أعاد "حزب الله" بعد تعرضه خلال الأيام الماضية لهجمات إسرائيلية سيبرانية وعسكرية عدداً من قواته العاملة في عدة بلدان عربية، على رأسها مجموعات من فرق النخبة ووحدات المهام الخاصة في سوريا.
عملية الاستدعاء من سوريا طالت القوات الموجودة في محافظتي حلب ودير الزور، ومن قطاعات البادية السورية، في حين شهدت ثكنات عسكرية تابعة لجيش النظام السوري ومواقع مستقلة في المحافظات السورية الجنوبية انتشاراً لمجموعات من "حزب الله" وإعادة تموضع في مواقع كانت قد أخلتها خلال العام الجاري، حسبما ذكرت مصادر عسكرية وأمنية لموقع تلفزيون سوريا.
ووجه "حزب الله" تعميماً لوحداته منذ بداية شهر أيلول الجاري يقضي برفع جاهزيتها في كامل الأراضي السورية والاستعداد للتمركز في مواقع جديدة من دون تحديدها.
وتلقت مجموعات أمنية وعسكرية تنشط في سوريا وتتبع للحزب يومي الأربعاء والخميس 18 و19 من أيلول الحالي بلاغاً نصّ على تسليم المهام الموكلة إليها لقيادة غرف العمليات والقطاعات من جيش النظام السوري في مناطق وجودها.
وألزم الحزب عناصره المُبلغين بوضع أنفسهم مع عهدتهم العسكرية تحت تصرف القادة المسؤولين عن نشاط "حزب الله" في كل من القصير بريف حمص والزبداني بريف دمشق، ليتم نقلهم إلى جنوبي لبنان.
استدعاء قوات "الرضوان" من سوريا
وتبعًا للمصدر، فإن عدد المقاتلين اللبنانيين العائدين تجاوز 700 عنصر حتى مساء يوم أمس الأحد، نحو ثلثيهم أعادهم الحزب عبر ممرات تهريب حدودية خاضعة لسيطرته في ريف دمشق، في حين عاد جزء من المقاتلين بسيارات خاصة وممتلكاتهم بصورة قانونية عبر المنافذ الجمركية.
وينظم "حزب الله" الرحلات بشكل متفرق، إذ يتم إعادة المقاتلين ضمن مجموعات لا يتجاوز عدد كل واحدة منها 10 عناصر على متن حافلات صغيرة أو شاحنات نقل ذات طابع مدني، والبعض على متن دراجات نارية، كنوع من التمويه خشية استهدافهم من قبل المسيرات الإسرائيلية التي تنشط في المنطقة لفترات طويلة يومياً.
وأكّد المصدر أن غالبية العناصر العائدين إلى لبنان هم من "وحدة الرضوان"، التي تعد قوى النخبة ضمن صفوف الميليشيا ورأس حربتها في المواجهة العسكرية المباشرة. وتنتشر "الرضوان" في القصير والزبداني والقلمون ولديها معسكرات معسكرات خاصة بها بالقرب من بلدة الضمير في ريف دمشق وأخرى في ريف حمص الشرقي.
عبر سوريا.. استدعاء كوادر وشخصيات قيادية من اليمن والعراق
لم تقتصر عملية الحشد التي بدأها حزب الله تزامناً مع التصعيد العسكري الأخير على الحدود اللبنانية الإسرائيلية على تعزيز قواته في الجنوب باستدعاء جزء من قواتها في سوريا فقط، وإنما طالت كوادر قيادية ومدربين من العراق واليمن.
مصادر خاصة لموقع تلفزيون سوريا كشفت عن عودة مختصين بتدريب طواقم على تشغيل وإدارة واستخدام طائرات مسيرة وأنظمة صاروخية مباشرة وموجهة من اليمن والعراق إلى سوريا منذ بداية شهر أيلول الجاري، وغادروا تجاه لبنان بشكل فوري.
ويشرف خبراء ومختصون من حزب الله اللبناني على برامج عسكرية لميليشيا "أنصار الله" اليمنية، تتضمن تطوير وتشغيل أنظمة الصواريخ الموجهة المضادة للدروع والتحصينات، والتعامل مع الأسلحة الكيميائية وآليات دمجها مع الصواريخ الحرارية.
