هل سينتقل التنافس بين إيران وتركيا إلى آسيا الوسطى وتتخليان عن العالم العربي؟

2024.07.31 | 11:14 دمشق

آخر تحديث: 31.07.2024 | 11:14 دمشق

57777777777777
+A
حجم الخط
-A

بينما تنشغل أميركا بالحملات الانتخابية، ويتنحى بايدن عن متابعة مشواره الانتخابي، وتنشغل روسيا في حربها بأوكرانيا، ومخاوف تمدد الناتو قرب حدودها بعد تحذير روسيا لأرمينيا من مخاطر "تكرار التحول الجيوسياسي الذي شهدته أوكرانيا"، تتحرك القوى الإقليمية في الشرق الأوسط محاوِلة تعزيز نفوذها، وتغيير خرائط تمددها.

في إيران، المشغولة بتأمين نفسها من هجمات إسرائيل، تعمل على تشديد الخناق عليها من خلال توسيع نشاط أذرعها واستهدافاتها، وإغراقها بالدفاع عن نفسها ضمن حدودها، بحيث لا تنظر إلى اللاعب الرئيسي المحرك لهذه الأذرع.

وبهذا تضمن أمنها، وتضمن تطور برنامجها النووي بهدوء دون ضجيج. كما تعمل أيضا على تنويع مصادر دخلها بعيدا عن النفط الذي قد يشهد حصارا مرتقبا في حال وصول ترامب إلى السلطة. فهي تبيع النفط المهرب بكميات كبيرة حاليا إلى الصين، كما تبيع الغاز إلى العراق - باستثناء أميركي - والذي لا يستطيع الابتعاد عنه، فهو المصدر الأساسي لتوليد الكهرباء. وتضمن ميليشياتها هذا الأمر من خلال استهداف محولات وأبراج نقل الطاقة الكهربائية، لإجبار الحكومة العراقية على البقاء في المحور الإيراني، وعدم الاستفادة من اتفاقيات نقل الطاقة الكهربائية الموقعة مع تركيا والأردن والسعودية.

تحالفات إيرانية جديدة

مؤخرا، بدأت إيران بالتفكير بحدودها الشمالية مع أرمينيا وأذربيجان، والأخيرة تمتلك علاقات مميزة مع إسرائيل، وتستورد منها 69% من وارداتها الرئيسية من السلاح وفق معهد استوكهولم الدولي لأبحاث السلام. وهي قاعدة عسكرية متقدمة لإسرائيل ضد إيران. ففي عام 2012، صرح مسؤولون أنه تم منح إسرائيل "حق الوصول" إلى القواعد الجوية في أذربيجان، وهناك وجود لطيارين وطائرات حربية من نوع F-35 من سلاح الجو الإسرائيلي فيها، حيث يمكن استخدامها في استهداف إيران.

وبالوقت نفسه يمكن استخدام الطائرات من دون طيار في عملياتها التجسسية ضد إيران، ويتعاون البلدان استخباريا مع بعضهما البعض لمكافحة "الإرهاب".

المحطة التحالفية الجديدة في مسيرة تحالفات إيران تنبئ عن استمرار إيران في نهجها التوسعي بالمنطقة، ورغبتها في تأمين أمنها القومي عبر تحالفات الخارج، والتغطية على عجزها وضعفها بالداخل.

بعد الخسائر الكبيرة التي منيت بها أرمينيا مؤخرا على يد أذربيجان، وخوف إيران من قطع الحدود البرية الواصلة بينها وبين أرمينيا، تلاقت المصالح. حيث نقلت "إيران إنترناشيونال" عن مصدر مطلع أن إيران وأرمينيا وقعتا على صفقة أسلحة كبيرة بقيمة 500 مليون دولار – تعادل ثلث ميزانية الدفاع التي اعتمدتها أرمينيا لعام 2024 – تقوم طهران بمقتضاها بتزويد يريفان بطائرات مسيرة وأنظمة دفاع صاروخية متطورة. كما تشمل الصفقة التدريب والتعاون الاستخباري بينهما، وإنشاء قواعد عسكرية إيرانية على أراضي أرمينيا. ومن خلال هذا التحالف الجديد، تستطيع إيران تنويع مصادر دخلها من خلال تصدير المعدات العسكرية، ومواجهة النفوذ الإسرائيلي في أذربيجان.

المحطة التحالفية الجديدة في مسيرة تحالفات إيران تنبئ عن استمرار إيران في نهجها التوسعي بالمنطقة، ورغبتها في تأمين أمنها القومي عبر تحالفات الخارج، والتغطية على عجزها وضعفها بالداخل من خلال دغدغة مشاعر مواطنيها بنشوة القوة، في محاولة للحفاظ على نظامها، وإبقائه على قيد الحياة، رغم ما يعانيه الشعب الإيراني من تراجع اقتصادي وفقر، بالإضافة إلى الاستبداد والفساد.

