البث المباشر
خلّف الزلزال المدمّر الذي ضرب سوريا وتركيا، في السادس من شهر شباط الجاري، دماراً هائلاً في المباني السكنية والمرافق العامة في شمال غربي سوريا، وكانت بلدة جنديرس في ريف عفرين شمال غربي حلب، الأكثر تضرّراً.
وأدّى الزلزال إلى تضرّر مئات العائلات من السكّان الأصليين والوافدين من محافظات سوريّة عدّة، نتيجة حملات النزوح والتهجير التي تسبب بها نظام الأسد، خلال العقد الماضي.
طلال غزال - من أهالي مدينة عفرين - يسكن مع عائلته في شقة ضمن الأبنية السكنية الطابقية بحي شارع الفيلات، استطاع النجاة وعائلته بعد دمار كامل طال المنزل من جرّاء الزلزال، موضحاً في حديثٍ لـ موقع تلفزيون سوريا: "نجونا بأعجوبة من الزلزال المدمر، كون معظم جدران المنزل دمرت وبقيت بعض الأعمدة صامدة، ما ساهم في نجاتنا في اللحظات الأولى من الكارثة، نشكر الله أننا نجونا وإلا قضينا تحت أنقاض المنزل".
وأضاف "غزال" أنّه "انتقل للعيش عند والدته التي تقيم في منزل أرضي بأحياء عفرين القديمة، بعدما خسر منزله الذي أفنى حياته لشرائه"، مردفاً: "رغم مرور أيام على الكارثة، فإن الاستجابة كانت ضعيفة من قبل المجلس المحلي، المنزل متضرر وبقينا من دون مأوى ونحتاج إلى إعادة بنائه مجدّداً، والظروف المادية لا تسمح له بذلك".
جنديرس.. الأكثر تضرراً في الشمال السوري
تصدّرت جنديرس شمال غربي حلب والتي كان يقطنها - قبل وقوع الزلزال - نحو 115 ألف نسمة، قائمة المدن الأكثر تضرراً من الزلزال الذي حولها إلى مدينة منكوبة خلال لحظات، وبلغ عدد الأبنية السكنية المدمّرة فيها بالكامل نحو 278، ما تسبّب بوفاة 1100 شخص، وإصابة المئات من السكّان بينهم نازحون ومهجرون، فضلاً عن تضرّر نحو 1110 بناء سكني طابقي وأرضي.
رئيس المجلس المحلي في جنديرس محمود حفار قال لـ موقع تلفزيون سوريا: إنّ "الأضرار بصورة عامة تشمل المباني الحديثة والقديمة، لكن بطبيعة الحال الأبنية الطابقية سواء القديمة أو الحديثة كانت أكثر تضرّراً، بينما الأبنية الأرضية (من طابق أو طابقين) لم تتعرض للدمار الكامل، وإنما لتصدّعات في البنية".
دمار في شمال غربي سوريا
الأحدث
وأضاف أنّ جنديرس مدينة منكوبة نتيجة الدمار وأعداد الضحايا، ونزوح العائلات إلى العراء، حيث أقيم نحو 47 مخيماً عقب الكارثة، وتمت الاستجابة لـ3000 عائلة قُدّمت لها المساعدات، مع وجود 1050 ما تزال بحاجة للمساعدات".
وأشار إلى أن "محلي جنديرس" شكّل لجنة الأمن والسلامة المكوّنة من فرق هندسية للكشف عن الأبنية السكنية المتضرّرة من جراء الزلزال، بغية تحديد المنازل الصالحة للسكن وغير الصالحة، وتنبيه الأهالي من مخاطر العودة إليها.
من جهته أعلن المجلس المحلي في عفرين عن إحصائية للأضرار الناجمة عن الزلزال، حيث بلغ عدد الأبنية السكنية المدمرة بشكل كامل أربعة، بينما تضرّر 120 بناء وبات غير صالح للسكن، ويحتاج إلى إعادة البناء.
