icon
التغطية الحية

كيف أودت عمليات التجارة في سوريا بحياة قادة فيلق القدس وحزب الله؟

2024.10.08 | 06:02 دمشق

قادة الفيلق
تصاعد الغموض ليضيف للقضية مزيدا من عدم اليقين مع أنباء غير مؤكدة لم تنفها طهران رسمياً حتى الآن تفيد بمقتل إسماعيل قاآني ـ إنترنت
تلفزيون سوريا ـ ضياء قدور
+A
حجم الخط
-A

 ما يثير الجدل والاستغراب في الآونة الأخيرة هو عجز إيران وحزب الله حتى الآن عن فهم كيفية تمكن إسرائيل بشكل متكرر من تحديد مواقع قادة حزب الله، بدءا من قمة الهرم وصولا للعناصر القيادية الأخرى في الحزب.

ففي 30 يوليو/تموز 2024، استهلت إسرائيل حملتها المكثفة لاستهداف كبار قادة الصف الأول في حزب الله عندما اغتالت فؤاد شكر، المسؤول العسكري المركزي الأول لحزب الله، في ضربة نادرة للضاحية الجنوبية في بيروت، بعد أن كانت حملتها المتصاعدة من الاغتيالات المستهدفة تتركز على ضرب القادة الميدانيين في الصف الثاني والثالث للمجموعة العسكرية.

وفي خضم صمت حركي وتردد إيراني للرد، اكتسبت التحركات الإسرائيلية جرأة مثيرة للدهشة عندما أخرجت الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله من المشهد في ضربة كثيفة ومركزة على المقر المركزي للحزب في الضاحية الجنوبية في بيروت نهاية الشهر المنصرم.

وبعد أسبوع تقريباً، بدا الأمن المعلوماتي لحزب الله وكأنه منهار تماماً مع توارد الأنباء غير المؤكدة رسمياً من قبل حزب الله على الأقل والتي أفادت بمقتل هاشم صفي الدين الأمين العام الجديد المحتمل لحزب الله.

وتصاعد الغموض ليضيف للقضية مزيداً من عدم اليقين مع أنباء غير مؤكدة لم تنفها طهران رسمياً حتى الآن تفيد بمقتل إسماعيل قاآني، قائد فيلق القدس الإيراني، برفقة هاشم صفي الدين، في أضخم غارة تعرضت لها ضاحية بيروت منذ بدء الحرب.

وفي حين يبدو اغتيال قاآني مستبعداً في الوقت الحالي، لأن ذلك سيبدو بمنزلة خطأ فادح لا يرتكب على الرغم من حالة الفوضى التي يعيشها حزب الله، فإن اغتيال قادة ميدانيين في حزب يتمتعون بنشاطات حركية مستمرة تعرضهم للكشف الخطير لا يمكن مقارنته بوضع كبار القادة المتحصنين في منشآت تحتية بعمق أكثر من 30 متراً تحت الأرض ويتمتعون بإجراءات حماية شخصية وإجراءات احترازية خاصة.

اختراق سلاسل التوريد.. تسريب إيراني 

على المستوى المحلي، بات من الواضح أن قدرات إسرائيل التكنولوجية والتجسسية وتوظيف ذلك بالاستعانة بعنصر بشري متعاون على الأرض هو عنصر حاسم في أن تمتلك إسرائيل تدفقاً هائلاً ومستداماً من المعلومات تساعدها على اختراق الأمن المعلوماتي والحماية السرية لحزب الله على مستويات مختلفة.

بالإضافة إلى ذلك، كانت الحرب في سوريا وانخراط حزب الله بفعالية فيها لصالح النظام السوري إحدى النوافذ التي ساعدت إسرائيل في مراكمة قاعدة بيانات شبه متكاملة عن قادات وتحركات الحزب.

لكن سرعة الاستجابة الإسرائيلية ومعرفتها بتفاصيل مملة يدفع المرء للاعتقاد أن القضية أكثر تعقيداً وتركيباً من ذلك.

