كورسك.. هل بدأ العد التنازلي لخروج روسيا من سوريا؟

2024.08.16 | 06:20 دمشق

16565656565656565656565656565
+A
حجم الخط
-A

يغرق الروس أكثر فأكثر في همومهم الأوكرانية، فقد تطورت الحرب بشكل كبير بعد عامين ونيف من الغزو الروسي لأوكرانيا، معتمدين على عنجهية وثقة مطلقة بالنفس من مستبد كبوتين يعتقد أن المعركة ستكون نزهة بسيطة "عملية عسكرية خاصة" من المفترض أن "تستمر من ثلاثة أيام إلى أسبوعين" وستعود أوكرانيا لتكون حديقة خلفية له، وليس من حق الشعب الأوكراني اختيار رئيس لا يدور في فلك بوتين وسياساته، كما فعل حين قصفت طائراته الشعب السوري ومدنه، لأنه أراد الحرية من نظام بشار الأسد المستبد القاتل لشعبه الناهب لثروات بلاده العميل لقوى الخارج.

خلال هذه الفترة الطويلة من القتال العنيف، خسرت القوات الروسية نحو 600 ألف بين قتيل وجريح وأسير، بالإضافة إلى عشرات الآلاف من أنظمة الأسلحة الثقيلة، وهي تواجه أكبر تحدٍ لها منذ أن فشلت في احتلال أفغانستان في ثمانينيات القرن المنصرم، ومنذ أن استطاعت احتواء تمرد قوات فاغنر، التي وصلت قواتها إلى مشارف العاصمة موسكو.

مرّغ دخول قوات الجيش الأوكراني إلى منطقة كورسك الروسية منذ نحو عشرة أيام (6 من آب/ أغسطس الحالي) أنف بوتين في التراب، فهي المرة الأولى منذ عام 1941 التي تدخل فيها قوات أجنبية إلى أراضي روسيا، والصور القادمة من تلك المنطقة صدمت الشعب الروسي، وأذلت قيادته.

وأعلن زيلينسكي صباح الأربعاء السيطرة على 74 بلدة داخل روسيا، بينما قال قائد الجيش الأوكراني، أولكسندر سيرسكي، أن قواته سيطرت على أكثر من ألف كيلومتر مربع من الأراضي الروسية.

بينما قالت روسيا إنها أوقفت تقدم القوات الأوكرانية، وقدّرت أن مسلحي القوات الأوكرانية باتوا يسيطرون على 28 بلدة وقرية، بحيث بلغ عمق اختراق العدو في أراضي منطقة كورسك 12 كيلومتراً، والعرض على طول الجبهة 40 كيلومتراً.

العملية بلا شك - تقدم القوات الأوكرانية في الأراضي الروسية - جريئة إلى حدٍّ كبير، وتسعى إلى تحقيق عدة أهداف، منها تشتيت القوات الروسية وإجبارها على إيقاف تقدمها في الأراضي الأوكرانية للتركيز على صد القوات الأوكرانية المتقدمة ضمن الأراضي الروسية، والضغط على الروس من أجل الوصول إلى اتفاق سلام يتم فيه تبادل الأراضي المسيطر عليها بين الدولتين، ولاستعادة الأسرى الأوكرانيين عبر مبادلتهم بجنود روس.

تقوم هذه العمليات بزيادة استنزاف اقتصاد العدو الروسي، مما يقلل من فرص تقديمه المساعدة المالية لنظام الأسد.

التأثيرات المحتملة على سوريا

مما لا شك فيه أنه لا يوجد ترابط مباشر بين منطقتي عمليات عسكرية يفصل بينهما آلاف الكيلومترات، فكيف ستؤثر العمليات العسكرية في الأراضي الروسية على الأراضي السورية؟

لكن هناك بالتأكيد تأثيرات غير مباشرة يمكن الاستفادة منها لدعم الجهود الوطنية للخلاص من استبداد نظام الأسد، وإخراج قوات الاحتلال من بلادنا.

تقوم هذه العمليات بزيادة استنزاف اقتصاد العدو الروسي، مما يقلل من فرص تقديمه المساعدة المالية لنظام الأسد.

