبير.
ولفت الناشط إلى أن عمل بعض الشبان والأطفال بجمع البلاستيك وبقايا النفايات فاقم من المشكلة أخيرا وباتت بعض الشوارع ممتلئة بالنفايات رغم وجود الحاويات حيث يعمد بعض من هؤلاء العاملين لإفراغ الحاويات بحثا عن مواد يستفيدون منها وسط غياب شبه تام للمحافظة والبلدية.
السلطات تلقي باللوم على الأهالي
من جانب آخر أرجع مدير دائرة النظافة في اللاذقية عمار القصيري في حديث لوسائل إعلام مقربة من النظام مشكلة المكبات العشوائية والنظافة إلى "عدم التزام السكان بمواعيد رمي القمامة"، مبررا أن "سيارات القمامة تقوم بترحيلها في الوقت المناسب".
في غضون ذلك، قال أحد عمال النظافة في مدينة جبلة (فضل عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية) إن تدني الأجور أدى إلى استقالة عشرات العمال من البلدية، موضحاً أن راتبه الشهري لا يتجاوز 50 ألف ليرة (أقل من 15 دولارا) ولمدة ثلاثة أشهر فقط.
وأشار العامل إلى وجود الكثير من المعوقات غير نقص العمال، مثل صعوبة توفير المازوت للآليات للوصول إلى الأحياء، وزيادة عدد السكان مع تراجع الموارد المطلوبة، وعدم صيانة الكثير من الآليات وقلتها، وعدم تعاون الأهالي مع العاملين في كثير من الأحيان.
وكان مدير النظافة في محافظة دمشق، عماد العلي، قال في تصريح لوسائل إعلام موالية للنظام أخيراً إن عدد العمال في محافظة دمشق وصل قبل الحرب إلى نحو 5200 عامل، وانخفض إلى ما يقارب 2820 عاملاً خلال الحرب، وإن متوسط أعمار عمال مديرية النظافة حالياً لا يقل عن 46 عاماً.