icon
التغطية الحية

محيط مسلح.. كيف تنعكس المظاهر المسلحة على سلوكيات الأطفال في الشمال السوري؟

2024.08.14 | 03:33 دمشق

324
طفل في الشمال السوري يحمل لعبة على شكل سلاح (تلفزيون سوريا)
حلب - حسين الخطيب
+A
حجم الخط
-A

ملخص:

  • انتشار المظاهر المسلحة في الشمال السوري أصبح جزءاً من الحياة اليومية، مما أثر بشكل كبير على السلوكيات الاجتماعية، وخاصة بين الأطفال.
  • الأطفال في هذه البيئة يكتسبون سلوكيات عدوانية ويرون في السلاح رمزاً للقوة والنفوذ، مما يؤدي إلى تشويه مراحلهم العمرية الطبيعية.
  • الحلول المقترحة تشمل تعزيز التوعية بين الأسر والأطفال، والعمل على إبعاد المظاهر المسلحة عن الأماكن المدنية، وتوفير بيئة آمنة ومستقرة للأطفال.

تحولت المظاهر المسلحة إلى لون أساسي في الوسط الاجتماعي شمال سوريا، وسط انتشار السلاح بين الأفراد، وانخراطهم أفراداً ومجموعات في العمل المسلح بحثاً عن مصادر دخل تعينهم في التغلب على مشاق الحياة، متجاهلين الآثار والسلوكيات التي يتركها نوع العمل في المحيط الاجتماعي.

وتطول تداعيات أزمة انتشار المظاهر المسلحة فئة عمرية أساسية تعتبر من لبنات المجتمع السوري الناشئ في شمال البلاد، حيث تخلف لدى الأطفال سلوكيات لا تشبه مراحل الطفولة، بعدما عايشوا المظاهر المسلحة، وصولاً إلى اكتساب حمل السلاح شكلاً من أشكال القوة والنفوذ في المنطقة.

انتشار المظاهر المسلحة

لا يزال السوريون يعانون من ويلات استمرار الحرب وانتشار المظاهر المسلحة في الأوساط الاجتماعية اليومية، حتى أصبحت جزءًا من المظاهر الحياتية؛ ورغم أن حالة انتشار السلاح في الشمال السوري ليست جديدةً على السكان، لكنها باتت تلقي بظلالها على عاتق الأطفال باعتبارهم أحد أهم اللبنات المجتمعية التي تؤسس لبناء جيل جديد.

وتوسعت المظاهر المسلحة في الشوارع والمنازل بعد انخراط شريحة واسعة من السوريين شمالي البلاد في العمل المسلح، مما أدى إلى استخدام السلاح في المشكلات والخلافات العائلية والعشائرية التي غالباً ما يذهب ضحيتها مدنيون.

وحظرت وزارة الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة حمل السلاح داخل المدن والأسواق بمناطق سيطرة الجيش الوطني السوري، معتبرةً أنها ظاهرة سلبية وغير حضارية تؤدي إلى إشاعة الفوضى وينتج عنها إزهاق أرواح بريئة. بينما كررت الشرطة العسكرية الحملات الأمنية في إطار منع انتشار السلاح العشوائي بين المدنيين لكونه يستخدم في الخلافات العائلية والعشائرية والفصائلية.

ورغم الحظر ما يزال السلاح حاضراً في مختلف جوانب الحياة اليومية التي يعيشها السوريون، حيث تفتقر القرارات إلى آليات التطبيق التي تحتاج إلى رقابة ومخالفات دورية تطول العناصر والمدنيين على حد سواء، بهدف منع المظاهر المسلحة من التجوال في الأسواق والمنازل، لأن تأثيرها لا يرتبط في استخدام السلاح فقط وإنما يؤثر على المحيط الاجتماعي.

ويؤكد أحمد الجلب، طالب تربية خاصة في "جامعة حلب في المناطق المحررة"، أن انتشار المظاهر المسلحة في البيئة الاجتماعية الداخلية مثل (الأسرة والعائلة)، والخارجية مثل (الحي والمدينة)، باتت واضحة في شمالي سوريا، كما أنها أصبحت جزءا من التركيبة الاجتماعية في ظل بحث أرباب الأسر عن فرص عمل تعد مصدر دخل للمعيشة.

