كيف يمول حزب الله "حروبه" من تجارة المخدرات في غربي أفريقيا؟

تتضاعف تجارة المخدرات وتولد مبالغ فلكية في كل أرجاء العالم لا سيما في دولة ساحل العاج "كوت ديفوار" التي باتت تعتبر أحد أبرز منابع التمويل لـ"حزب الله" اللبناني عبر تهريب الكوكايين.

وأجرت مجلة "MO" البلجيكية "لقاءً سرياً" مع شخص مطلع من الجالية اللبنانية في مدينة أبيدجان حول تجارة المخدرات في الدولة الأفريقية حيث كشف عن الدور البارز الذي يلعبه حزب الله في تلك التجارة لاستخدم عائداتها لتمويل حروبه.

سيتفاجأ ذلك الشخص الذي يتسكع في وقت متأخر من الليل - في مدينة أنتويرب البلجيكية إذا عرف أين يمكن أن تذهب الأموال التي دفعها مقابل غرام واحد من الكوكايين. ستذهب لحساب مقاتل في سوريا يقاتل إلى جانب نظام الأسد وإيران.

وتبدأ هذه القصة في أبيدجان، العاصمة الاقتصادية لساحل العاج التي تعد موطناً لجالية لبنانية كبيرة يقدر عددها بنحو 130 ألفاً والذين يسكن معظمهم في منطقة ماركوري "بيروت الصغيرة" في أبيدجان.

اقرأ أيضاً

مسار تصنيع وتهريب المخدرات باتجاه الأردن عبر الجنوب السوري وأسماء القائمين عليه

وبعيداً عن ماركوري قدر الإمكان، أجرت المجلة البلجيكية المقابلة مع أحد المطلعين على المجتمع اللبناني.

"اسمي السيد إكس"، يقول الرجل اللبناني الجالس على الطاولة وهو يشعل سيجارته الثالثة قبل أن ينطق بأولى كلماته، ويضيف أن المعلومات التي سيقدمها لنا قد تكلفه حياته، ولذلك تم إخفاء هويته بالكامل.

وظهرت أبيدجان مؤخراً على رادار محققي تهريب المخدرات، وفي نهاية عام 2018، قرع مجلس الأمن الدولي جرس الإنذار: المخدرات تهدد بزعزعة استقرار القارة الأفريقية.

ويتكون العمود الفقري لجهاز الأمن للرئيس الإيفواري الحسن واتارا من قادة المتمردين السابقين الذين اغتنوا خلال الحرب بسبب تهريب المخدرات والأسلحة والبشر.

"لاعب لا غنى عنه"

في أبيدجان، توجد عصابات المافيا الإيطالية "ندرانجيتا" و"كامورا" لكن الرجل اللبناني يخبرنا عن لاعب ثالث مهم لا غنى عنه: "70٪ من تهريب المخدرات في أبيدجان في أيدي اللبنانيين".

ويروي بالتفصيل كيف أن عملية نقل الأموال وغسيل الأموال يحتكرها بشكل أساسي المجتمع اللبناني خصوصاً "حزب الله".

لنفترض أنني تاجر لبناني في ساحل العاج وأربح المال من خلال استيراد وتصدير الأسلحة والمخدرات، ولقد دفعت مقابل ذلك نقداً كي يكون المال غير قابل للتعقب.

يجب دفع جزء من الأموال لمديري تلك العملية في لبنان - حيث يتم التحكم بالعملية - لأن استخدام النظام المصرفي الدولي محفوف بالمخاطر للغاية، إذا سأدفع لشخص هنا نقداً وهذا الشخص يوجه شخصاً آخر في لبنان لدفع نفس المبلغ إلى الشخص المناسب.

ويتحدث الرجل اللبناني عن ثلاثة أشخاص في أبيدجان ينفذون هذه العمليات "لديهم 10 موظفين ويطلبون دفع 5 بالمئة ويتم استثمار 5 بالمئة في محال السوبر ماركت والمطاعم والأراضي الكبيرة الخالية وتشييد المباني الجديدة".

