على نفقتهم الخاصة!
أمام فندق ibis في جنيف جلس عددٌ من السوريين على ما يشبه الرصيف حتى ساعة متأخرة من ليلة العشرين من آب. دخلت الفندق الذي اخترته لضرورات التغطية فأعضاء المؤتمر الوطني لاستعادة السيادة والقرار سينزلون فيه وقد أحتاج إلى أحدهم ضيفاً في مداخلةٍ متأخرة.
صعدت إلى غرفتي، وجهزت معداتي استعداداً لتغطية اليوم التالي واتصلت بعضو اللجنة التحضيرية للمؤتمر اللواء محمد الحاج علي، الذي قال إنه في اجتماعٍ وسيكلمني عند وصوله الفندق.
وصل الحاج علي أخيراً برفقة عددٍ من أعضاء اللجنة، أحدهم كان الدكتور صلاح وانلي الذي دخل إلى الفندق ودفع لقاء عدد من الغرف للمؤتمرين الذين كانوا ينتظرونه على رصيف الفندق.
سقطت أمام عيني أولى مفاخر المؤتمر التي لطالما كررها بمناسبة وغير مناسبةٍ أعضاؤه "المؤتمرون سيحضرون على نفقتهم الخاصة" في إشارةٍ إلى عدم التبعية والارتهان، والحقيقة أني لم ألتقِ سوى بشخصٍ واحدٍ فقط حضر على نفقته الخاصة.
لاحقاً أقرّ وانلي على شاشة تلفزيون سوريا بأن المؤتمر ممول من ثلاثة أشخاص أحدهم رجل الأعمال خالد المحاميد المتّهم بارتباطه بأصدقاء نظام الأسد: روسيا والإمارات العربية المتّحدة.
دخول مخطط للمحاميد
انتهت عملية "التشيك إن" وصعد الجميع إلى غرفهم فانفردت لدقائق باللواء الحاج علي، وطلبت منه قائمة بأسماء الحضور فرفض، فسألته إن كان المحاميد سيحضر؟ وأجاب بأنه سيدخل القاعة بعد مضي بعض الوقت على انتهاء الجلسة الافتتاحية، ثم أسهب بالدفاع عنه رغم أني لم أوجّه له تهماً ولا أسئلةً سوى عن حضوره من عدمه.
تفاجأ بعض المشاركين حين سألتهم عن موقفهم من مشاركة المحاميد وادعوا عدم معرفتهم بالأمر وأكدوا على أنهم سينسحبون من المؤتمر بمجرد دخوله إلى قاعة انعقاده، في اليوم التالي دخل المحاميد كما أخبرني الحاج علي وأدخل أطفاله معه ولم ينسحب أحد.
مؤتمر المحاميد أم مؤتمر منّاع؟
صوّرنا الجلسة الافتتاحية ثم طلب منا مغادرة القاعة فغادرناها. على الباب وجدت الدكتور هيثم مناع، سلّمت عليه فلم يردّ وتظاهر بالانشغال بأمرٍ ومشى مغادراً قبل أن ينهره الصحفي مصطفى السيد أمام عددٍ من الحضور "الأستاذ بشر سلّم عليك" فعاد معتذراً، طلبت إجراء مقابلةٍ معه فرفض قائلاً "مراسل روسيا اليوم من سنة بيطلب مقابلتي وبعتذر"، أجبته بأننا قناة سورية وليست روسية، لكنه بقي على إصراره،
لاحقاً تسنّت لي فرصة محاورته من دون كاميرا في الأوقات التي كان يتسرّب فيها من قاعة المؤتمر كالكثير من المشاركين، وسألته عن موقفه الحالي من حزب الله وهو الذي كان يفاخر بعلاقته المميزة بقادته فادعى بأنه قد وثق انتهاكاتٍ للحزب في سوريا وأوصلها إلى المحاكم الدولية كما أنه أسهم في تصنيف الحرس الثوري الإيراني كمنظمةٍ إرهابية.