كذلك تضرّر بشكل جزئي 1950 بناءً، بينها منازل أرضية وأبنية طابقية، إذ يبلغ عدد الأبنية السكنية الطابقية في منطقة عفرين 3200 مبنى، بينما المنازل الأرضية 7 آلاف، ويقطن فيها نحو 200 ألف نسمة من سكانها الأصليين والنازحين والمهجرين.
صوران اعزاز تضرر مضاعف
خلّف الزلزال في بلدة صوران شمالي حلب، نحو 80 بناء مدمّراً بالكامل، و110 غير قابل للسكن، ونحو 200 منزل متضرر بشكل جزئي، كما دمر خزاناً للمياه، و2 آخرين باتا غير صالحين للاستخدام نتيجة تعرضهما للتصدعات، فضلاً عن دمار مسجد وتضرّر نحو ثلاثة، بينما بلغ عدد الخسائر البشرية 33 شخصاً و60 إصابة، بحسب "وحدة دعم الاستقرار" في المنطقة.
أمّا في مدينة اعزاز، فقد أصدر المجلس المحلي إحصائية للبنية التحتية بالتعاون مع "نقابة المهندسين - فرع حلب" للكشف عن الأضرار والتصدّعات التي خلفها الزلزال في الأبنية السكنية والمؤسسات العامة، حيث تدمر نحو أربعة منازل بشكل كامل، وتضرّر وتصدع مئات الأبنية، ما تسبّب بوفاة نحو 13 شخصاً، وإصابة 150 آخرين، في حين تضرّر 40 مبنى من المرافق العامة بشكل خفيف، و29 مبنى من ضرر متوسط و3 بضرر شديد، ويشار إلى أن عدد المنازل الكلي في مدينة اعزاز 18 ألفاً و500، بينما يبلغ عدد السكان 200 ألف.
المهندس ياسر عبيد - مدير المكتب الفني في "محلي اعزاز" - قال لـ موقع تلفزيون سوريا، إنّه "تم تقييم الأضرار ضمن المرحلة الأولى للاستجابة الطارئة وقابلة للزيادة، ولجان السلامة تعمل ضمن المرحلة الثانية لتقييم الأضرار بالتعاون مع نقابة المهندسين".
وأضاف أنّه "خلال المرحلة الأولى تبيّن أن هناك نسبة كبيرة من البيوت الأرضية والأبنية الطابقية تحتاج إلى إخلاء مباشر حتى يتم التدعيم، بإشراف مهندسين، فضلاً عن تصدعات متوسطة في الأبنية".
في مدينة مارع وضواحيها، تدمّر منزل واحد فقط، بينما بلغ عدد المنازل غير القابلة للسكن نحو 38 والمتضررة جزئياً 763 والمرافق العامة 9، وتوفي اثنان وجرح ثمانية آخرون، أما في مدينة الباب وبلدتي بزاعة وقباسين شرقي حلب، فقد بلغت الخسائر والأضرار، 243 مبنى غير قابل للسكن، و1150 مبنى بضرر جزئي و22 مرافق عامة متضررة، في حين بلغ عدد الضحايا: وفاة 8 أشخاص وإصابة 30، بحسب إحصائية "وحدة دعم الاستقرار".
وكانت "وحدة دعم الاستقرار" العاملة في شمالي سوريا أصدرت إحصائية، في 13 شباط الجاري، بالاعتماد على عمل الفرق الميدانية وتقارير نقابة المهندسين السوريين الأحرار، والدفاع المدني السوري والمجالس المحلية التي وثّقت الأضرار عبر مراجعات الأهالي لمكاتبها والكشف عليها، بحسب ما أوضح نائب المدير التنفيذي للوحدة محمد كنجو.
وقال "كنجو" خلال حديثه لـ موقع تلفزيون سوريا: إن "الإحصائية تهدف إلى إعداد بيانات موحدة للمنطقة وتصديرها إلى الجهات المهتمة بالتدخل ضمن الاستجابة الطارئة والبعيدة لمساعدة المتضررين".