وتم بناء معظم المباني السكنية في ماركوري بهذه الأموال، وقبل عشر سنوات لم يكن هناك شيء في ذلك المكان، والآن هناك ناطحات سحاب.

وعلى عكس أوروبا، لا يوجد أي فحص على الإطلاق بشأن مصدر الأموال التي تستخدمها لبناء أو شراء مبانٍ جديدة.

ويتحدث الرجل اللبناني عن نظام غسيل الأموال والذي يسمى في عالم الجريمة الدولية "المغسلة": "من المفترض أن الشقق مؤجرة، لكن السكان الرسميين هم في الغالب من الأطفال، دون سن 18 عاماً، كل شهر يتم وضع ما يعادل الإيجار في البنك، وبالتالي يتم إدخال أموال الجريمة في النظام الاقتصادي الرسمي".

ويجب إرسال جزء من الأموال إلى لبنان، أولئك الذين ينظمون نقل الأموال ويقتربون من الشباب اللبنانيين الفقراء والعاطلين عن العمل الذين بالكاد يبلغون من العمر 20 عاماً. يطلبون منهم السفر إلى لبنان ويعطونهم حقيبة سفر لا يسمح لهم بمعرفة ما بداخلها والحصول على 20 ألف دولار مقابل ذلك، كما تحصل أسرتهم على 100 ألف دولار، ثم يتم إبلاغ سلطات المطار عن الرجال الذين سيسمحون لهم بالمرور.

تمثيلية وفساد

لكن السلطات لا تتغاضى دائماً عن هذه الممارسة، فهاشم أحمد، مواطن فرنسي يبلغ من العمر 20 عاماً ويحمل جواز سفر لبنانياً، اعتُقل في مطار أبيدجان في 31 أيار / مايو 2019، عثرت الشرطة على 4.5 ملايين يورو في حقيبته، وكان في طريقه إلى بيروت.

وهنأت السفارة الأميركية السلطات الإيفوارية على هذا الإجراء، لكن ذلك لم يكن أكثر من "تمثيلية"، فوفقاً للرجل اللبناني "بعد بضعة أشهر، تم إطلاق سراحهم.. القاضي جزء من اللعبة".

ولا يهتم حزب الله فقط بعمليات الاتجار بالمخدرات وغسيل الأموال لحسابه الخاص، ولكنه يقدم بنفس الطريقة المساعدة لمختلف عصابات المافيا التي تنشط بالميناء.
"هناك 20 شركة لبنانية كبيرة تسجل أموال الجريمة في حساباتها لخدمة حزب الله، يتم غسل الأموال السوداء في الربح ثم تحويلها لحزب الله على سبيل التبرع"، حسبما يقول الرجل اللبناني.

تمييز وانتقام

وعن سبب إفصاح الرجل اللبناني عن تلك المعلومات يقول: "إذا كنت لست عضواً بحزب الله لن تحصل على وظيفة، يتم التمييز ضدك، أنا شيعي لكن لست عضواً، إذاً أنا غير موجود.. إنهم يصلون ثم يكسبون الملايين من تجارة المخدرات!"، مضيفاً "هذا هو انتقامي منهم".  
وكشف تقرير نشرته جامعة "بار إيلان" الصيف الماضي في تل أبيب عن معاملات شركة الاستيراد والتصدير "Global Trading Group"، كانت تلك الشركة مملوكة لرجل الأعمال اللبناني ناصر عباس باحمد الذي شغل أيضاً منصباً رفيعاً بحزب الله.

ونقلت شركة "جي تي جي جلوبال" أطناناً من الكوكايين المقنع بصورة "فحم" لسنوات من المثلث الحدودي بين البرازيل وباراغواي والأرجنتين إلى غربي أفريقيا وأوروبا والشرق الأوسط، وتمتلك الشركة مكتبين أفريقيين أحدهما في أبيدجان.