 وقال خلال حديثه، لموقع "تلفزيون سوريا": "إن طبيعة العائلة التي تتصف بالهدوء والاتزان، يعبر عنها الطفل من خلال سلوكياته، وفي حال كان تعامل العائلة خشنا وقاسيا نتيجة الارتباط بالعمل المسلح، فإن الطفل سيتأثر وتظهر عليه سلوكيات عنف لا سيما أن الوالد أو الأشقاء الأكبر سناً هم بمنزلة القدوة للأطفال".

وأضاف: "المشكلة تحتاج إلى جهود جبارة لإيجاد الحلول المناسبة، لكونها تلقي بظلالها على الأطفال، من حيث السلوكيات العدوانية تجاه الآخرين"، مشيراً إلى أن الطفل سريع في التأثر والاكتساب السلوكي والمعرفي من الوسط الاجتماعي المقرب منه، لذلك فإن المظاهر المسلحة تكسب الأطفال أطباعاً وسلوكاً عدوانياً لا يشبه مراحلهم العمرية إطلاقاً.

تغيرات في سلوك الأطفال

يعد الأطفال الأكثر تأثراً بالبيئة الاجتماعية المحيطة من خلال اعتمادهم على اكتساب التصرفات والسلوكيات والخبرات العملية والعلمية من الأفراد المقربين منهم، فهم معرضون أيضاً لاكتساب سلوكيات العنف الناتجة عن وجود السلاح كجزء من الحياة اليومية.

ديب قزموع (طفل يبلغ من العمر 7 سنوات) يدرس الصف الأول الابتدائي خلال العام الماضي، حيث يعيش حياةً طبيعية ومستقرة، فهو من محيط اجتماعي يتصف بالهدوء، رغم أن والده نازح من مدينة تل رفعت، ويعمل في بيع وشراء القطع الكهربائية المستعملة إلى جانب العمل في تربية المواشي، ويسكن في منزل إيجار في مدينة مارع شمال حلب.

وطوال عام تختلف سلوكيات الطفل عن باقي أقرانه من حيث اللباس وتسريحة الشعر وسرعة الانخراط بين الأطفال، ومتابعة التحصيل العلمي، فضلاً عن الهدوء والاحترام والاتزان باعتبارهما من الصفات الأساسية التي يتحلى بهم الطفل، وسط اهتمام عالٍ من والده لمتابعة التعليم المدرسي.

لكن العام الحالي، بدا الطفل مختلفاً كلياً حيث ظهرت عليه سلوكيات عدوانية تجاه أقرانه، ومحاولات لفرض القوة والاعتداء عليهم أحيانًا، فضلاً عن تغيرات واضحة في المظهر الخارجي، من حيث نوع اللباس (العسكري) وتسريحة الشعر، والكلام، وطبيعة الحركة؛ ورغم أن جزءا منها يشير إلى تقدمه في العمر سنة واحدة إلا أن بعض السلوكيات تحمل مدلولاً مختلفاً نتج عن واقع محيطه الاجتماعي.

يبدو أن التغيرات السلوكية التي ظهرت على الطفل، نتجت عن تغير في المحيط الأسري والاجتماعي، بعد انتقال والده من العمل المدني إلى العمل المسلح، حيث أصبح والده يعمل مرافقا وسائقا لأحد قادة الكتائب العسكرية، ما تسبب في إدخال الأسرة بمرحلة جديدة؛ ما يشير إلى تأثره واكتسابه واقع المظاهر المسلحة، التي تطرح محلياً نوعاً من أنواع السلطة والقوة والنفوذ التي يكتسبها العاملون في المجال العسكري.

وأكد، المختص في التربية، عبد الرحمن حاج عمر، أن المظاهر الشكلية والسلوكية لدى الأطفال في الشمال السوري تظهر من خلال الملابس والألعاب والرسومات والميول العدواني وأذية أقرانهم بشكل متواصل، فضلاً عن إبراز القوة والمهارات البدينة مع تراجع مستوى التركيز الذهني، وهو ما يدل على تأثر واضح بالمحيط الاجتماعي.

