شكلت الأنشطة التعليمية المختلفة التي افتتحت بريف حلب الشمالي سواءً التعليمية المعتادة أو المهنية أهمية بالغة لدى العديد من الشبان والشابات، الذين بدؤوا يخضعون لتدريبات نظرية وعملية تخولهم بعد الانتهاء منها للدخول في سوق العمل، بعدما بدا الوضع الأمني يميل إلى الاستقرار، لا سيما أن المنطقة عاشت في غياب تام عن النشاطات التعليمية.
ومع بداية سيطرة فصائل المعارضة السورية المدعومة من تركيا على ريف حلب الشمالي، ضمن عملية درع الفرات، عملت مديرية التربية التركية ضمن الولايات الجنوبية التي تشرف على إدارة المجالس المحلية بريف حلب الشمالي على إنشاء مؤسسات تعليمية وخدمية متنوعة تساهم في إدارة المنطقة، وتوفير بيئة تعليمية جيدة لسكانها، كما تساهم في التخلص من البطالة، والحد من تفاقمها.
ومن بين تلك المؤسسات التعليمية التي برز نشاطها المحلي مراكز التعليم الشعبي، التي تختص بتعليم المهن والحرف اليدوية للرجال والنساء، لعلهم يستطيعون دخول سوق العمل في حال توفرت الفرصة، أو مساعدتهم في افتتاح مشاريعهم الخاصة التي تساهم في إعانتهم على تحمل صعوبات الحياة المعيشية، والاعتماد على أنفسهم ليكونوا منتجين لا مستهلكين في المجتمع.
ما المهن والمواد التعليمية التي تدرّسها مراكز التعليم الشعبي؟
يمتاز التعليم الشعبي بريف حلب الشمالي بتقديمه دورات تعليمية مجانية ومهنية، تساهم في رفع قدرات الشباب السوري الناشئ الذي لم يستطع إكمال تعليمه، بسبب توقف المدارس والمراكز التعليمية لفترات طويلة خلال العقد المنصرم، ولم يحصل على مهنة تعينه على العمل خلال حياته، كما تسعى مراكز التعليم الشعبي إلى تنفيذ أنشطة تعليمية ومهنية متنوعة للنساء اللواتي يرغبن في مساعدة أسرهن وتدبير أمورهن المعيشية دون انتظار مساعدة الناس لهن.
يقول مدير مركز التعليم الشعبي في مدينة مارع عاصم الصالح، خلال حديثه لموقع تلفزيون سوريا: "إن مركز التعليم الشعبي يستهدف النساء والرجال ما بعد الثامنة عشرة، إذ يحق للجميع الحصول على التعليم خارج سور المدرسة.. كما يقدم المركز دوراته التعليمية النظرية داخل المركز، والعملية في الورشات المخصصة للمهنة أو الحرفة".
ويضيف: "مركز التعليم الشعبي في المدينة يقدم منذ افتتاحه عام 2018 حتى الآن دورات مهنية وتعليمية متنوعة، في سبيل توسعة نشاطاته التعليمية، كما يحافظ على استقطاب الكفاءات والخبرات العلمية لإيصال جودة تعليمية للمتدربين".
ومن أبرز الدورات التعليمية التي تختص بمادة تعليمية، هي اللغة التركية، وفقاً للمستويات التي يعلن عنها تباعاً، ومحو الأمية وقيادة الحاسوب، وأبرز البرامج المكتبية التي يكثر استخدامها، ودورة الـ YÖS.
وأما من ناحية التعليم المهني أو الحرفي فإن العديد من الورشات والتدريبات افتتحت خلال الفترة السابقة، وما زالت قائمة حتى الآن، منها: دورة الخياطة والكوافيرة، والألبان والأجبان، والحلويات والمعجنات، والكهرباء المنزلية وكهرباء السيارات والطاقة الشمسية ونجارة الموبيليا وغيرها من المهن الحرفية التي تمكن المتدربين من الدخول إلى سوق العمل في حال سمحت لهم الفرصة، ضمن برنامج سنوي تعمل إدارة مراكز التعليم على تنفيذه بما يحتاجه سوق العمل لرفده بكوادر جيدة من الأيدي العاملة.
أكثر من 2500 متدرب ومتدربة من 2018 ودعم للمتفوقين
وبحسب الصالح فإن عدد المتدربين في المركز في جميع الأنشطة التعليمية منذ افتتاحه إلى الآن يزيد على 2500 متدرب ومتدربة، وأشار إلى أن "العديد من الدورات المهنية تدعمها منظمات يحصل المتخرج من الدورة على تمكين ودعم مادي في المعدات يمكنه من افتتاح مشروعه الخاص، ومزاولة عمله بكل أريحية، مع شهادة مصدقة من مديرية التربية والمجلس المحلي للمدينة".
وقال مدير مركز التعليم الشعبي في مدينة اعزاز محمد نحل، لموقع تلفزيون سوريا إن مراكز التعليم الشعبي تسعى إلى أن تقدم دورات محو الأمية واللغة التركية والتعليم المهني والحرفي الذي سيؤمن للمتخرجين إمكانية الحصول على فرصة عمل أو مزاولة مهنة معينة تعينه على تأمين دخل لأسرته.