ويقول الإنتربول منذ عام 2009 إن تهريب المخدرات عبر غربي أفريقيا يمثل جزءاً كبيراً من عائدات الحزب.

ويقول الرجل اللبناني والعديد من سكان أبيدجان إن "المنطقة 4" هي المكان الذي يتم فيه غسل الأموال على نطاق واسع من خلال بناء المباني السكنية، والتي تزداد يوماً بعد يوم.

وتظهر الاستقصاءات أيضاً أن هناك روابط بين حزب الله و"المسجد الذهبي" الموجود عند بوابة ماركوري، وتم تصنيف الإمام السابق للمسجد الشيخ عبد المنعم القبيسي على أنه من أنصار حزب الله من قبل واشنطن عام 2009 وطردته السلطات الإيفوارية من البلاد.

جمعية غدير

وتم بناء المسجد من قبل جمعية الثقافة الإيفوارية اللبنانية "غدير"، ثم أسندت مشاريع البناء الخاصة بها إلى شركة "Arch Consulting"، وهي شركة إنشاءات لبنانية لها أعمال في أبيدجان وتم إدراجها على قائمة العقوبات الأميركية العام الماضي لدعمها حزب الله.

بالإضافة إلى مسجد وشبكة مدارس، تدير "غدير" أيضاً مجموعة "كشافة" التي يحمل الزي الرسمي لأعضائها صورة آية الله الخميني، بحسب وثائق نشرتها المخابرات الإسرائيلية.

ووفقاً لتقرير صادر عن معهد "إبا إيبان" للدراسات الدبلوماسية الدولية الإسرائيلي، يتم استخدام عائدات تجارة المخدرات لتمويل العمليات العسكرية لحزب الله إلى جانب إيران، ويقدر "إبا إيبان" أن ربع إلى خمس إجمالي عائدات المخدرات على طول الطريق ينتهي بها المطاف في أيدي حزب الله.

بهذه الأموال يتسلح حزب الله ويدفع أجور مسلحيه ويعوض عائلات قتلاه لا سيما قتلاه في الحرب السورية حيث يقاتل إلى جانب الأسد.

قيادة مباشرة من طهران وعلاقتها بـ"ملائكة الموت"! 

وبناءً على معلومات حول عمليات ضبط واعتقالات متهمين بتهريب مخدرات على الأراضي الأوروبية، يتحدث معهد الأبحاث الإسرائيلية عن صلة مباشرة بين الحرس الثوري الإيراني والأشخاص الذين يسيطرون على تجارة المخدرات الدولية.
وتُستخدم عائدات تهريب المخدرات في تمويل عمليات حزب الله لخدمة إيران، ويقال إن هناك مهربين أوروبيين يخضعون للقيادة المباشرة من مبعوث حزب الله في طهران، وفقاً لأدلة "إبا إيبان".

وفي أيار / مايو 2011، ألقي القبض على اللبناني زكريا قليلات في بلجيكا، الذي قام وفقاً لوكالة مكافحة المخدرات الأميركية (DEAA)، بالتحضيرات لإنشاء خط مخدرات بين كولومبيا وبنين.
كان شقيقه علي قليلات، الذي تم اعتقاله وتسليمه لواشنطن، وراء عملية نقل مخدرات فاشلة من جمهورية الدومينيكان إلى مطار ديورن بالقرب من أنتويرب في بلجيكا، ووفقاً لواشنطن، لدى علي علاقات مع حزب الله.

كما كشف صحفيون من صحيفة ديلي تليغراف في خريف عام 2020 عن العلاقات بين إيران والمجرم الهولندي من أصل مغربي رضوان تاغي، وهو زعيم لأخطر عصابات المخدرات في أوروبا وأفريقيا وهي منظمة "ملائكة الموت" الإجرامية قبل اعتقاله في دبي حيث مكث، وكان تاغي يسافر إلى إيران دون أي عوائق وصعوبات ويتمتع بحماية الحكومة الإيرانية بوساطة من حزب الله.