وأواخر العام 2022 كشف مصدر أمني سعودي لموقع نداء سوريا أن النظام السوري يُنظم ويُقدم تسهيلات لحزب الله وميليشيا الحرس الثوري الإيراني في استخدام الأراضي السورية كمعسكرات تدريب للميليشيا اليمنية، مؤكداً أن مجموعات للأخيرة خضعت لتدريبات عسكرية عدة مرات في منطقة الدريج بريف دمشق.
ميليشيات عراقية تسد الفراغ
كشفت مصادر موقع تلفزيون سوريا عن وصول ما لا يقل عن 150 مقاتلاً عراقياً قادمين من محافظة دير الزور إلى كل من البادية السورية وريفي حمص الشرقي والجنوبي خلال يومي الجمعة والسبت 20 و21 من أيلول الحالي.
ولم يتسنَ لمصادر تلفزيون سوريا التأكد ما إذا كان عناصر الميليشيات العراقية قد وصلوا إلى مواقعهم الحالية في سوريا كوجهة نهائية ليسدوا الفراغ الذي أحدثه انسحاب "حزب الله" من بعض القطاعات، أو إذا سيتم نقلهم في وقت لاحق إلى لبنان لتعزيز جبهة حزب الله.
عمليات مشتركة لمحور إيران
وصول المقاتلين العراقيين إلى العمق السوري وإلى مناطق قريبة من الحدود السورية - اللبنانية جاء عقب أسبوع واحد من كشف قائد ميليشيا "كتائب سيد الشهداء" أبو علا الولائي لوسائل إعلام إيرانية عن دخولهم في "المرحلة الرابعة" من المواجهة مع إسرائيل، والتي تهدف لتنظيم عمليات مشتركة مع كل من ميليشيا الحوثي وحزب الله، دون الحديث عن تفاصيل أكثر حول هذه المرحلة.
وقال الولائي إن المرحلة الأولى تأطرت في استهداف قواعد عسكرية لحلفاء إسرائيل في المنطقة، والمرحلة الثانية تم خلالها توسيع نطاق العمليات، فيما تضمنت المرحلة الثالثة تنفيذ هجمات مشتركة ومتزامنة مع ميليشيا الحوثي.
ويشير تطور المراحل الذي كشف عنه الولائي إلى نية الميليشيات العراقية بالمشاركة الميدانية في العمليات ضد إسرائيل، خصوصاً وأنه تحدث عن وجود غرفة عمليات مشتركة وخطاً ساخناً لمتابعة المجريات العسكرية بين كل جماعات المحور الذي تديره طهران في سوريا واليمن والعراق ولبنان.
جبهة الجولان
مطلع شهر أيلول الحالي، أشرف قياديون من "وحدة الرضوان" على تنظيم جولات ميدانية تعريفية جنوبي سوريا لشخصيات قيادية من "كتائب علي الأكبر"، أحد تشكيلات حزب الله - العراق، والمسؤولة عن العمليات الخارجية للميليشيا العراقية، حسبما ذكر مصدر مقرب من حزب الله لموقع تلفزيون سوريا.
وتركزت الزيارات حينها إلى ريف مدينة القنيطرة وريف دمشق، تخللها إجراء جولات قصيرة في القرى والبلدات الواقعة على مقربة من خط وقف إطلاق النار، فيما رجحت المصادر أن يكون هدف الجماعة العراقية للخطوط الأمامية بقصد فهم طبيعة المنطقة جغرافياً وميدانياً في حال اضطرت لدخولها إلى جانب الميليشيا اللبنانية أو بديلاً عنها.
والتقى مسؤولو الجماعة العراقية قبل جولتهم على حدود الجولان مع ضباط من فرع سعسع، تلاها لقاءات مع ضباط عسكريين من فرق وألوية تتبع لجيش النظام السوري في كل من القنيطرة ودرعا.
الاستدعاء الذي بدأه "حزب الله" وسحب مئات العناصر والكوادر من سوريا ودول أخرى لا يعني انسحاباً للحزب من سوريا بعد 14 عاماً من تدخله في سوريا لحماية النظام السوري من السقوط، وإنما إجراء تكتيكي بناء على التهديد والتصعيد الإسرائيلي في لبنان، وفي حال التوصل لاتفاق يبدد شبح الحرب عن لبنان فسيعود "الحزب" إلى سوريا بقوات أكبر.