لا شك أن هذه المحطة التحالفية الجديدة لإيران ستثير حفيظة تركيا، الداعم الأساسي لأذربيجان، وستثير حفيظة إسرائيل أيضا. فهل رشَت إيران تركيا بغض النظر عن تمددها في شمالي العراق، مقابل غض نظر الأخيرة عن التمدد الإيراني في آسيا الوسطى؟ أم سنشهد صراع تنافس جديد في وسط آسيا بين إيران وتركيا وإسرائيل؟

الحراك التركي

في ظل انشغال الجميع، وصمت إيران وحكومة بغداد وإقليم كردستان، سعت تركيا إلى الخلاص من وجود حزب العمال الكردستاني في شمالي العراق، وتطويق "قسد" من جهة الشرق. فانطلقت عمليتها العسكرية في الشمال العراقي التي هددت بها طويلا، واستفادت من ضغوط مارستها على حكومة بغداد – التي أعلنت في مارس 2024 تصنيف "PKK" كمنظمة محظورة وليس كمنظمة إرهابية – كي تغض النظر عن عمليتها، ومن تحالفات عقدتها مع حكومة إقليم كردستان شمالي العراق، ممثلة بالحزب الديمقراطي الكردستاني وعشيرة البرزاني، المناهض لحزب العمال الكردستاني، والراغب بتوسيع نفوذه، وإضعاف خصومه من الاتحاد الوطني الكردستاني وعشيرة الطالباني.

أطلقت تركيا في عام 2022 عملية "المخلب القفل" في شمالي العراق، ونفذت هجمات جوية متعددة على جبال شمالي العراق لاستهداف عناصر "PKK"، بالإضافة إلى عدة توغلات برية محدودة. وأعلن وزير الدفاع التركي بتاريخ 10 يوليو على هامش قمة الناتو عن خطط إنشاء "الممر الأمني بعمق 30 – 40 كم" شمالي العراق.

تركز تركيا عملياتها حاليا في محافظة دهوك شمالي العراق، حيث تعمل على التمدد البطيء والثابت في جبل كاره شديد الوعورة، بالإضافة إلى الاستعانة بالضربات الجوية من الطائرات الحربية أو المسيرات التركية، بهدف ملاحقة عناصر "PKK" وطردهم من المنطقة. وهذا يلقى صدى داعما أمنيا من قبل عناصر كردية معارضة لوجود "PKK" في مناطقهم، والتي شكلت حواجز تدقيق وتفتيش أمني بالتعاون مع القوات التركية.

من المتوقع أن تواجه القوات التركية مقاومة شديدة من قبل مقاتلي عناصر تنظيم "PKK" الذين سيستفيدون من وعورة الجبال الشديدة لإعاقة تقدم القوات التركية، وتكبيدها خسائر كبيرة، مما يشكل تحديات لوجستية كبيرة، تعيق تحقيق تركيا لكامل أهدافها.

يقع جبل كاره بين جبال قنديل، المعقل الأساسي لعناصر حزب العمال الكردستاني، وبين مناطق وحدات حماية الشعب في شمال شرقي سوريا، وهو موقع استراتيجي مهم. لكنه لا يفي بكل احتياجات تركيا الأمنية، إذ إنها ستكتفي على الأغلب في هذه المرحلة بهذا الموقع لصعوبته، وشدة العمليات المتوقعة فيه من جهة، وكي لا تقترب من الحدود الإيرانية إن اقتربت من محافظات أخرى مثل أربيل أو نينوى، فتستفز طهران أكثر، وتستفز المجتمع الدولي وتلقى انتقادات دولية كبيرة.

العمليات العسكرية والتوسع الخارجي لا ينطلق من فائض قوة، بل لتحقيق انتصارات وهمية خارجية تتم على حساب لقمة عيش المواطن.

وهذا بالطبع لن يحقق كامل الأهداف المتوخاة من هذه المعارك، ولن تستطيع تركيا إنشاء المنطقة العازلة كاملة، وستفشل الجهود العسكرية التركية بالنهاية في قطع الطريق بين حزب العمال الكردستاني في شمالي العراق من جهة، وبين قوات سوريا الديمقراطية في شمال شرقي سوريا من جهة ثانية. وستبقى هناك فراغات يستطيع من خلالها عناصر "PKK" التسلل، والقيام بعمليات عسكرية مستهدفين القواعد العسكرية التركية في شمالي العراق، وهذا سيخلق استنزافا دائما للقوات التركية الموجودة أو أهداف عسكرية أو مدنية في تركيا نفسها، وفي داخل المدن التركية الكبرى كما حصل في أنقرة قبل أقل من عام من الآن، سواء للانتقام من العمليات العسكرية التركية، أو ضمن صراعهم الطويل مع النظام السياسي التركي، وهذه قصة طويلة لا مجال لسردها الآن.

التكتيك لا يغني عن الاستراتيجية

ما زالت القوى الإقليمية تسعى لتحقيق مصالح انتخابية آنية لا تصنع قوة للدولة. فالعمليات العسكرية والتوسع الخارجي لا ينطلق من فائض قوة، بل لتحقيق انتصارات وهمية خارجية تتم على حساب لقمة عيش المواطن.

فهل الحراك التركي الأخير في شمالي العراق، والإيراني وسط آسيا، تبادل مصالح بينهما، وتوسيع نفوذ إقليمي هنا أو هناك، مستفيدين من انشغال القوى الكبرى؟ أم بداية صراع جديد يضيف توترا جديدا إلى المنطقة، ويزيد من معاناة البشر والهجرة؟