انضمت روسيا إلى إيران في إدانة الهجوم الإسرائيلي الذي استهدف في 8 أيلول/ سبتمبر الجاري، مركزاً للبحوث العلمية في ريف حماة وسط سوريا، والذي تتمركز فيها ميليشيا "الحرس الثوري" الإيراني، ويتم فيه تطوير الطائرات المسيرة وصواريخ بالستية.
يبدو من خلال بيان الإدانة الصادر عن وزارة الخارجية الروسية، رفض التصعيد الإسرائيلي، لكن التصريحات لا تعكس دائماً المواقف الحقيقية، خاصة مع عدم اتخاذ القوات الروسية الجوية والبرية المنتشرة على الأراضي السورية أي رد فعل لعرقلة الهجوم، الذي تضمن تطوراً غير مسبوقاً تمثل بإنزال جوي فوق مقر البحوث العلمية، نفّذته قرابة 5 مروحيات إسرائيلية حلّقت على علوٍ منخفض فوق المكان المستهدف.
عودة الحرية للنشاط الإسرائيلي في الأجواء السورية
الإنزال الجوي الإسرائيلي في منطقة مصياف، يُعطي دليلاً دامغاً على عودة الحرية الكاملة للنشاط الإسرائيلي في الأجواء السورية، بعد فترة طويلة من تقييد موسكو للضربات الجوية الإسرائيلية ضد الأهداف الإيرانية، تحديداً منذ أن اندلعت الحرب الأوكرانية التي تسببت بتوتر العلاقات الروسية الإسرائيلية.
انحازت إسرائيل إلى كييف، ودعمتها لوجستياً وأمنياً، كما ساد اعتقاد في الدوائر الأمنية الروسية بأن الدعم المعلوماتي الذي قدّمته "تل أبيب" إلى كييف أسهم في إلحاق بعض الخسائر بالجيش الروسي، لذا تم إغلاق الأجواء السورية في وجه الطائرات الإسرائيلية عبر روسيا، ما دفع إسرائيل إلى شن غارات من أجواء قاعدة التنف التي تسيطر عليها القوات الأميركية في البادية السورية، أو من فوق الأراضي اللبنانية.
كذلك استخدم الجيش الإسرائيلي ضربات من خلال صواريخ أرض-أرض ضد أهداف إيرانية، وتزامن هذا مع إقرار وزارة العدل الروسية لإغلاق "الوكالة اليهودية" في موسكو، بعد أن وصل الخلاف بين الجانبين إلى ذروته.
مع اندلاع الحرب في غزة، آواخر العام 2023، توسّعت الضربات الإسرائيلية مجدداً في سوريا، واستهدفت قيادات من "الحرس الثوري" الإيراني، وبعض العمليات تمت ضمن المربع الأمني للنظام السوري وسط العاصمة دمشق، بالتوازي مع انتشار نقاط للشرطة العسكرية الروسية قرب هضبة الجولان لمنع الهجمات الصاروخية ضد الجيش الإسرائيلي، مما أوحى باستعادة تدريجية لخط التنسيق بين موسكو وتل أبيب في سوريا.
لماذا تكشف روسيا ظهر إيران في سوريا؟
ثمة عدة أسباب تدفع روسيا لتخفيف القيود التي فرضتها سابقاً على العمليات العسكرية ضد أهداف إيرانية في سوريا، حيث وصلت التسهيلات ذروة غير مسبوقة مع الانزال الجوي في مصياف.
أوّل هذه الأسباب محاولة موسكو إقناع "تل أبيب" بمراجعة قرارها المتعلق بتزويد كييف بأنظمة إنذار مبكر ضد الهجمات الصاروخية، حيث أكد مندوب إسرائيل في الأمم المتحدة جلعاد أردان هذا التوجه شهر شباط/ فبراير 2024.
تمتلك إسرائيل ورقة فعالة تجعل روسيا تتوازن بين علاقتها مع إيران والاستجابة لاحتياجات "تل أبيب" الأمنية، ففي حال مضت موسكو قدماً في تقييد نشاط إسرائيل ضد النفوذ الإيراني قد تندفع "تل أبيب" بشكل أكبر لمزيد من دعم كييف، خاصة وأن الأخيرة ما تزال راغبة بالحصول على نظام القبة الحديدة من إسرائيل، وفاوضتها، آواخر العام 2022، بهذا الخصوص.
السبب الثاني لتسهيل الهجمات ضد الأهداف الإيرانية في سوريا مرتبط أيضاً بحسابات روسيا الخاصة بالحرب الأوكرانية، فهي غالباً ترسل رسالة إلى الولايات المتحدة والغرب المستاء من السلوك الإيراني بأنها جاهزة للتعاون فيما يتعلّق بتقليص نفوذ إيران مقابل ثني الغرب عن السماح لأوكرانيا باستخدام الصواريخ الدقيقة الغربية ضد أهداف داخل روسيا، حيث تجري حالياً مفاوضات بين الغرب وكييف لحسم الأمر.
أيضاً، يبدو أن موسكو تستشعر استمرار موجة التصعيد ضد النفوذ الإيراني في المنطقة عموماً ومن ضمنها سوريا، خاصة حال فاز دونالد ترامب المتشدد تجاه طهران في الانتخابات الأميركية، وهذا ما يدفع روسيا إلى تسهيل انفكاك النظام السوري عن إيران وانفتاحه على تلبية مصالح إسرائيل وتركيا والدول العربية.
وبالتالي فإنّ الضربات الإسرائيلية هي العصا الغليظة مقابل الجزرة المتمثلة بعملية التطبيع، التي تلقت دفعة جديدة عبر فتح السفارة السعودية في دمشق، بالتوازي مع عملية مصياف.