وحول المؤتمر قال المناع لي: "المحاميد لن يحضر لكي لا يقال إنه مؤتمر المحاميد"، وأردف بتندرٍ على لسان خالد (فليقولوا إنه مؤتمر منّاع).
بعد ساعةٍ كان يداعب وزوجته أطفال المحاميد أمام القاعة.
دور خفي لزوجة مناع
استأذنت زوجة منّاع وهي من منظمي المؤتمر بالدخول لدقائق معدودة لالتقاط بعض الصور فأدخلتني، لم تصدمني مشاهد الزعيق والهرج والمرج لكنّ وجودي صدم باقي المنظمين فطلبوا مني المغادرة بأسلوبٍ فظ.
لاحقاً ظنت السيدة منّاع رفضي لتناول طعام الغداء معهم سببه ذلك الموقف، وبالمناسبة فالطعام كان كباباً مشوياً وقطعَ دجاجٍ وليس سندويش فلافل كما ادعى بعض المشاركين.
في اليوم التالي لانعقاد المؤتمر وصلت إلى القاعة قبل المؤتمرين، بادرتني السيدة مناع بالتحية ثم حاولت استمالتي بالقول: "ضيوفك كلهم من تيار واحد، في تيار ثاني هون..اسألني وأنا بساعدك باختيار الضيوف".
أجبت بأن ضيوفي كانوا من اللجنة التحضيرية ثم إني طرحت على زوجك إجراء مقابلة منذ الأمس فرفض.
ثم أبدت السيدة (المنظّمة يلي مادخلها على حد تعبيرها) امتعاضها من إثارة موضوع عدم رفع المؤتمر لعلم الثورة على شاشتنا، قائلة: "ياخي أنا هذا العلم الأخضر بس شوفو بغط على قلبي، بعدين العلم السوري -وتقصد علم النظام- لُفّ فيه أصدقاؤنا الشهداء أول أربع شهور بالثورة، ع كل حال هم اختاروا عدم رفع علم لحتى مايتخانقوا علم مين بدو ينرفع".
أجبتها أن أصدقائي الشهداء لُفوا بالعلم الأخضر لعشر سنواتٍ تالية.. ومضيت.
انتخابات بمشاركة عناصر من قسد ومخابرات الأسد
بدأت عملية الترشح والتصويت لانتخاب أمانة عامة للمؤتمر، كان مشاركون قد قالوا لي بأن أبواب غرفهم الفندقية كانت تطرق حتى الساعة الثالثة ليلاً لإقناعهم بانتخاب قائمة بعينها، والحقيقة أني اطلعت منذ وصولي إلى جنيف على مسودة قائمة من 15 مرشحاً نفتها اللجنة التحضيرية لكن 9 منهم قد نجحوا في الانتخابات بالفعل.
تنافست في الانتخابات كتلتان (منّاع ووانلي).
في القاعة تناقص عدد الناخبين إلى سبعين بعد استفزاز عضو اللجنة التحضيرية قاسم الخطيب لعشرين شخصاً من كتلة وانلي ما أدى إلى انسحابهم، أما عبر الإنترنت فالانسحابات كانت بالجملة ولا يعلم أحدٌ حتى الساعة من هم معظم المشاركين والمصوتين افتراضياً.
بعض الأسماء التي تسرّبت كانت لمؤيدين للنظام بل حتى لعناصر في قسد ومخابرات الأسد بحسب مشاركين.
اختتم التصويت الغامض بانتخاب 31 عضواً كأمانةٍ عامة، بينهم زوج وزوجه وأب وابنه وسيدة تفاخر بزياراتها لجرحى "الجيش العربي السوري"، وفوز كتلة منّاع مع بعض الأسماء المثيرة للجدل بالأغلبية، مايهدد بانسحاباتٍ اضافيةٍ، -بدأت بالفعل- قد تطيح بالمؤتمر وكأنه لم ينعقد بالأصل.