إذا كانت مصر القديمة شغفاً فرنسياً، فإن الحماس حول هذه الفترة وبقاياها ليس جديداً ويمكن أن يستمر تفسيره بالدور الذي لعبه العلماء الفرنسيون في اكتشاف كنوزها، مثل أوغست مارييت. إلا أن جان فرانسوا شامبليون يعدّ الاسم الأبرز في علم المصريات، بوصفه كاشف سر الكتابة الهيروغليفية لحضارة مصر، إحدى أقدم وأميز الحضارات في تاريخ البشرية.
وأمس الأربعاء، انطلق معرض "شامبليون طريق الهيروغليفية" في متحف "اللوفر- لِنس" شمالي فرنسا، بهدف استعادة "المغامرة الإنسانية والفكرية الرائعة" للعالم الفرنسي شامبليون في فك لغز رموز الكتابة الهيروغليفية في مصر، قبل 200 عام بالضبط (27 أيلول 1822).
ولأكثر من 1500 سنة، كانت رموز الكتابة الهيروغليفية مهملة إلى أن تمكن شامبليون من الكشف عن ثلاثة آلاف سنة من حضارة مصرية محاطة بهالة كبيرة في الغرب، استناداً إلى "حجر رشيد" الذي اكتشف خلال حملة نابليون بونابرت على مصر.
يضمّ المعرض أكثر من 350 عملًا، ما يسمح بالغوص في آن واحد بالعصور المصرية القديمة، وبحقبة شامبليون الذي ولد في ما يطلق عليه "عصر الأنوار" عام 1790، في خضم الثورة الفرنسية، كفرد لعائلة مثقّفة ومتوسطة الحال.
ونقلت وكالة "فرانس برس" عن مديرة متحف "اللوفر-لنس" ماري لافاندييه قولها: "إنه معرض تاريخ، تاريخ المتاحف، وتاريخ العلوم، وهو قصة سيرة أيضاً" يلقي الضوء على "هذا الحيز المهم من تاريخ البشرية" الذي تضمّه الحروف الهيروغليفية.
وأردفت: "تشكّل مصر القديمة أحد أسس ذاكرة البشرية"، وتستمر في إثارة الحلم "من خلال الجمال وغنى الأساطير، فضلًا عن الأشياء المحفوظة بشكل رائع".
المعروضات الأثرية المصرية
ومن القطع الرئيسة التي ضمها المعرض، المنحوتة الشهيرة لـ "الكاتب الجالس" الذي يراقب العالم بنظراته الثاقبة والتي يعود تاريخها إلى نحو عام 2500 قبل الميلاد. كما عُرض أيضاً غطاء ناووس من القرن الرابع قبل الميلاد، خُطّ عليه نص طويل بالأحرف الهيروغليفية وورقة بردي، لم يسبق أن عُرضت سابقاً، مدوّن عليها صلاة للإله "آمون-رع".
إلا أن حجر الرشيد الذي اكتُشف خلال حملة بونابرت ونقله الإنكليز لاحقاً، ما يزال في المتحف البريطاني في لندن، حيث سيُقام اعتباراً من الـ13 من تشرين الأول المقبل، معرض لفك رموز الكتابة الهيروغليفية الذي كان موضع سباق بين علماء تلك الحقبة.
وليتمكن شامبليون من العمل على فك رموز الكتابة الهيروغليفية، تمكّن من نسخ حجر رشيد، الذي يضمّ ثلاث كتابات هي الهيروغليفية، واليونانية، والديموطيقية. وتضمّن المعرض الفرنسي نسخاً عن الحجر تعود إلى تلك الفترة.
رحلة اللغة
ويتناول المعرض رحلة شامبليون الذي تعمّق في دراسة اللغة القبطية، في فكّ لغز الكتابة الهيروغليفية التي توقف استخدامها نحو القرن الرابع بعد الميلاد. حيث أدرك شامبليون أن هذه الكتابة تمزج بين الرسوم الفكرية والرسوم الصوتية، فكان أول من اقترح مرادفاً لفظياً صحيحاً لها.
وتقول إيلين بويون، أحد مفوضي المعرض، إن هذا الاكتشاف "أعاد للمصريين صوتهم الذي كانت لدينا صورة مشوّهة عنه عبر المصادر اليونانية والرومانية". وأضافت: "نشر المؤرخ اليوناني هيرودوتس فكرة أن المصريين كانوا يفضّلون الموت على الحياة، إلا أن النصوص تُظهر لنا أنهم كانوا يكرهون الموت ويخشونه".
وتعطي مخطوطات ورسائل وملابس، من بينها معطف مصري ارتاده شامبليون خلال مهمته على امتداد النيل بين عامي 1828 و1830، فكرة عن عالم المصريين خلال عمله.
كان شامبليون لغوياً باهراً، توفي في سن مبكرة عام 1832، إلا أنه حرص على تبسيط عمله ليكون متاحاً لأكبر عدد من الناس. وفي اللوفر، حيث كلفه الملك شارل الخامس بمهمة وضع تصور لمتحف مصري، "أقام شامبليون للمرة الأولى قاعات مخصصة لمواضيع معينة مثل الديانة والحياة واليومية وغيرها"، وفقاً لبويون.
يشار إلى أن المعرض سيستمر حتى الـ16 من كانون الثاني 2023.