كانت عملية البيجر الإسرائيلية إحدى أكثر العمليات الاستخبارية تعقيداً من ناحية التحضير والتنفيذ والهندسة الاجتماعية، لكن الشيء الأهم فيها هو قدرة إسرائيل على اختراق سلاسل التوريد التجارية لحزب الله وتحويلها بطريقة تخدم الأهداف الإسرائيلية.

بالنسبة لأضخم وأقوى جماعة عسكرية في الشرق الأوسط مثل حزب الله، كانت سرعة الانهيار الأمني والاستخباري مذهلة.

وأظهر حجم الدمار الذي خلَّفه قصفيان متتاليان على الضاحية الجنوبية (استهداف نصر الله وهاشم صفي الدين) والقنابل الخارقة للتحصينات المستخدمة أن لدى إسرائيل معلومات مفصلة عن البنية التحتية لحزب الله في الضاحية الجنوبية.

ومن المثير للاهتمام أن نعرف أنه مع بداية مشروع آماد للسلاح النووي الإيراني، تشير بعض الملفات المسربة إلى أن المشاركين في هذا المشروع سافروا إلى لبنان للاستفادة من تجارب حزب الله لبناء منشآت قوية تحت الأرض.

ومع أنه من الصعب فهم علاقة مشروع آماد النووي بفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، إلا أن وثيقة أرشيفية أخرى تلقي بعض الضوء على هذه العلاقة.

الملف المسرب

في رسالة في أوائل عام 2001 إلى وزير الدفاع، موقعة من الدكتور سيد علي حسيني تاش، الضابط في الحرس الثوري، ورئيس معهد التدريب والأبحاث للصناعات الدفاعية، تشكر فيلق القدس على مساعدة وفد مشروع آماد في زيارة خارجية.

وتشير الوثيقة إلى أن الزيارة تمت إلى لبنان في أواخر عام 2000 أو أوائل عام 2001 [نهاية العام الشمسي الفارسي 1379] وتهدف إلى طلب المساعدة من ذوي الخبرة الواسعة في ذاك البلد في بناء المنشآت تحت الأرض.

وكتب تاش: "وبتنسيق واستضافة فيلق القدس، سافر وفد الخبراء إلى الدولة المذكورة وقام بزيارة بعض المشاريع وأجرى مفاوضات مع بعض الشركات والأشخاص المؤثرين".

وأنهى الرسالة قائلاً: "في الختام، أود أن أعرب عن امتناني وتقديري للمساعدة التي قدمها الحرس الثوري الإيراني، وخاصة قائد فيلق القدس، لمشروع آماد التنظيمي".

في ظل عدم وجود فكرة عن الحجم الكامل للمعلومات التي تم تسريبها (ملفات، مقاطع فيديو وصور، وخرائط) من الأرشيف النووي في شورآباد، ليس بعيداً عن الأذهان أن تكون مخططات مخبأ حسن نصر الله قد وقعت في يد إسرائيل من خلال الأرشيف منذ فترة طويلة.

إن ضعف قدرة إسرائيل على الوصول إلى قادة إقليميين أقل احتكاكاً بالقادة الإيرانيين كقادة حركة حماس مثلاً مقارنة بقادة حزب الله وبقية الضباط الإيرانيين المنتشرين في سوريا يؤكد التصور القائل بأن التسريب الأهم والحاسم مصدره إيراني بالدرجة الأولى.

تجارة ضباط فيلق القدس نافذة مهمة للاختراق الاستخباري الإسرائيلي

في مطلع أبريل/نيسان الماضي، دمرت غارة جوية إسرائيلية المبنى الملحق بالقنصلية الإيرانية المجاور للسفارة الإيرانية في العاصمة السورية دمشق، مما أسفر عن مقتل 7 ضباط إيرانيين رفيعي المستوى، كانوا في اجتماع مع رئيسهم العميد رضا زاهدي، قائد بلاد الشام (سوريا ولبنان) في فيلق القدس، والعنصر غير العربي الوحيد في مجلس شورى حزب الله.

