icon
التغطية الحية

معهد واشنطن: وفاة "السيدة الثانية" تهز أركان نظام الأسد

2024.07.17 | 16:04 دمشق

لونا الشبل والسيارة التي لقيت حتفها فيها - المصدر: الإنترنت
لونا الشبل والسيارة التي لقيت حتفها فيها - المصدر: الإنترنت
The Washington Institute for The Near East Policy- ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

في الخامس من تموز، أعلنت حكومة النظام السوري وفاة لونا الشبل، مديرة المكتب الإعلامي لبشار الأسد، غير أن السبب الدقيق لوفاتها لم يتضح حتى الآن، إذ أعلنت حكومة النظام بأن سيارتها انحرفت عن الطريق في حادث مروري، في الوقت الذي ألمح فيه آخرون إلى احتمال تعرضها للاغتيال.

غالباً ما يقدم النظام نفسه على أنه حام للأقليات في سوريا، والشبل تنتمي إلى عائلة درزية مرموقة، ولكن تأييدها العلني لقمع الأسد الوحشي قبل أكثر من عقد من الزمان جعلها تصعد صعوداً صاروخياً ضمن المناصب لدى النظام، وقد تعدى ذلك المناصب الإعلامية والشائعات التي تحدثت عن علاقتها بالرئيس نفسه.

ومع وفاة الشبلي في ظروف غامضة، والإعلان عن إصابة السيدة الأولى أسماء الأسد بسرطان الدم في شهر أيار، لتكون تلك معركتها الثانية مع السرطان منذ عام 2018، يرجح كثيرون حدوث تغيرات في الداخل السوري، وقد يكون لتلك التغيرات تبعات على بنية النظام وعلى المساعي العربية المتواصلة للتطبيع مع الأسد.

صعود الشبلي وظهور منافسات لها

ولدت لونا الشبل عام 1975 لعائلة درزية من السويداء، وعملت مذيعة لدى قناة الجزيرة قبل أن تنتقل للعمل لدى "قناة الدنيا"، وهناك لفتت نظر النظام إليها من خلال تغطياتها المغالية بتأييدها للأسد خلال الأيام الأولى للثورة التي انطلقت عام 2011. بعد ذلك، عُينت في المكتب الإعلامي التابع للقصر الجمهوري، وهناك عملت لدى ملكة العلاقات والاتصالات بثينة شعبان التي شغلت هذا المنصب لفترة طويلة من الزمن.

تدرجت الشبل بسرعة في المناصب، وتجاوز منصبها حدود التواصل والعلاقات، إذ في كانون الثاني من عام 2014، ظهرت خلف وزير الخارجية السوري في مؤتمر جنيف الثاني الذي ناقش مستقبل سوريا، وكان من الواضح بأن الأسد سمح لها أن تعمل كموظفة ارتباط مع ضباط الجيش على الأرض وأن تقدم المشورة بخصوص العمليات العسكرية.

تزوجت الشبل في عام 2016 من عمار ساعاتي، وهو عضو في مجلس الشعب وأحد أتباع شقيق الرئيس ماهر الأسد الذي يترأس الفرقة الرابعة في الجيش وهذه الفرقة تعمل في كثير من الأحيان إلى جانب العساكر الإيرانيين ووكلائهم من الميليشيات في سوريا. وهذه الصلة دفعت حكومة الولايات المتحدة لفرض عقوبات على الشبل وزوجها في آب 2020، إذ وصفتهما بأنهما مسؤولان رفيعان لدى النظام لهما يد بالجرائم التي ارتكبت بحق الناس ولهذا شملهما قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا.

في تشرين الثاني من عام 2020، رقيت الشبل على يد الأسد لتصبح مستشارة شخصية له، وخلال سعي النظام السوري للعودة إلى الجامعة العربية بعد عقد من العزلة الدبلوماسية، أصبحت الشبل إحدى أهم مستشاري الرئيس في هذا الشأن، إذ ظهرت خلفه في قمة جدة عام 2023، عندما أعلن عن عودة سوريا للجامعة العربية، كما لعبت دوراً محورياً في حشد مزيد من التطبيع العالمي مع الأسد، فكان من بين ما أثمرت عن جهودها في هذا المضمار زيارة الأسد إلى الصين عام 2023.

