icon
التغطية الحية

مداهمات وحواجز.. النظام يُضيق الخناق على شبّان دمشق بذريعة الخدمة الإلزامية

2024.06.05 | 05:16 دمشق

قفلقبف
مداهمات وحواجز: النظام يُضيق الخناق على شبّان دمشق بذريعة الخدمة الإلزامية
تلفزيون سوريا - محمد كساح
+A
حجم الخط
-A

يُعاني معظم الشبّان في ريف دمشق من مأساةٍ مستمرة تُلقي بظلالها القاتمة على حياتهم، وتُغرق مُستقبلهم في بحرٍ من القلق والترقّب، حيث كثّف النظام السوري من دورياته في المنطقة، مؤخّراً، بحثاً عن المطلوبين للخدمة العسكرية في صفوف قواته.

من بين هؤلاء الشبّان، حسام (24 عاماً)، الذي بات يخشى الخروج من منزله في منطقة "جديدة البلد" بريف دمشق، مع توجّسه من البقاء فيه أيضاً، ما يجعله بين خيارين مرّين.

وزادت الشرطة العسكرية من دورياتها في مدينة دمشق ومعظم المدن والبلدات في ريفها، كما نشرت العديد من "الحواجز الطيّارة"، بهدف اعتقال مئات الشبان المتخلفين عن الخدمة العسكرية الإلزامية والاحتياطية.

يقول حسام خلال حديثه لـ موقع تلفزيون سوريا، إنّه متخلّف عن الخدمة في صفوف قوات النظام، منذ أربع سنوات، وفضّل الاختباء في منزل أهله ومنازل أقاربه، حيث يغيّر مكانه كل فترة، تحسباً من أي مداهمة محتملة.

ويضيف: "اعتدت هذه الحياة، التي لا أخرج فيها من المنزل إلا في الليل، لكن في هذه الفترة وفي ظل كثافة الدوريات أضطر للبقاء في منزل أهلي، ومع ذلك ينتابني الخوف من المداهمات التي تحدث في البلدة".

"أيام عصيبة"

تشكّل حالة حسام نموذجاً لمئات الحالات المشابهة في عموم مناطق سيطرة النظام، والتي تسبّبت بنشوء ظاهرة الشبّان المتوارين عن الخدمة، وازدادت خلال السنوات الأخيرة، حيث يخشى أولئك الشبّان من السوق إلى الخدمة، ومن المدة الطويلة التي سيقضونها فيها، ويضاف إلى ذلك مخاوفهم من زجّهم في معارك "لا ناقة لهم فيها ولا جمل"، بحسب تعبير محمد، وهو شاب تجاوز العشرين، ويقيم في مدينة دوما بغوطة دمشق الشرقية.

وكان محمد ما يزال طفلاً عندما عاش ظروف حصار دوما، بين أعوام 2013 و2018، وشاهد مئات المقاتلين والناشطين وذويهم وهم يغادرون المنطقة مهجّرين نحو الشمال السوري، وهو ما جعل فكرة "الانخراط في جيش النظام" غير واردة في ذهنه، وفقاً لقوله.

ويختبئ محمد في أحد المنازل التي تركها أقاربه المهجّرون، وكانت الظروف الأمنية السابقة تسمح له بمغادرة المكان والانخراط في العمل ضمن محل لبيع المواد الغذائية، لكنه بات يخشى من المشي في الطرقات تحسباً من أي "حاجز طيّار" قد يوقفه في لحظة ما، إذ يعيش بسبب التفكير بإمكانية حدوثها، أياماً عصيبة.

في مدينة داريا بغوطة دمشق الغربية، يعيش عشرات المتوارين أيضاً، يتناقل السكّان معلومات حول الحواجز الطيّارة والدوريات الليلية، في ظل أنباء تفيد بعدم صدور قرار بمداهمة المنازل بحثاً عن المطلوبين، وفقا لمصادر أهلية تحدثت من داخل المدينة لـ موقع تلفزيون سوريا.