وأضاف: "من الضروري تشكيل غرفة استجابة موحدة لجميع المناطق تضم ممثلين عن السلطات المحلية والنقابات الاختصاصية ومنظمات المجتمع المدني، بغية توحيد الجهود بما تقتضي الحاجة".
نقابة المهندسين تباشر المرحلة الثانية
الأضرار الهائلة من دمار مئات المباني وتشريد آلاف العائلات، التي خلّفها الزلزال المدمّر، دفع المجالس المحلية بالتعاون مع "نقابة المهندسين فرع حلب" إلى تشكيل لجان هندسية مختصة للأمن والسلامة بهدف الكشف عن المنازل المتضررة.
مسؤول مكتب التواصل في "نقابة المهندسين فرع حلب" علي حلاق قال لـ موقع تلفزيون سوريا: إنّ "لجان السلامة عملت خلال الفترة الأولى من الكارثة ضمن خطة الاستجابة الطارئة للحالات الحرجة بهدف تحديد الضرر الذي خلفه الزلزال، حيث أطلقت الخميس (16 شباط)، مرحلة المسح وتقييم الأضرار الناجمة عن الزلزال والتي ستنطلق من مدينة اعزاز".
ومن المفترض أن تعمل اللجان على مسح وكشف وتقييم المباني المتضررة من جراء الزلزال، بدءاً من اعزاز وريفها، وصولاً إلى المدن المجاورة ضمن خطة عمل تعمل وفقها نقابة المهندسين السوريين، في حين يتم تقييم الأضرار وفق أربعة تصنيفات:
- سليم: لا توجد فيه أي مظاهر خطورة، توجد بعض الشقوق الشعرية البسيطة في العناصر غير الإنشائية (قابل للسكن).
- ضرر بسيط: توجد شقوق متعددة في العناصر غير الإنشائية وبعض المؤشرات البسيطة غير الخطرة في العناصر الإنشائية (قابل للسكن مع ضرورة الإصلاح).
- ضرر متوسط: توجد مؤشرات متعددة في العناصر الإنشائية، وتصدعات خطرة في العناصر غير الإنشائية (الإخلاء المؤقت لحين الإصلاح).
- ضرر شديد: توجد مؤشرات على بداية حدوث انهيار، يشكّل خطراً على سلامة شاغليه والجوار (إخلاء قسري وإحالة إلى لجنة السلامة العامة).
ويشار إلى أنّ الدمار طال بشكل أكبر، الأبنية السكنية الطابقية التي بُنيت، خلال السنوات القليلة الماضية أو القديمة، وذلك بسبب ارتفاعها وسوء التنفيذ من قبل بعض المتعهدين والمقاولين، في ظل غياب المسائلة والمتابعة القانونية، وذلك بغية التخفيف من أسعارها، لا سيما أن العائلات المهجّرة في الشمال السوري تبحث عن المنازل الأقل كلفة مالية.
وهذا لا ينفي وجود منازل أرضية قديمة مدمّرة، بنُيت بشكل تدريجي من قبل أصحابها، أو مضى عليها سنوات منذ بنائها، ما تسبّب في مشكلات ببنيتها السليمة، كونها لا تحتوي على أعمدة، وغير مترابطة، أصبحت عرضة للدمار وتشكّل خطراً على أصحابها، بحسب ما أوضح المهندس ياسر عبيد.
وتعد المنازل العربية الريفية، غير مؤهلة للزلازل، كون معظمها بُنيت بإشراف أصحابها ومن دون استشارة المهندسين، وتكون ضمن مراحل متعددة تحكمها الظروف الاقتصادية التي تتمتع بها العائلة، بينما الأبنية السكنية الطابقية التي بُنيت أخيراً تزامناً مع الاكتظاظ السكاني، فإن بعضها غير مدعم بالشكل الصحيح ومعظمها غير مهيأ للزلازل.
