نشر موقع "Face2Face Africa" تقريراً، تحدث فيه عن حادثة أسر طيار أميركي إبان الحرب الأهلية اللبنانية في العام 1983، وكيف أقنع القس الأميركي، والناشط في مجال الحقوق المدنية في الولايات المتحدة، جيسي جاكسون رئيس النظام السابق، حافظ الأسد، بإطلاق سراحه. فيما يلي ترجمته.
قبل ثلاثة عقود، وتحديداً في 4 كانون الأول من العام 1983، أصبحت الطائرات الأميركية هدفاً لنيران مضادات الطائرات السورية. حينذاك تم إسقاط طائرة الملازم في سلاح الجو الأميركي روبرت أو غودمان، على القرب من الحدود السورية مع لبنان، حيث قُتل شريكه الملازم أول مارك لانج، وألقت القوات السورية القبض على غودمان وأخذته إلى دمشق، حيث احتجز هناك حتى استطاع القس الأميركي جيسي جاكسون المساعدة في إطلاق سراحه في 3 كانون الثاني من العام 1984.
كان لبنان يعيش حرباً طائفية في الوقت الذي أسقطت فيه طائرة غودمان، وكان العديد من الفصائل اللبنانية والسوريون والإسرائيلون يتقاتلون فيما بينهم ، حينذاك أرسلت الولايات المتحدة قواتها كجزء من قوة كبيرة متعددة الجنسيات، للمساعدة في التوسط بإحلال السلام، إلا أن القوات الأميركية أصبحت هدفاً لنيران مضادات الطائرات السورية.
في قبضة القوات السورية
في يوم 4 كانون الأول من العام 1983، أقلع الطياران غودمان ولانج في طائرة "A6-E Intruder" من حاملة الطائرات " USS John F. Kennedy" التي كانت راسية قبالة السواحل اللبنانية، وكانت مهمة الطيارين إلقاء 1000 رطل من القنابل على الدبابات السورية ومضادات الطائرات في سهل البقاء اللبناني، على القرب من الحدود السورية.
إلا أنه سرعان ما أُسقطت طائرتهما فوق الأراضي اللبنانية واشتعلت فيها النيران، وتمكن غودمان ولانج من الهبوط بالمظلة على الأرض، لكن غودمان وجد نفسه في وقت لاحق مقيداً وملقى به في مؤخرة شاحنة ولم يكن يعرف في ذلك الوقت من أسره وإلى أين سيأخذونه.
بعد أن نُقل إلى دمشق وبدء استجوابه، أدرك غودمان من هم آسروه، عرف أنهم جنود سوريون عندما لاحظ صورة حافظ الأسد معلقة على الحائط، كما أدرك أن زميله لانج توفي متأثراً بجراحه.
استجوب الجنود السوريون غودمان حول مهمة القصف وأهدافه، وماذا كانت تحمل طائرته، لكن الطيار الأميركي حرص على عدم إعطائهم أي تفاصيل.
يتذكر غودمان ما حدث معه ذلك اليوم، يقول "لم يكونوا عدوانيين، لم يهددوني، لقد كانوا فقط مثابرين"، ويضيف "كان الأمر مرهقاً، لأنني كنت أحاول اختلاق الأشياء، وتذكر ما كنت أقوم بتأليفه في حال سألوني عنه مرة أخرى".
لحم الخنزير ومشروب البيرة في عشاء ليلة الميلاد
يشير غودمان إلى أنه على الرغم من تعرضه للضرب مرة واحدة، فإن خاطفيه عاملوه بشكل جيد في معظم الأحيان، حتى إنهم قدموا له لحم الخنزير مع زجاجتين من مشروب البيرة في عشاء ليلة عيد الميلاد.
ويضيف أنه احتُجز في غرفة إسمنتية بمساحة أقل من 6 أمتار مربعة في مجمع أمني في دمشق، قبل أن يتم نقله لاحقاً إلى غرفة نوم في الطابق العلوي، حيث جرى استجوابه حول مهمته.