لكن مع ذلك، يخشى الشبّان الفارون من الخدمة العسكرية، إمكانية تنفيذ المداهمات، أو الوقوع في قبضة الحواجز والدوريات، لذلك يعيشون ظروفاً صعبة، مثل أمجد (23 عاماً)، الذي يحاول السفر نحو لبنان، لكن كثافة الدوريات تقف عائقاً أمام تحقيق هذه الخطوة، التي تعتبر تطبيقاً للمثل الشعبي: "ما جبرك على المر إلا الأمر منه"، بحسب حديث والدة أمجد لـ موقع تلفزيون سوريا. 

"مداهمات منازل المطلوبين"

رغم عدم تنفيذ مداهمات لمنازل المطلوبين في داريا ومناطق أخرى في ريف دمشق، إلا أن هذه الخطوة محتملة جداً، مع حدوثها في كل من جديدة البلد وكفرسوسة.

وتأتي الملاحقات والمداهمات وعمليات البحث، على خلفية إلغاء النظام السوري استدعاء الضباط الاحتياطيين "المدعوين الملتحقين"، اعتباراً من تاريخ 1 حزيران 2024، لكل مَن يتم سنة وأكثر في خدمة احتياطية فعلية، حتى تاريخ 31 أيار 2024، وإنهاء الاحتفاظ والاستدعاء لصف الضباط والأفراد الاحتياطيين "المحتفظ بهم، والمدعوين الملتحقين"، اعتبارا من التاريخ نفسه، لكل من يتم 6 سنوات وأكثر خدمة احتياطية فعلية حتى 31 أيار 2024.

وأدّت الاعتقالات وكثافة الدوريات إلى نتائج كارثة طالت آلاف الشبّان المتوارين، الذين يلجؤون حالياً إلى تغيير أماكن إقاماتهم، وعدم مغادرة المنازل، ما يعني توقّفهم عن العمل ووقوعهم في فخ البطالة.

يعيل الشقيقان محمود وعبد الله عائلتهما المكوّنة من الأم وثلاث شقيقات، في ظل اعتقال الأب منذ العام 2014، ويعملان في بيع الخضراوات بكفرسوسة، رغم تخلفهما عن الخدمة العسكرية.

تقول والدة الشقيقين لـ موقع تلفزيون سوريا، إنّ مصدر دخلهم الوحيد هو عملهما، ومع احتمالية اعتقالهما في أي لحظة، توقّفا عن الذهاب يومياً إلى السوق، ويعيشان الآن في منزل لأحد المعارف.

وتساءلت والدتهما: "لم يعد معنا نقود لشراء احتياجات المنزل، الحياة كانت صعبة جداً حتى عندما كان ولداي يعملان، فكيف ستكون الآن؟".

"مئات المتوارين والرقم يتسع"

لا يمكن تقدير حجم المتوارين في ريف دمشق من المتخلفين عن الخدمة أو المنشقين عن قوات النظام (وهي انشقاقات ما تزال تحدث حتى الآن)، لكن الأرقام كبيرة بحيث تتجاوز المئات، وهي مؤهلة للازدياد في ظل انسداد أفق الحل السوري، وغياب الملاذ الآمن لهؤلاء الشبّان في الدول المجاورة مثل لبنان وتركيا، حيث تتسع عمليات ترحيل اللاجئين مع تلاشي أي أمل بالحل.

تقول "أم كرم" وهي سيدة خمسينية تقيم في الكسوة، إنّها لا تستطيع النوم في الليل خوفا على ولديها المتخلفين عن الخدمة العسكرية، مشيرةً إلى أنّ "فكرة التخلف هي أفضل الحلول التي يلجأ إليها معظم مَن تعرفهن من الأمهات الخائفات من مقتل أولادهن في المعارك المحتملة".

وتضيف لـ موقع تلفزيون سوريا، إنّها فكرت في البداية بتسفير ولديها نحو لبنان، لكن "هذا البلد لم يعد آمناً للسوريين، كل يوم ترحيل وعنف وإغلاق محال تجارية وقطع أرزاق"، مشيرةً إلى أنّ تسفيرهما نحو الشمال السوري "فكرة جيدة، لولا أن الطريق خطرة والاعتقال محتمل في أي لحظة".