تعاني مدينة حلب أوضاعاً في غاية الصعوبة على كافة المستويات، رغم سيطرة النظام السوري عليها قبل 6 سنوات ورسم أعلامه على واجهات المحال التجارية إيذاناً بمرحلة جديدة، وعد خلالها مسؤولو النظام أهالي مدينة حلب بإصلاحات شاملة وبدؤوا بالترويج لفكرتهم التي يروجونها على نطاق أوسع في كافة أنحاء سوريا، بأن "الحياة عادت إلى طبيعتها مع سيطرة النظام على المنطقة".
المشاهد الواردة من حلب بين الحين والآخر تعكس تلك الأوضاع المزرية، ومنها ما وقع حديثاً حين انهار مبنى سكني في حي الشيخ مقصود وراح ضحية هذا الحادث نحو 10 قتلى وعدد من الجرحى، ذكرت وكالة أنباء النظام "سانا" أن سبب الانهيار يعود لتسرب المياه إلى أساسات المبنى.
نالت أحياء حلب إهمالاً خدمياً من جانب مؤسسات النظام بعد سيطرته عليها، لدرجة شعر السكان بأنه إهمال متقصد لمدينتهم
انهيار المباني بشكل متكرر تحول إلى ظاهرة، خاصة في الأحياء الشرقية من المدينة والتي كانت مسرحاً للعمليات العسكرية بين النظام وفصائل المعارضة ما بين عامي 2012 و2016، ونالت تلك الأحياء الكثير من القصف خاصة عبر البراميل المتفجرة التي ألقتها طائرات النظام، ثم نالت أحياء حلب إهمالاً خدمياً من جانب مؤسسات النظام بعد سيطرته عليها، لدرجة شعر السكان بأنه إهمال متقصد لمدينتهم.
صحيفة "الجماهير" الموالية، والمتخصصة بأخبار محافظة حلب، تحدثت عن انتشار الدراجات الهوائية وعربات الجر والبسطات المتحركة لدرجة أنها باتت تعيق حركة المرور، تقول الصحيفة وتضيف، إن آثار الازدحام التي تتركها هذه الأنشطة التجارية الصغيرة تؤدي إلى حوادث عديدة. كما تحدثت ذات الصحيفة عن أزمة الكهرباء المتفاقمة بالمدينة، فتصف الوضع الاقتصادي بأن كلفة تغيير بطارية الكهرباء تصل إلى 350 ألف ليرة، وتناول صحن الحمص مع فلافل تكفي أجرة عمل لثلاثة أيام.
ولعل من المشاهد الدالة على تدهور الأوضاع في حلب - إذ تشترك في هذا الجانب مع كافة مناطق سيطرة النظام - أزمة المحروقات المتفاقمة داخل المدينة، ما دفع ببعض الأهالي لامتطاء الخيول والسير بها في الشوارع، مع غلاء المحروقات وأسعار النقل، وتراجع القدرة التشغيلية لقطاع المواصلات إلى الحد الأدنى في بعض المناطق داخل المدينة.
إذا كانت مدينة حلب عصب الصناعة والاقتصاد والنشاط التجاري في سوريا يضطر أهلها لركوب الخيول لتجنب مصروف المواصلات، فبماذا يمكن وصف أوضاع باقي المحافظات التي تشهد الحال ذاته؟
وبمناسبة الحديث عن حلب، يجدر الإشارة إلى التحذيرات المتتالية التي يطلقها رئيس غرفة صناعة حلب التابع للنظام "فارس الشهابي" في كل مناسبة حول المدينة الصناعية، حيث يتحدث عن ضعف الإنتاج وغياب الدعم والتسهيلات من جانب حكومة النظام.
الشهابي ذكر في منشور سابق له أن التصدير إلى المريخ أسهل من التصدير لحلفاء النظام، وأن تلك الدول الداعمة للنظام لم تفتح أسواقها أمام منتجات النظام لأسباب "غير منطقية نجهلها" على حد قوله.
وتحدث الشهابي في منشور آخر له عن "مسامحة الخونة والإرهابيين" مقابل حرب يشنها النظام على منتقدي الوضع الاقتصادي، داعياً في الوقت ذاته إلى "مصالحة حقيقية بين الحكومة وقطاع الأعمال" للنهوض بالاقتصاد.
تعكس الأوضاع المتدهورة في حلب خلال 6 سنوات من انتهاء العمليات القتالية فيها، خيبة أمل لمن ظن أن النظام يعتزم النهوض بواقع السوريين
واقع الحال في مدينة حلب دفع السكان في الداخل بلا شك للتفكير في الهجرة، وحركة الهجرة ما زالت قائمة عبر المنافذ وحدود السيطرة مع مناطق سيطرة المعارضة ومنها إلى تركيا، كما دفع مهجري حلب وبعض النخب للتفكير في حل غير تقليدي لأزمات المنطقة، عبر استعادتها من قبضة النظام وتحويلها لمشروع سياسي يصب في إطار المشروع التركي بإعادة اللاجئين السوريين، ويجعل من مدينة حلب حاضنة أمنية واقتصادية خارج مناطق سيطرة النظام، وفق الرؤية التي طرحها الكاتب "محمد المختار الشنقيطي" في مقال له مؤخراً، وأخذها عنه الأكاديمي والكاتب التركي "ياسين أقطاي"، وبدأ بالترويج لها في الرأي العام ودوائر السياسة داخل تركيا.
تعكس الأوضاع المتدهورة في حلب خلال 6 سنوات من انتهاء العمليات القتالية فيها، خيبة أمل لمن ظن أن النظام يعتزم النهوض بواقع السوريين، فها هي المدينة الصناعية الأكبر في سوريا ليست فقط متوقفة، بل إن تجارها يحاولون الحفاظ على كونهم طبقة عليا في المجتمع دون النزول للطبقة المتوسطة، كما أن الأخيرة تمشي بسرعة نحو الطبقة الأدنى اقتصادياً، وهكذا يُسحق الاقتصاد أمام ناظري حكومة النظام التي تكتفي بإصدار الشعارات وطرح الأمنيات، دون أن تعمل في "خططها الخمسية" على إيجاد حلول مرضية للأهالي، أو في أقل الأحوال توقف التدهور المستمر والأزمة الخانقة في عاصمة الاقتصاد السوري.