وأضاف: "من أبرز الدورات التي افتتحها المركز الحلاقة الرجالية والكوافيرة، والخياطة النسائية وصيانة الموبايل ودورة الحاسوب واللغة التركية، ونجارة الموبيليا، وحياكة الصوف، ونجارة الألمنيوم، وتمديد الكهرباء والصحية، ولف المحركات، وتركيب الطاقة الشمسية، وصناعة الحلويات والمعجنات".
وأوضح: أن التعليم الشعبي يزود المجتمع بخبرات مهنية حيث يعمل على توظيف الأيدي العاملة بمكانها المناسب وجعلها منتجة لا مستهلكة في المجتمع من خلال العمل أو توفير مهنة لها مردود معيشي يعين الأسرة".
وأشار إلى أن المركز يعمل بالاشتراك مع "قطر الخيرية" و"مجموعة انصر" على دعم الدورات وإعطاء معدات للمتفوقين الثلاثة من كل دورة وتمكينهم لفتح مشاريعهم الخاصة، ووصل عدد المتدربين في المركز إلى أكثر من 3000 شخص منذ انطلاقته.
فرصة عمل تعين أسرة
أم فيصل تعمل في الخياطة من داخل منزلها في مدينة مارع بريف حلب الشمالي تساعد زوجها على تأمين حاجيات أسرتهم، تقول السيدة خلال حديثها لموقع تلفزيون سوريا إن لديها خبرة في الخياطة إلا أنها لم تستطع مزاولة هذه المهنة لأن خبرتها بسيطة ومحدودة، مما اضطرها للعمل في بيع القماش فقط، لكن مع افتتاح دورة الخياطة في مركز التعليم الشعبي التحقت بالمركز للتدرب على الخياطة".
وتضيف السيدة: "بدأت العمل على مشروع الخياطة بعد شراء المعدات اللازمة لها، وأستطيع تفصيل جميع أنواع الألبسة بحسب طلبات الزبائن الذين باتوا على دراية تامة بموقع منزلي الذي أعمل به، وهو لا يخلو يومياً من الزبائن، الذين أعمل على تقديم خدماتي لهم بشكل جيد".
وتشير أم فيصل إلى أن عمل الخياطات زاد خلال الفترة الراهنة لأن تفصيل الثياب يوفر على الأهالي الشراء وغالبية الأسر تقوم بإعادة تفصيل الثياب الصغيرة أو القديمة لأبنائهم لأنهم بحاجة إليها ولا يستطيعون شراء الجديد، ولذلك زاد الطلب عليها.
وشكل ارتفاع أسعار الثياب الجاهزة عائقاً أمام الأسر التي لا يتوفر لديها دخل مادي جيد، مما يضطرها لتفصيل الثياب أو إعادة تفصيل الثياب القديمة في محاولة منهم لتوفير بعض المال وسد الحاجة للثياب، مما وفر للعديد من الخياطات فرصة عمل يعيشن منها.
تدريب مهني.. ودعم مشاريع صغيرة
يحاول هيثم نعسان تدريجياً الانخراط في سوق العمل بعد تعرضه لإصابة بالغة في قدميه نتيجة انفجار لغم أرضي محيط مدينة مارع بريف حلب الشمالي في أثناء حصار المدينة من قبل تنظيم الدولة، فافتتح قبل عدة أعوام مركزاً لطباعة الكتب والصور، من أجل تأمين قوت يوم أسرته فهو مصاب، ولا يستطيع أن يزاول أية مهنة أخرى.
يقول هيثم خلال حديثه لموقع تلفزيون سوريا إنه افتتح مركز الطباعة بإمكانيات بسيطة جداً وبمساعدة أحد الأصدقاء، ومع إعلان مركز التعليم الشعبي عن افتتاح دورات لقيادة الحاسوب والأنشطة المكتبية، انضم لهذه الدورة التعليمية.
وأضاف: "استمرت الدورة لأكثر من شهر على التوالي تعلمت فيها العديد من الجوانب الخاصة بعملي وطرق التصميم والطباعة مما أسهم في نجاح عملي، وحصلت على منحة مادية مقدمة من منظمة محلية تدعم مشاريع صغيرة سواءً من خلال شراء المعدات اللازمة أو مبلغ مالي، حيث قدم لي طابعة ومولدة كهربائية وبعض الأمور اللوجستية الخاصة بالعمل".
وتابع: "في الوقت الحالي أزاول مهنتي المكتبية بشكل يومي وتوفر لي معيشة جيدة تمكنني من إعالة أسرتي على الرغم من إصابتي التي تعرضت لها والتي بإمكانها أن تعطلني عن العمل، لكن الأمل والصبر كانا نقطتين مفصليتين في حياتي للتغلب على مأساة الحاجة، وإنهاء شبح الفقر".
واستطاعت مؤسسات التعليم الشعبي استقطاب العديد من الشبان، حيث تركز نشاطها على رفدهم بسوق العمل، ومتابعتهم حتى انطلاقة المشاريع، على الرغم من صعوبة تأمين فرصة عمل في ظل الوضع الراهن، لكنه فتح آفاقاً جديدة لدى الشبان الذين انقطعوا عن تعليمهم ولم يستطيعوا الحصول على وظيفة في المؤسسات الرسمية، ومكّنهم من دخول سوق العمل في حال توفر وفتح أبوابه طلباً للعمال.