قد يبدو للوهلة الأولى أن نظام بوتين استطاع الالتفاف على العقوبات الغربية، ولم ينهَر اقتصاده، من خلال ما أوجده من بدائل، سواء أسواق جديدة بديلاً عن أسواق الغرب، أو الوصول إلى مصادر جديدة تورد لها ما تحتاجه من مواد وتقنيات، لكن اقتصاده سيتضرر على المدى الطويل، ولن يستطيع الاستمرار في محاولاته التوسع خارج حدوده هنا وهناك، للتأكيد على أنه قوة ند للغرب، لأنه يتوسع على حساب إمكانيات بلده، وليس عن فائض قوة، كما تفعل إيران بالضبط، حيث أصبحت مناطق التوسع التابعة لها عبئاً اقتصادياً عليها، وحتى الاستثمارات الاقتصادية التي حصل عليها من نظام الأسد لن تستطيع تعويض خسائره الاقتصادية لدعمه نظام الأسد بالقوات والمعدات والأسلحة، وكل ما حصل عليه بوتين بشكل حقيقي هو قاعدة عسكرية بحرية في سوريا، وقاعدة جوية، أي نفوذ جيوسياسي في الشرق الأوسط، ويحاول أن ينطلق باتجاه البلدان الإفريقية التي ينسحب منها الغرب، بعد الانقلابات التي حصلت، والتي أتت بسلطات متصادمة مع الغرب، وكل هذا لن ينفعه دون اقتصاد قوي يدعمه، فالاستنزاف حاصل، اقتصادياً وعسكرياً.

كما أن تشتت قواته على أكثر من جبهة، وبدء تلقيه ضربات من قوى محلية بدعم استخباري أوكراني، كما حصل مؤخراً في مالي، سيضطره إلى سحب بعض القوات الموجودة في سوريا، ويقلص نفوذه فيها، لتقوية جبهة أوكرانيا، فهي أكثر أهمية وخطورة على روسيا من الجبهة السورية الهادئة منذ سنوات، مما يضعف نظام الأسد بشكل أكبر، ويسمح لقوى أخرى بملء الفراغ مثل إيران وتركيا.

تحاول إيران ملء هذا الفراغ، لكنها ليست بأفضل حال من روسيا، فالقصف الإسرائيلي المتواصل على ميليشياتها ومخازن الأسلحة الخاصة بها يقلص من قدراتها، وهذا ما شعرت به تركيا، وحاولت أن تملأ هذا الفراغ من خلال سعيها إلى التطبيع مع النظام، والأخير مُدرك لما تحاول فعله، ويتهرب من هذا الاستحقاق.

كما أن تعميق التحالف بين روسيا وإيران يزيد من الضغوط الممارسة على الأخيرة والغضب الغربي عليها، رغم أن ما ترسله من أسلحة إلى روسيا لن يستطيع إحداث تغيير كبير على الأرض، فكلها أسلحة غير دقيقة، تستخدم فقط في إشغال منظومات الدفاع الجوي الأوكرانية، من أجل أن يستطيع صاروخ أو طائرة مسيرة ما الوصول إلى هدف دقيق وضربه، وهذا ما بدأ الجيش الأوكراني يتجاوزه بفضل المساعدات الغربية السخية، سواء كأسلحة متطورة تُمنح له، أو كأموال تدعم اقتصاد أوكرانيا.

لا يمكن التنبؤ بتغييرات حقيقية مباشرة على سوريا نتيجة الصراع الروسي الأوكراني، فالصراع في سوريا صراع معقد تتداخل فيه عوامل محلية وإقليمية ودولية، لكن قد يأتي يوم تضطر فيه روسيا في ظل هذا الاستنزاف إلى إعادة دراسة موقفها من التدخل العسكري الباهظ في سوريا.

يمكن أيضاً أن نصل إلى مرحلة ما تتغير فيها السياسات الروسية تحت ضغط شعبي، خصوصاً بعد الغزو الأوكراني للأراضي الروسية، وعمليات الإجلاء والنزوح التي اضطر إليها الروس من الأماكن التي تشهد عمليات عسكرية إلى مناطق أكثر أماناً داخل روسيا.

لا يمكن التنبؤ بتغييرات حقيقية مباشرة على سوريا نتيجة الصراع الروسي الأوكراني، فالصراع في سوريا صراع معقد تتداخل فيه عوامل محلية وإقليمية ودولية، لكن قد يأتي يوم تضطر فيه روسيا في ظل هذا الاستنزاف إلى إعادة دراسة موقفها من التدخل العسكري الباهظ في سوريا، للتركيز بشكل أكبر على جبهات أكثر أهمية، وفي ظل غياب أي جهة سورية وطنية منظمة تستطيع أن تملأ هذا الفراغ، تمثل الثورة، قادرة على إدارة النشاط الثوري والمناطق المحررة لتكون نموذجاً لما نأمل له في سوريا المستقبل، سيبقى الشعب السوري الذي ناضل من أجل حريته من الاستبداد، وللحصول على نظام ديمقراطي تعددي، يدفع أثماناً باهظة للتدافع بين القوى المختلفة، محلية وإقليمية ودولية، ومن الضرورة بمكان أن تلتقي القوى الوطنية الديمقراطية السورية لتعمل جنباً إلى جنب بعمل جماعي هدفه الانتصار لقضية الشعب السوري، وليس الهيمنة والتسلط على هذا الشعب.