وقال حاج عمر خلال حديثه لموقع "تلفزيون سوريا": "إن حالة انعدام الاستقرار في ظل طول أمد الحرب في سوريا وتداعياتها النفسية والسلوكية على الأطفال، تسبب في الاعتياد على المظاهر المسلحة، بعدما بات السلاح في بيوت الكثير من العائلات وأصبح جزءاً من تفاصيل الحياة مع انضمام أحد أفراد العائلة إلى العمل المسلح".

وأضاف: "الأطفال يستمتعون في تقليد العمل المسلح لأنهم يعتقدون أن السلاح يمنحهم القوة والسيطرة، وهذا ما نلاحظه في استخدام ألعاب الأسلحة اليدوية والالكترونية، حيث يوضح مدى تأثر الطفل في محيطه الاجتماعي، لا سيما خلال اللعب كفرق ومجموعات، وذلك ينبع عن تقليد شخصيات من واقعه تعمل في المجال المسلح".

آثار سلبية وآليات الحل

وأوضح، أن المظاهر المسلحة تولد سلوكيات لها آثار سلبية على المجتمع والطفل على حد سواء، فالطفل يرى أن امتلاك السلاح جزء من الرجولة، ما يعني ازدياد انتشار العدوان بين الأطفال، وعدم تقبل الأطفال حوله والنظر إليهم نظرةً عدوانية على مبدأ القوة والضعف، ما يضاعف التأثيرات النفسية والعنصرية والانفعالية والسلوكية السلبية لدى الطفل.

وقد لا يدرك الأهالي المخاطر السلوكية والنفسية التي تتركها المظاهر المسلحة في طبيعة الأطفال، حيث يلجأ البعض إلى تصوير أبنائهم في الزي العسكري ويحملون السلاح، في طريقة مماثلة لتكوين جندي صغير، وتترك تأثيراً على الأطفال من خلال تغيير سلوكهم ما يؤدي إلى نشوء جيل مشوه يتسبب في مشكلات اجتماعية لاحقاً.

وللحد من التأثيرات السلوكية الناتجة عن المظاهر المسلحة، لا بد من مراعاة الجوانب النفسية والسلوكية والاجتماعية لدى الأطفال، من خلال تضافر الجهود بين الأسرة والمؤسسات التعليمية ومنظمات المجتمع المدني لاتخاذ آليات للحل.

ويرى حاج عمر، أن الحلول تكمن في عدم إشراك الأطفال وإبعادهم عن المظاهر المسلحة، وعدم السماح لهم بالتقليد الدائم، وتقديم الحماية والرعاية دون الضغط عليهم، إضافةً إلى دور المؤسسات التعليمية في توعية الأطفال من مخاطر استخدام أو تقليد حمل السلاح، والتأكيد على أن العمل المسلح محصور بفئة محددة من المجتمع. 

مشيراً إلى أن دور منظمات المجتمع المدني، ورجال الدين في دور العبادة يكمن في توعية الأسر من مخاطر إشراك الأطفال، بينما يتوجب على السلطات المحلية إبعاد المظاهر المسلحة والأسلحة ووضعها في أماكن مخصصة (ثكنات عسكرية) ومنع تجوال الأشخاص المسلحين بحكم طبيعة عملهم في الأماكن المدنية والاجتماعية. 

ولا بد من الإشارة إلى ضرورة العمل من قبل السلطات المحلية على إيجاد آليات مناسبة لإزالة المظاهر المسلحة بين الأوساط الاجتماعية ضمن المدن والبلدات، فضلاً عن تخصيص آليات نقل للعناصر بين المقار والمؤسسات العسكرية، ومنازلهم، دون الاضطرار إلى حمل السلاح خلال التنقل، لا سيما أن معظم العاملين في المجال المسلح يضطرون إلى حمل سلاحهم إلى منازلهم.

وتعتبر التغيرات السلوكية التي يتعرض لها الأطفال من جراء انخراطهم في المحيط الاجتماعي المسلح، مشكلة حقيقية، في ظل غياب الاستقرار الأمني من جراء القصف والتفجيرات والاقتتال الفصائلي، ولا بد من تضافر الجهود من قبل المؤسسات التعليمية، ومنظمات المجتمع المدني، في توعية الأطفال وعائلاتهم للحد من دمج الأطفال ضمن المظاهر المسلحة، ومراعاة السلوكيات العدوانية الناتجة، والبحث عن حلول حقيقية لبناء المجتمع.