جسّدت التصريحات التي أطلقها الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان في حديث للصحفيين على هامش حضوره اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة الحسابات الإيرانية الدقيقة تجاه المواجهات الدائرة بين إسرائيل وحزب الله اللبناني، حيث دعا إلى الحوار لحل الأوضاع المتوترة في الشرق الأوسط، مؤكداً أن اندلاع حرب في المنطقة لن يفيد أحداً.
جواد ظريف نائب الرئيس الإيراني للشؤون الاستراتيجية أكد أيضاً في حديث لوسائل إعلام أميركية استعدادهم للتعاون من أجل العمل على إنهاء الحرب في غزة، وأشار إلى استجابة بلاده لمطالب المجتمع الدولي بضبط النفس عقب اغتيال إسرائيل لرئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران، مما عزز الانطباع بأن طهران لا ترحب بدور مباشر في التصعيد.
مساعي استئناف المفاوضات النووية
عبر الرئيس الأميركي بزشكيان في كلمته التي أدلى بها أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في 24 أيلول/ سبتمبر الجاري عن أمله بحل الخلافات مع الدول الغربية، وتحدث قبلها في تصريحات صحفية عن وجود خطط لاستئناف مفاوضات الاتفاق النووي.
ومنذ أن تولى بزشكيان الرئاسة الإيرانية خلفاً لإبراهيم رئيسي في تموز/ يوليو من العام الحالي، أكد أن سياسته ستقوم على خفض التوتر مع الغرب وإدارة الخلافات، وستتولى وزارة الخارجية الحوار مع واشنطن لتحسين العلاقات معها.
وفي أعقاب اغتيال هنية في طهران، سادت توقعات بأن إيران ستنفذ هجمات انتقامية ضد إسرائيل، لكنها لم تتخذ إجراءات تُذكر على غرار ما فعلته عندما ردت على قصف إسرائيل لسفارتها في دمشق، حيث هاجمت أهدافًا داخل إسرائيل بطائرات مسيرة وصواريخ بالستية، مما عكس استجابة لجهود إدارة بايدن التي تدخلت من أجل ضبط الإيقاع واحتواء الصراع ليبقى تحت عتبة الاشتباك المباشر بين طهران وتل أبيب، على أمل أن يشكل هذا الموقف بوابة لإحياء مفاوضات الاتفاق النووي التي توقفت قبل عام ونصف تقريباً.
الحسابات الخاصة بالعقوبات
مع حلول عام 2025، تنتهي مدة 10 سنوات المنصوص عليها في القرار الأممي 2231 الصادر عام 2015، المتعلق بمراقبة النشاط النووي الإيراني، حيث من المفترض أن تنتهي العقوبات التي كان معمولاً بها قبل عام 2015، تاريخ صدور القرار، إلا إذا تم تقديم شكوى لمجلس الأمن من قبل إحدى الدول الغربية تفيد بإخلال طهران بالتزاماتها، فعندها يمكن العودة إلى تطبيق العقوبات كما كانت.
أيضاً، تطمح طهران لإبقاء نوع من الإيجابية في علاقتها مع واشنطن على أمل أن تتيح لها الأخيرة الوصول إلى الأموال المجمدة في البنوك العراقية لقاء استجرار الطاقة من طهران، حيث تخضع هذه الأرصدة للعقوبات الأميركية، وسبق أن لوّح الجانب الأميركي بالإفراج عن 6 مليارات دولار من هذه الأموال، وبالتالي فإن حكومة بزشكيان مضطرة للتعاطي بروية كبيرة مع التطورات الأخيرة على أمل تحصيل مكتسبات يمكن تسويقها في الداخل الإيراني كنجاح أولي لها.
الحرص على النفوذ في العراق وسوريا
تولي إيران أهمية بالغة لنفوذها في الساحة العراقية بدرجة أساسية، وفي سوريا، وقد التقطت الرسائل الأميركية والإسرائيلية خلال الأشهر الماضية، والتي تفيد بأنه لن يتم التسامح مع طهران، حيث وجهت واشنطن وتل أبيب ضربات مؤلمة للنفوذ الإيراني، تمثلت بقصف متكرر لقاعدة جرف الصخر العراقية التي تعتبر قاعدة للحرس الثوري في العراق، بالإضافة إلى تصفية قيادات كبيرة في الحرس الثوري الإيراني، وضربات مدمرة لمختبر البحوث العلمية بريف حماة الذي تستخدمه إيران لتطوير الصواريخ والأسلحة.
تعوّل طهران على المباحثات التي تجريها الحكومة العراقية منذ عدة أشهر مع الجانب الأميركي، والتي تهدف إلى إقناع واشنطن بسحب قواتها من العراق مما يفسح المجال أمام النشاط المريح لطهران، ولذا لا تفضل سيناريو الحرب الموسعة التي قد تدفع واشنطن لتركيز أكبر لقواتها في العراق وسوريا وقطع الطريق البري بينهما بدلاً من الموافقة على الانسحاب من العراق، خاصة مع ظهور مؤشرات واضحة على تحرك إقليمي سياسي واقتصادي موسع في العراق، سيضر بالمصالح الإيرانية على المدى الطويل، خاصة إذا ما تصاعد الضغط الأميركي على هذا النفوذ. الحديث هنا عن توقيع تركيا لاتفاق تعاون أمني مع العراق، والعمل على إنجاز مشروع طريق التنمية الذي تدعمه قطر والإمارات، ومساعي السعودية الدخول في المشروع.
ونظراً للأسباب السابقة، فإن إيران تحرص على أن يكون التصعيد من طرف الفصائل العراقية محدوداً، ودون مستوى إثارة الغضب الأميركي، وبما يخدم استراتيجيتها العامة في المنطقة.
ومن الواضح أن طهران تميل لتحقيق المكاسب الاستراتيجية على الانخراط في ردود أفعال قد تدفعها دون أن ترغب إلى حرب تضر بمصالحها.