تعيش عشرات العائلات في محافظة درعا تبعات الحادثة المأساوية الناجمة عن غرق القارب الذي يحمل العديد من السوريين بما في ذلك أبناء المحافظة، قبالة السواحل اليونانية. حيث تنتظر تلك العائلات أخبارا من شأنها أن تجبر قلوبهم.
"أم محمد" (55 عاماً) قالت في حديث لـ موقع تلفزيون سوريا، إنها لم تنم منذ ثلاثة أيام بعد وصول خبر اختفاء ابنها. قضت الليالي والنهارات كلها في الدعاء والصلاة أملا في وصول خبر يخفف أوجاع قلبها.
وأوضحت أم محمد (اسم مستعار) أنها تمكنت من إخراج ابنها من سوريا إلى لبنان قبل نحو ثلاثة أشهر عبر طرق التهريب، وذلك لتجنب تجنيده في الخدمة العسكرية لدى جيش النظام السوري. وبسبب التطور الفجائي للأوضاع في لبنان، انتقل إلى ليبيا بعد قضائه قرابة عشرة أيام فقط في لبنان، خوفًا من القبض عليه وتسليمه للمخابرات السورية من قبل الجيش اللبناني. وهناك، قرر ابنها محمد البالغ من العمر 21 عامًا، الهروب عبر البحر إلى إيطاليا.
وفي مساء يوم الجمعة، الـ9 من حزيران الجاري، انطلق محمد مع مئات الشباب السوريين المنحدرين من محافظة درعا ومن جنسيات أخرى مختلفة، من السواحل الليبية بالقرب من مدينة طبرق. وفي الـ13 من حزيران، تعرض المركب للغرق وعلى متنه أكثر من 600 شخص، معظمهم من طالبي اللجوء السوريين؛ بينهم نحو 200 شخص من أبناء محافظة درعا، وفق ما نقلت أم محمد عن ابنها قبل انقطاع أخباره.
وحتى هذه اللحظة، أُعلن عن إنقاذ 35 شخصًا من أبناء درعا، بينما بقي الآخرون في عداد المفقودين.
نجا منهم 35 شخصاً فقط والبقية ما يزالون مفقودين..
— تلفزيون سوريا (@syr_television) June 18, 2023
حداد في #حوران على أبنائها الغرقى في مركب الموت#نيو_ميديا_سوريا #تلفزيون_سوريا pic.twitter.com/topNUWrMrQ
قصص مأساوية
ومن بين ضحايا حادثة غرق القارب قبالة السواحل اليونانية، العديد من النساء والأطفال. منهم طفلة تبلغ من العمر خمس سنوات (من ريف درعا الغربي)، كانت مسافرة مع والدتها للانضمام إلى والدها الذي يعيش في إحدى الدول الأوروبية، بعد أن انتظر أكثر من أربع سنوات أملًا في الحصول على لم الشمل.
حاول الأب جلب ابنته وزوجته عن طريق لم الشمل، ولكنه لم ينجح في ذلك، ولم يبقَ أمام العائلة سوى خيار ركوب البحر. وكانت نهاية هذه الرحلة المؤلمة الغرق وفقدان الحياة.
تعبر هذه الحادثة عن معاناة العديد من الأسر السورية التي تسعى للمشاركة في لم الشمل وإعادة بناء حياتهم في بلدان اللجوء. وتأتي قصة هذه الطفلة لتؤكد على الظروف الصعبة التي يواجهها اللاجئون والمهاجرون، ولتدفع المجتمع الدولي لاتخاذ إجراءات فورية لمنع وقوع مثل هذه الكوارث الإنسانية وضمان سلامة وحقوق اللاجئين والمهاجرين.
"هذه قسوة تسبب ألماً لا يمكن تجاوزه"
— تلفزيون سوريا (@syr_television) June 17, 2023
آباء فقدوا أبناءهم في غرق المركب يحكون ما جرى#تلفزيون_سوريا #نيو_ميديا_سوريا pic.twitter.com/Hlk5KLbnXQ
خفر السواحل اليوناني مسؤول عن غرق القارب
كشف مصدر تحدث إلى الناجين من كارثة غرق مركب الصيد قبالة السواحل اليونانية تفاصيل جديدة عن الحادثة تشير إلى تورط خفر السواحل اليوناني بإغراق المركب.
وقال المصدر في تصريح خاص لتلفزيون سوريا أمس الجمعة إن المركب توقف في المياه الإقليمية بين اليونان وإيطاليا ومالطا لمدة يومين، وإن سفينة لخفر السواحل الإيطالي كانت على مقربة من المركب وسفينة أخرى تتبع لمالطا، ولكن ناقلة نفط كانت تبحر بقربهم هي من زودهم بالمياه.
وفي اليوم الثاني، زودهم خفر السواحل المالطي بماء وطعام وتسبب تجمع المهاجرين على جانب واحد من المركب بميلانه وكاد يغرق، وفي نهاية اليوم اقتربت منهم سفينة عسكرية يونانية أقنعهم طاقمها بتشغيل محرك المركب واللحاق بهم إلى السواحل اليونانية.
وأفاد المصدر أن خلافا نشب بين المهاجرين على الوجهة التي يجب أن يبحر باتجاهها المركب (اليونان أم إيطاليا)، بسبب وجود ناشطين في منظمات إيطالية كانوا يتواصلون معهم عبر الهاتف وأقنعوهم بأن الخفر الإيطالي سيأتي لإنقاذهم.
وبعد تحرك المركب خلف السفينة اليونانية لمسافة قصيرة، تعطل المحرك، فرمى طاقم السفينة الحربية الصغيرة (بحسب ما وصفها الناجون) حبلا تم ربطه بالمركب وجره بقوة ما تسبب بقلبه وغرق معظم من كان على متنه.
وتتجه الأنظار الآن نحو هذه المأساة التي أبكت قلوب الأمهات والأبناء في محافظة درعا، مع استمرار البحث عن الناجين والمفقودين. فيما ينتظر العالم بفارغ الصبر أنباء عن مصير الضحايا، أملا في العثور على أحياء من بين المفقودين وإعادتهم إلى أحضان أهلهم.
وأعلن ناشطون من أبناء درعا ومناطق سورية أخرى، الحداد العام في جميع مدن وبلدات المحافظة لمدة ثلاثة أيام اعتبارا من يوم أمس، تضامنا مع ضحايا حادث غرق القارب، وإقامة صلاة الغائب على أرواح الضحايا الذين فقدوا حياتهم في هذه الكارثة البحرية.