يقال إن صعود الشبل خلق لها منافسين وأعداء ضمن البطانة الداخلية للأسد، إذ على مدار سنوات طويلة، عملت زوجة الأسد على إبعادها عن القصر وسط شائعات عن قصة حب جمعتها بزوجها، وما أعقب ذلك من تلميحات تكررت عبر وسائل التواصل الاجتماعي وأخذت تشير للشبل بلقب "السيدة الثانية". كما وقفت مديرتها في القصر، بثينة شعبان، ضد وجودها هي أيضاً، ولعلها رأت فيها منافسة شابة لها، بما أن شعبان بزرت كمترجمة للرئيس حافظ الأسد خلال تسعينيات القرن الماضي.

عبر العمل لصالح البطانة الداخلية للنظام، أصبحت الشبل فرداً من تلك البطانة، فإلى جانب دورها في القصر، افتتحت مطعماً روسياً فخماً يعرف باسم ناش كراي وذلك في وسط مدينة دمشق عام 2022، في خطوة جريئة جعلت كثيرين يتكهنون عن وجود ارتباطات لها مع روسيا، وعموماً، يعتقد كثيرون بأن ثروتها تقدر بملايين الدولارات.

وفاة غامضة ورد فعل النظام عليها

عبر وسائل التواصل الاجتماعي السورية، ومن خلال المحطات الإخبارية المستقلة والأفراد من المواطنين، أخذ الجميع يخمنون سبب وفاة الشبل منذ الإعلان عنه، فذكر بعضهم بأن سيارتها البي إم دبليو قد اصطدمت بسيارة مصفحة دفعتها نحو منتصف الطريق، فيما ذكر آخرون بأن الصور المسربة والوصف الرسمي للضرر الذي لحق بسيارتها يشير إلى محاولة التستر على عملية اغتيال. وقد شكك كثيرون بالتقارير التي أفادت بأنها فارقت الحياة في المشفى بعد خضوعها للعلاج بسبب إصابة في الرأس.

حتى الآن، لم تتكشف أي أدلة تثبت طريقة وفاتها على وجه الدقة، وهذا ما يتماشى مع حالات الوفاة أو الاغتيالات السابقة التي طالت شخصيات مقربة من النظام. وأغلب التأويلات المنطقية حول سبب استهدافها يمكن أن تصنف ضمن فئتين، على الرغم من وجود شكوك وتناقضات كبيرة حول هذين التصنيفين، وهما:

  1. التنافس الإيراني- الروسي في سوريا: قبل ثلاثة أشهر اختفى شقيق الشبل، اللواء ملهم الشبل، بعد تسريبه لمعلومات عن أنشطة عسكرية إيرانية في سوريا، إذ كان هذا اللواء في السابق يعمل كملحق عسكري في دولة حليفة لروسيا ومقربة منها، ألا وهي بيلاروسيا، غير أن دوره هذا بقي يلفه الغموض، وقد أتى اختفاؤه إثر تزايد الهجمات الإسرائيلية التي تستهدف شخصيات رفيعة لدى حزب الله وإيران في مختلف أنحاء البلد، وكان من بينها تلك الغارة التي استهدفت شخصيات رفيعة في الأول من نيسان بالقرب من السفارة الإيرانية بدمشق. وعلى إثرها، لم يعد للواء ملهم أي أثر هو وزوجته.

في تلك الأثناء طورت لونا علاقاتها مع كبار المسؤولين الروس، وحاولت أن تنتقل للعيش هي وأسرتها في سوتشي خلال الأسابيع القليلة الماضية، وكما حدث مع شقيقها، تزعم مصادر بأنها سربت معلومات من اجتماعات الأسد مع شخصيات إيرانية تحورت حول أمور عسكرية. فيما يخمن آخرون بأن قرب زوجها من ماهر الأسد جعله على صلة بمعلومات استخبارية تخص إيران، وهذا ما دفع القصر لفرض عزلة على الزوجين خلال الأشهر الثلاثة الماضية، وطرد الزوج من منصبه لدى جامعة دمشق في حزيران الماضي. وبحسب هذا الرأي، فإن الأسد أو داعميه من الإيرانيين رأوا في الشبل وأسرتها خطراً يهدد المعلومات الاستخبارية وسط تزايد الهجمات الإسرائيلية.

