تخيل أن دولة غنية بالثروات مثل سوريا، بات المواطن فيها يعاني الأمرين للحصول على رغيف الخبز، ويعود ذلك لجملة من الأحداث المرتبطة بفواعل محلية وخارجية، بالإضافة لسياسات حكومة نظام الأسد والفساد المنتشر في مؤسسات النظام.
المنطقة الشرقية من سوريا، والغنية بحقول القمح والنفط باتت خارجة في معظمها عن سيطرة نظام الأسد، ما شكّل تحدياً أمام حكومة النظام، استغلته الأخيرة لتصنع شعاراً تُعلّق عليه كل أزماتها الاقتصادية، وترفع به المسؤولية عن تدهور الوضع في مناطق سيطرتها.
إلا أن الحرب الروسية في أوكرانيا زادت المخاوف من تدهور الوضع المعيشي في سوريا، باعتبار أن أوكرانيا تُوصف بأنها "مخزن حبوب أوروبا"، وإنتاج روسيا وأوكرانيا من القمح يشكّل نحو 14 في المئة من الإنتاج العالمي، وصادراتهما ثلث الصادرات العالمية. كما أن أوكرانيا تعد من أكبر المصدرين للذرة في العالم، وبالتالي ستتأثر جميع دول العالم بالأزمة الناجمة عن الحرب الحالية، ومن ضمنها سوريا التي تتهاوى أمام أي أزمة عالمية، وتتذيل كثيرا من المؤشرات الاقتصادية العالمية، أو تتصدر القوائم إذا كان الحديث عن أوائل الدول الضعيفة.
ومع الأنباء المتداولة مؤخراً عن قيام موسكو بوقف تصدير القمح لنظام الأسد، والذي دأبت على تصديره طوال الأعوام الماضية كلما عصفت أزمة معيشية بمناطق سيطرة النظام، قال مدير مؤسسة الحبوب التابع للنظام "عبد اللطيف الأمين" إن النظام بصدد شراء 200 ألف طن من القمح من الهند، وهذا التوجه يبدو أنه لتعويض أي أزمة محتملة، والبحث عن خيارات بديلة للقمح الروسي.
مخزون القمح "بخير"
وزير التجارة الداخلية في حكومة النظام سارع لطمأنة الناس بأن وضع مخزون القمح في مناطق سيطرة النظام "بخير"، وأنه لا يوجد قلق من ناحية القمح والخبز. معللاً ذلك بأن حكومة النظام لا تستورد القمح من أوكرانيا بل من روسيا التي وصفها بـ "الصديقة"، كما أشار لاقتراب موسم القمح في سوريا الذي تتسوقه مؤسساته من المزارعين "بأسعار أفضل من أسعار السوق" على حد قوله.
لكن التطمينات التي قدمها الوزير، تبدو نسخة مكررة من وعود مستمرة يطرحها النظام للتقليل من آثار أي أزمة محتملة ولتهدئة أي مخاوف لدى الناس، حيث طرح النظام العام الماضي شعار "عام القمح"، والذي دعا فيه لزراعة كل متر مربع، لكن سرعان ما عادت الأزمة من جديد وبشكل أسوأ من السابق، حيث زاد الجفاف وتناقص مخزون القمح وتراجعت قدرة النظام على الدفع لاستيراد مزيد من القمح.
ولعلّ أهم ما يفسر أزمة القمح المتفاقمة في سوريا، هو ما جاء في تقرير لمجلة إيكونوميست البريطانية العام الماضي، حيث تحدثت فيه عن تعدد أماكن السيطرة وفرض كل طرف مسيطر ضرائب على حمولات القمح، حتى وصل الحال بالتجار إلى أن بيع القمح السوري في الخارج أسهل وأكثر ربحية من بيعه داخل سوريا، تقول المجلة وتضيف، أن داعمي النظام وعلى رأسهم إيران وروسيا، لم يقدموا له سوى القليل من المال بسبب الأزمات الاقتصادية التي يعيشها البلدان، وفوق ذلك تراكم الأزمات أمام نظام الأسد ومنها الحرب والفساد وتوابع أزمة كورونا والعقوبات الأميركية المفروضة عليه، بالإضافة لانهيار البنوك اللبنانية واحتفاظ الأثرياء المقربين من النظام بأموالهم وعدم ضخها في الأسواق.
ومن جملة الأسباب التي أوردتها الصحيفة، أن قسد التي تسيطر على حقول القمح في شمال شرقي سوريا تقوم ببيع منتجات القمح إلى العراق، وتحصل على المردود بالدولار الأميركي، بغية إنعاش اقتصادها ودفع رواتب موظفيها على النحو الذي تخطط له.
حكومات العالم "الأذكى"
حكومات العالم التي تفكر على المدى البعيد، وتخطط لقوتها بدل قواتها، عملت على وضع خطة طوارئ للتعامل مع أي أزمة غذاء عالمية، وهنا أتحدث عن الحكومة الصينية التي قررت أواخر العام الماضي تخزين المواد الغذائية والحاجيات الضرورية للمعيشية، وهي سياسة تأهب بدت غير مفهومة، فالبعض فسرها بما يتعلق بالمتحورات التي تنتشر بين الحين والآخر، إلا أن الحرب الروسية في أوكرانيا ونذر أزمة الغذاء العالمية فتحت الأذهان على القرار الصيني، الذي تضمن أيضاً تسهيل الإنتاج الزراعي وتدفق والإنتاج والإمداد ومراقبة مخزون اللحوم والخضراوات والحفاظ على استقرار الأسعار، في حين لحقت بها العديد من الدول التي اشترت القمح والمواد الغذائية لتجنب آثار الحرب في أوكرانيا.
إلا أن حكومة النظام مازالت تراهن على الشعارات، وتضع سياسات تقليدية تراهن فيها على "الخطط الخمسية". في حين لا يبقى لدى من يراقب المشهد إلا الأمنيات لقاطني مناطق سيطرة النظام وجميع أنحاء سوريا بأن يخرجوا من أزمة الغذاء سالمين.