كانت أكبر مخاوف غودمان ألا يعرف أحد من العالم الخارجي ما حدث له، لكن بعد نحو أربعة أيام في الأسر، زاره أحد أعضاء اللجنة الدولية للصليب الأحمر، وأخبره أن عائلته وآخرين يبذلون جهوداً لإعادته إلى المنزل.
القس جاكسون يفاوض حافظ الأسد
في ذلك الوقت، احتل أسر غودمان عناوين الصحف في جميع أرجاء العالم، وفي الولايات المتحدة الأميركية، تلقى القس جيسي جاكسون، الذي كان مرشحاً حينذاك لمنصب الرئاسة الأميركية عن الحزب الديمقراطي، مكالمة من والدة غودمان تطلب منه المساعدة في إطلاق سراح ولدها، وأخذ جاكسون على عاتقه مقابلة حافظ الأسد.
حذّر الرئيس الأميركي حينئذ، رونالد ريغان، القس جاكسون من أنه إذا ارتكب أي خطأ فسيتحمل وحده المسؤولية، ومع ذلك سافر جاكسون إلى سوريا مع وفد من الزعماء الدينيين، بما في ذلك القس إرميا رايت ولويس فراخان.
يقول القس جاكسون "كنا على استعداد للذهاب بمفردنا على أجنحة الإيمان والمجازفة، لأنني كنت أعرف كيفية التفاوض".
في دمشق، التقى جاكسون عدداً من كبار المسؤولين السوريين، قبل أن يلتقي مع حافظ الأسد وجهاً لوجه، في 2 كانون الثاني من العام 1984.
عن مقابلته مع الأسد، يقول جاكسون "لقد كان جاداً، ولم نكن نحن حازمين، لكن مصممين على إطلاق سراح غودمان"، ويضيف "حجة الأسد كانت أن الطيار غودمان لم يكن سائحاً بل جندياً، ولم يكن من المفترض به أن يكون هناك، بينما كانت حجتي أن ذلك كان خطأ، وأن غودمان لم يكن في مهمة قصف في سوريا، والإفراج عنه سيكون إشارة على حسن النية".
في اليوم التالي، 3 كانون الثاني، تم إطلاق سراح غودمان بعد شهر في الأسر.
رونالد ريغان شكر حافظ الأسد
في العام 2014، وعند تفكيره في المفاوضات التي أدت إلى الإفراج عن غودمان، يتذكر القس جاكسون "أعتقد أن جزءاً مما جعل ذلك ممكناً هو أننا حاولنا"، موضحاً أنه "كانت لدينا الرغبة في المخاطرة".
ويوضح جاكسون "نحن نمثل شريحة واسعة من الشعب الأميركي، ولأننا كنا نمثّل المصلحة الفضلى لبلدنا وجنودنا، أعتقد أن ذلك أثار إعجاب حافظ الأسد أيضاً، عندما التقيت به شددت التأكيد عليه حتى لا يدعنا نعود إلى بلدنا صفر اليدين".
يؤكد القس الأميركي على أنها "كانت لحظة سعيدة عندما جلس غودمان في مؤخرة الطائرة العسكرية الأميركية التي كانت تقله إلى منزله".
بعد عودته إلى الولايات المتحدة، دعا الرئيس ريغان غودمان والقس جاكسون إلى البيت الأبيض، قال جاكسون إنه طلب من ريغان حينذاك التحدث إلى حافظ الأسد وتقديم الشكر له على إطلاق سراح غودمان، ويشير إلى أن ذلك ساعد كثيراً في تحسين العلاقات بين الولايات المتحدة وسوريا، في حين واصل الطيار غودمان مسيرته العسكرية قبل تقاعده من البحرية في العام 1995.
يشار إلى أن القس جيسي جاكسون رجل دين وزعيم سياسي وأحد الدعاة والناشطين الذين طالبوا بالحقوق المدنية للسود في الولايات المتحدة الأميركية، وكان مرشحاً للانتخابات الرئاسية الأميركي في عامي 1984 و1988 عن الحزب الديمقراطي.