  1. تجاوز لونا للحدود التي رُسمت لها: تعاملت الشبل وساعاتي مع خضر علي طاهر، وهو أحد الشخصيات التي كانت مقربة من أسماء الأسد، لكنها أصبحت مهمشة الآن، وهذا الشخص هو من أسس شركة الاتصالات الخاصة بأسماء: إيماتل. ومن المحتمل تورط الثلاثة بأنشطة تجارية من دون علم بشار وأسماء، شملت حوالات خارجية كبيرة خارج سوريا استخدمت لشراء عقارات في الإمارات وروسيا. وإن صح ذلك، فمن المرجح بأن عائلة الأسد ظنت بأن الشبل قد خدعتهم وخانتهم عبر تجاوز حدودها والسعي لإقامة مشاريع من دون إذن منهم، ولذلك دبروا أمر مقتلها ليكون ذلك تحذيراً من النظام لكل من تسول له نفسه اللعب خارج قواعده، لأنه سيلاقي المصير نفسه. أو لعل الشائعات حول وجود علاقة عاطفية تربط الشبل بالأسد ومعرفتها الدقيقة بكل ما يقوم به جعلتها في موضع مساءلة ولذا وجب التخلص منها.

كما أن رد فعل النظام تجاه موتها يشي بكثير من الأمور، فقد زار الشبل في المشفى مسؤول درزي كبير اسمه منصور عزام والذي يترأس الأمانة العامة في القصر الجمهوري، ثم حضر جنازتها إلى جانب عدد ضئيل من الشخصيات التابعة للنظام، كما لم يوشح نعشها بالعلم السوري بحسب ما جرت عليه العادة عند تشييع أي مسؤول رفيع في الدولة، ولم تقم وسائل الإعلام الرسمية وغير الرسمية التابعة للنظام بتغطية خبر الحادث الذي أودى بحياتها أو خبر تشييعها إلا بالنزر اليسير، كما لم يصدر عن بشار نفسه أي تصريح شخصي حيال موتها، بخلاف ما درج عليه عند رحيل أحد المسؤولين الكبار لديه. ثم إن لونا دُفنت على عجل في دمشق لا في مسقط رأسها السويداء حيث ماتزال المظاهرات تطالب بطرد الأسد منذ آب 2023.

التداعيات

على الرغم من صعوبة فصل الحقيقة عن الخيال داخل نظام الأسد في معظم الأحيان، من المرجح لوفاة الشبل أن تنذر بتغيرات أخرى عند هذا المنعطف الحساس، في الوقت الذي تسعى فيه الدول العربية نحو تطبيع أكبر مع الأسد، بينما تستعد واشنطن لتجديد عقوبات قيصر قبل انتهاء مدتها في كانون الأول المقبل. غير أن وفاتها تذكرنا اليوم بوصول شخصيات غير علوية إلى الدائرة المقربة من النظام العلوي عقب ثورة عام 2011، ومن بين تلك الشخصيات "السيدة الأولى" أسماء الأسد، التي عينها بشار مديرة للأنشطة الاقتصادية لدى نظامه في عام 2019، خلفاً لابن خاله رامي مخلوف، لكنها تخضع حالياً للعلاج في معركتها الثانية مع السرطان.

من المؤكد أن وفاة الشبل لن تثير بحد ذاتها أي توتر طائفي، فقد دُفنت في دمشق بسبب المظاهرات المشتعلة في مسقط رأسها السويداء، تلك المحافظة التي تعتبرها حجر شطرنج بيد الأسد. بيد أن مواصلة نهج استبعاد الشخصيات غير العلوية يمكن أن يزيد من التوزع الطائفي داخل النظام حتى يعود إلى النسب التي كانت موجودة قبل الثورة، مما قد يؤجج اضطرابات أوسع مستقبلاً.

قد يكون موت الشبل أشبه بطلقة تحذيرية أطلقتها عناصر رفيعة لدى النظام أو داعميه الإيرانيين، أو كليهما سوية، وذلك عقب تزايد الغارات الإسرائيلية في مطلع هذا العام، أو لعل الشبل اطلعت على معلومات أكثر من اللازم عن الرئيس ودائرته المقربة، ولهذا كان لابد من تصفيتها لذلك السبب من بين أسباب أخرى. وعلى أية حال فإن الغرض من عمليات الاغتيال هذه هو ضمان استتباب الأمن على المستوى الداخلي، في الوقت الذي بدأت دول عربية وتركيا بل حتى أوروبا بالعودة للتعامل مع النظام بشأن سلسلة طويلة من القضايا، وفي هذه الأثناء ماتزال واشنطن تفكر بسحب قواتها من شمال شرقي سوريا.  

 

 المصدر: The Washington Institute for The Near East Policy