وفي حين كان من المقرر أن يتمتع أرفع قيادي إقليمي تخسره إيران بعد سليماني والرجل الثالث في فيلق القدس، بإجراءات أمنية وحماية سرية مشددة، طالته الغارات الإسرائيلية بسهولة في الزمان والمكان المحددين، مما دفع إيران لإبداء ردة فعل في عمليات سمتها حينذاك: الوعد الصادق1.

وفي حين كان المقرر أن ترسم إيران لنفسها معادلة جديدة تقوم على الرد المباشر على النيران وتعزز معادلة ردعها ومكاسبها من خلال العملية الأخيرة، على العكس من ذالك، بدأ موقفها الإقليمي بالانهيار بشدة مع خسارة ضابطين ثمينين آخرين في سوريا (العقيد سعيد آبيار، والعقيد أحمد رضا أفشاري) وبقية الأحداث والإحراجات الإقليمية الأخرى.

إن حقيقة أن إسرائيل تتمتع بكل هذا الاستشراف الاستخباري على عمليات فيلق القدس وحزب الله في سوريا ولبنان لا يمكن أن يكون نتيحة لعوامل محلية وتكنولوجية بحتة، إذ لا بد من نافذة استخبارية يتم من خلالها توفير كل هذا التدفق المعلوماتي المهم بشكل متزامن ومترابط.

مع اتساع الرقعة الجغرافية للسيطرة الإيرانية في سوريا تحول الاهتمام الإيراني من التركيز على القضايا العسكرية والأمنية إلى التركيز على الاقتصاد والتجارة والإيرادات المالية.

ونظراً لقدرة إسرائيل على الوصول إلى سلسلة إمداد محور المقاومة؛ فإن أحد الاحتمالات القوية هو أن الاختراق الاستخباري الإسرائيلي ينبع من كون قادة فيلق القدس حلفائهم في حزب الله منخرطين في أعمال تجارية مختلفة سواءٌ في سوريا أو إيران أو لبنان، مما يعرضهم للكشف والملاحقة المستمرة.

فيلق القدس يتاجر في سوريا

وفي هذا الصدد، يكشف تلفزيون سوريا عن ملف سري مسرب لشركة مستضعفان الإيرانية، إحدى كبرى الشركات التابعة للمرشد الأعلى للنظام الإيراني، يُظهر تقريراً عن المهمات الخارجية لمسؤولي بنياد إلى كل من سوريا ولبنان والعراق، ولقاءاتهم مع مسؤولين عسكريين وأمنيين من فيلق القدس وحزب الله لتسيير أعمال تجارية مختلفة.

ومن بين ما يلفت الانتباه، أن تقترح مؤسسة بنياد خلال لقائها مع الرجل الثاني في فيلق القدس، ونائب قوة القدس (العميد محمد رضا فلاح زاده) في سوريا إنشاء مشروع وشركة مشترك بحصة 49% لمستضعفان في سوريا.

sds

وتؤكد مثل هذه المعلومات أن فيلق القدس يعنى بقضايا اقتصادية وتجارية متنوعة في مختلف المجالات في سوريا وله ارتباطاته وتشعباته الخاصة التي من شأنها أن تفتح ثغرة استخبارية مهمة نحو هذا الجسم العسكري.

ويظهر الملف أيضاً زيارة قام بها الوفد الإيراني إلى الأراضي الصالحة لتربية الحيوانات في سوريا وتفاوضهم مع مسؤولي فيلق القدس والباسيج في سوريا بشأن إحيائها (مشروع مبقرة زاهد).

وعلى الجانب اللبناني أيضا، يظهر لقاء مع النائب الاجتماعي لحزب الله ومديريه الآخرين وتوقيع مذكرة تفاهم بشأن المشاركة في مشاريع زراعية وتربية حيوانية (49 سهماً تملكها مستضعفان و51 سهماً لحزب الله).

