التدخل الروسي المتواصل منذ 30 أيلول/سبتمبر عام 2015 حتى اليوم، كان يحتاج إلى قاعدتين وفق ما عمل عليه الرئيس فلاديمير بوتين، الأولى قاعدة عسكرية والثانية شعبية ودينية، تعكس توازناً بين القتال على الجبهات وإيجاد المبرر لهذا القتال، والحشد وتعبئة المقاتلين من أبناء البلد، خاصة أن بوتين ونظامه رفعا شعار "مناصرة المسيحية" في الشرق الأوسط والعالم، وتحتّم عليهما الاستثمار فيه من خلال طقوس كمباركة بطاركة لعناصر روس قبل الذهاب إلى سوريا، وزعم المسؤولين الروس بشكل مستمر أن روسيا "تحمي المسيحية" في هذا البلد المنكوب.
القاعدة الثانية التي توازي أهمية قاعدة حميميم بريف اللاذقية، والتي عمل الروس على الحضور فيها بشكل خاص، ومواكبة جميع الأنشطة التي تشهدها، هي مدينة السقيلبية بريف حماة، والتي تُظهر الأخبار والتقارير بأنها ذات طابع خاص للنفوذ الروسي في سوريا.
السقيلبية "الروسية"
تعتبر مدينة السقيلبية مع محردة من أكبر مناطق تجمع المسيحيين في ريف حماة، استغل النظام التركيبة الدينية فيها لجعلها منطلقاً لعملياته ضد باقي مناطق الريف الحموي، ثم استثمرها لكونها قاعدة عسكرية وأمنية لقوات النظام السوري، ثم رأى فيها الروس مكاناً مناسباً لإيصال رسائل للشرق والغرب، ولجعلها مكاناً يبرر الوجود الروسي في البلاد، وهذا ما حصل.
فقبل عامين، وحينما أعادت تركيا متحف أيا صوفيا بإسطنبول ذا الرمزية التاريخية المسيحية إلى مسجد للمسلمين، سارعت ميليشيات الدفاع الوطني المسيطرة على منطقة السقيلبية لإنشاء نسخة مصغرة رمزية عن أيا صوفيا، لكن ككنيسة.
وبعد ذلك عرض رئيس مركز المصالحة الروسي في سوريا "سيرغي سيمالينسكي" من داخل كنيسة أيا صوفيا قائمة بأسماء عدد من القتلى الروس المشاركين في عمليات عسكرية بجانب قوات نظام الأسد، وبعض القتلى سقطوا من جراء حوادث متفرقة، خلال لقاء جمعه بقائد ميليشيات الدفاع الوطني والمقرب من روسيا "نابل العبد الله"، الذي ذاع صيته كأحد أهم القادة الذين تعتمد عليهم روسيا في المنطقة، وتمرر عبره سياساتها ورسائلها.
ثم بدأت شهرة المدينة مع غرس الصحافية البريطانية "فايسا بيلي" شجرة بجانب كنيسة أيا صوفيا، وطلبت أن تُدفن بجوارها!
ويبدو أن روسيا تحاول إضفاء المزيد من الشهرة على منطقة السقيلبية، من ذلك قيامها بتكريم القيادييْن "نابل العبد الله" و"سيمون الوكيل" في تموز من العام الماضي، عبر منحهما "وسام الكرملين" من قبل قائد القوات السهلية الروسية في سوريا "كوزمينكو"، وقبله وسام "الإخلاص لروسيا"، ووسام "الشجاعة والإقدام في محاربة الإرهاب بسوريا".
الدعاية الروسية حول مدينة السقيلبية حصدت دعماً من وجهة أخرى، وبالتحديد من منظمة "SOSCO" الفرنسية اليمينية المتطرفة، التي كشف تقرير صادر عن مجلة "New lines" أنها كانت تمول سراً ميليشيات مسيحية في سوريا، بمئات الآلاف من اليوروهات سنوياً متبعة أساليب التحايل على العقوبات الدولية عبر مكاتب إقليمية، وذلك الدعم يصل إلى ميليشيات الدفاع الوطني ذاتها في السقيلبية ومحردة، وبالتالي يؤيد الرواية الروسية في أن المدينة "حصن مسيحي" في سوريا، لكنها ربما في حقيقة الأمر لا تعدو عن كونها نافذة للمصالح الروسية على غرار قاعدة حميميم العسكرية.
حصاد النتائج
نتيجة الجهود الروسية في السقيلبية يبدو أنها ظهرت مؤخراً، مع اندلاع الحرب الروسية في أوكرانيا وحاجة كلا الطرفين المتحاربين لتجنيد مرتزقة يخدمون دعايته ويدعمون محاور جبهاته القتالية، حيث إن القيادييْن نابل العبد الله وسيمون الوكيل قالا لوكالة رويترز إن لديهما مقاتلين مستعدون للقتال في أوكرانيا إلى جانب القوات الروسية، وإنهم حاضرون عند طلب "القيادة الروسية والسورية" لخوض هذه الحرب "المحقة"، كما ذكرت رويترز أن روسيا تسعى لجلب مقاتلين سوريين لديهم خبرة قتالية، وتلك الجهود تتم بإدارة وإشراف من قاعدة حميميم الجوية.
ونتيجة لذلك، قام الضابط في القوات الروسية "ديمتري" بشكر عناصر ميليشيا الدفاع الوطني في السقيلبية على عملهم في ما وصفها بـ "الصحراء البيضاء" في سوريا، وهي إشارة للمعارك التي تخوضها الميليشيا في البادية السورية ضد عناصر تنظيم الدولة، وأجرى حفلاً "تكريمياً" لهم في المنطقة.
الخطوة الروسية بدأت تؤتي ثمارها من خلال زرع ميليشيات وربط ولائهم الكامل بموسكو، حتى ربما بدرجة أكبر من ولائهم للنظام، ولعل ميليشيات الدفاع الوطني في السقيلبية أكبر شاهد على النفوذ الروسي في سوريا، ورغم أنه يتركز في مناطق جغرافية معدودة، بخلاف النفوذ الإيراني المنتشر على طول الخارطة السورية والساعي لتجنيد أعداد أكبر، إلا أن موسكو تحتاج للسقيلبية وساكنيها ومقاتليها، كحاجتها لقاعدة حميميم، حتى تمضيا معاً في خدمة وتثبيت المصالح الروسية داخل سوريا.