وكان تلفزيون سوريا قد واظب خلال العامين الماضيين على كشف ملفات سرية سربتها مجموعة هكر معارضة مقربة من منظمة مجاهدي خلق الإيرانية، تظهر كيف أن النظام الإيراني يسعى لتحصيل ديونه التي فاقت خمسين ملياراً في القطاع المدني فقط على نظام الأسد.

وفي التفاصيل، أظهرت الملفات المسربة التي عرضها تلفزيون سوريا كيف سعت الشركات الإيرانية المدارة من قبل المرشد الأعلى وضباط الحرس الثوري الإيراني، لا سيما شركة خاتم الأنبياء ومؤسسة مستضعفان، للسيطرة على قطاعات حيوية من الثروات السورية، كالفوسفات والموانئ والبلوكات النفطية وقطاع الاتصالات بالشراكة مع حزب الله وبقية المتعاونيين المحليين الآخرين كقاطرجي وناهد مرتضى أمثاله من رجال الأعمال السوريين المقربين من إيران.

إن نظرة على تقرير سابق لتلفزيون سوريا حول حصول شركة خاتم الأنبياء التابعة للحرس الثوري على عقد لاستثمار أكثر من مليار طن من الفوسفات السوري من خلال شركاتها الفرعية، والأهم ذلك جدول التوزع الجغرافي لبيع ونقل تربة الفوسفات السورية نحو الوجهات العالمية في إيران وسوريا والهند وتركيا واليونان وأوكرانيا وصربيا وإيطاليا وبلاروسيا وحتى البرازيل، يبين حجم الشركات الدولية المتعددة الجنسيات التي اضطر ضباط فيلق القدس والحرس الثوري للتعامل معها من أجل تيسير هذه العمليات التجارية.

وفي خضم هذه العملية، سعى الحرس الثوري لتقديم حصة من الغنائم والأرباح لحزب الله، حيث تشير فقرة أخرى من الملف المسرب بالفعل إلى توقيع عقد مع شركة يارا اللبنانية، إحدى المؤسسات التابعة لحزب الله، بقيمة 35 مليون دولار لبناء منشأة معايرة الفوسفات في سوريا، وبدء عمليات إعادة الإعمار فيها.

وفي ملف آخر نشره تلفزيون سوريا، يظهر كيف سعى ممثل فيلق القدس في سوريا وأحد المشرفين السابقين على مشاريع مستضعفان في سوريا، العقيد غلبرست، بأوامر من قاآني، لمقايضة أراضٍ سورية يمتلكها فيلق القدس مع أراضٍ إيرانية تمتلكها مؤسسة مستضعفان.

وبحسب المعلومات، فإن هذه المقايضة ستكون بداية مشروع صغير تَبدؤه بايا سامان بارس من خلال شركتها الفرعية (خانه) بمبلغ أولي مقدر بـ 5 ملايين دولار تمت الموافقة عليه للاستثمار من قبل بنياد مستضعفان، ومن ثم سيتم التمهيد لتنفيذ مشاريع طويلة الأمد في سوريا.

وفي الطرف المقابل، يؤكد العقيد غلبرست، نائب قائد فيلق القدس في سوريا، وأحد المشرفين السابقين على مشاريع مستضعفان في سوريا، أن مجموعة الحرس الثوري وفيلق القدس موافقان على الشراكة أو مقايضة أراضٍ سورية بأخرى إيرانية، وحصل في هذا الإطار على موافقة قائد فيلق القدس إسماعيل قاآني.

إن نظرة عامة على هذه المعلومات المسربة يظهر كيف أن انخراط ضباط فيلق القدس على أعلى المستويات في أعمال تجارية واقتصادية متنوعة وتواصلهم مع جهات محلية ودولية مختلفة جعلهم غير محصنين ومعرضين للكشف والملاحقة بسهولة.