icon
التغطية الحية

قطع فخارية أثرية تثبت عمالة الأطفال في مجال الفخار بمملكة إيبلا السورية

2024.10.14 | 18:13 دمشق

قطعة فخارية من مملكة إيبلا السورية وعليها بصمة إصبع ظاهرة للعيان
قطعة فخارية من مملكة إيبلا السورية وعليها بصمة إصبع ظاهرة للعيان
Green Prophet- ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

أجرى علماء آثار تحليلاً شمل 450 قطعة فخارية عثر عليها في تل حماة وهي بلدة تقع على تخوم مملكة إيبلا التي تعتبر من أهم الممالك السورية في العصر البرونزي القديم (أي قبل نحو 4500 عام)، فتبين لهم بأن ثلثي القطع الفخارية صنعت بأيدي أطفال، تتراوح أعمارهم ما بين سبع وحتى ثماني سنوات.

إلى جانب الاستعانة بالأطفال لتلبية احتياجات المملكة، عثر العلماء على أدلة أخرى تثبت وجود تشكيلات فخارية صنعها الأطفال بصورة مستقلة وبمعزل عن متطلبات المملكة واحتياجاتها على المستوى الصناعي، وهذا ما أماط اللثام عن مواهب الطفولة في المجتمعات الحضرية القديمة، ولذلك نشرت هذه النتائج في مجلة الطفولة في الماضي.

Palace in Ebla

أحد القصور في مملكة إيبلا السورية

وعن ذلك يقول الباحث آكيفا ساندرز الذي شارك في هذه الدراسة: "لقد أتاح بحثنا أن نطلع على لمحة نادراً ما يمكننا الوصول إليها وذلك عن حياة الأطفال الذين عاشوا في حقبة مملكة إيبلا، والتي تعتبر إحدى أقدم الممالك في العالم، ولقد اكتشفنا بأن المملكة خلال فترة أوجها أي في الفترة ما بين عامي 2400 و2000 قبل الميلاد تقريباً، بدأت المدن المرتبطة بها تعتمد على عمالة الأطفال بغرض إنتاج الفخار لأغراض صناعية، ولذلك صار الأطفال يعملون في الورشات بدءاً من سن السابعة، وكانوا يتلقون تدريباً خاصاً على صناعة الأكواب التي كانت تستخدم في المملكة في الحياة اليومية وفي المآدب الملكية".

وكما هو معروف، فإن بصمات المرء تبقى نفسها طوال حياته، ولهذا السبب، يمكن استنتاج حجم الكف بشكل تقريبي عبر قياس كثافة حواف البصمات، ومن خلال حجم الكف يمكن تقدير عمر المرء وجنسه.

استخرجت القطع الفخارية من تل حماة الواقعة على أطراف مملكة إيبلا في ثلاثينات القرن الماضي، ومنذ ذلك الحين بقيت محفوظة في المتحف الوطني بالدنمارك، ومن خلال تحليل بصمات الأصابع الموجودة على القطع الفخارية تبين بأن معظم من صنعوها كانوا أطفالاً، وفي مدينة حماة تبين بأن ثلثي القطع الفخارية صنعت بأيدي أطفال، فيما صنع رجال بالغون الثلث الأخير المتبقي.

نقطة مضيئة

يتابع الباحث ساندرز الحديث عن الأمر بقوله: "في بداية العصر البرونزي القديم، ظهرت أولى أقدم الممالك المؤلفة من مدينة واحدة في العالم وذلك في منطقة بلاد الشام وما بين النهرين، ولقد استعنا ببصمات الأصابع الموجودة على القطع الفخارية لنتعرف على الطريقة التي أثرت بها وظائف الحكومة المدنية والمركزية على السكان وعلى صناعة الخزف، وفي مدينة حماة التي تعتبر مركزاً أثرياً لصناعة الخزف، كان هنالك صانعو فخار تتراوح أعمارهم ما بين 12-13 سنة، وتبين بأن نصف صانعي الفخار كانوا دون سن الثامنة عشرة، وتتوزع نسبتهم بشكل متساو ما بين ذكور وإناث. بيد أن الإحصائيات تغيرت مع ظهور مملكة إيبلا، حيث بدأ صانعوا الفخار بإنتاج عدد أكبر من الأكواب المخصصة للولائم، إذ مع تزايد عدد الولائم التي يقدم فيها النبيذ، زاد عدد الأكواب التي أصبحت تنكسر، ولهذا السبب احتاج الأمر لتصنيع عدد أكبر من الأكواب. هذا ولم تكتف المملكة بالبدء بالاعتماد على قدر كبير من عمالة الأطفال فحسب، بل إن الأطفال أصبحوا يخضعون لتدريب موحد على صنع الأكواب، في ظاهرة شهدنا مثيلاً لها خلال الثورة الصناعية التي عاشتها أوروبا وأميركا، وذلك لأنه من السهل السيطرة على الأطفال وتعليمهم حركات معينة وفقاً لمعايير محددة في مجال الحرف اليدوية".

ولكن كانت تلك نقطة مضيئة في حياة الأطفال، إذ بات بوسعهم صنع تماثيل وأوان مصغرة لأنفسهم، وهذا ما دفع الباحث ساندرز للقول: "أخذ هؤلاء الأطفال يعلّمون بعضهم بعضاً طريقة صنع تماثيل وأوان مصغرة من دون تدخل الكبار، ولهذا بوسعنا أن نقول ونحن مرتاحي الضمير بإن تلك القطع صنعها أطفال، بينهم مهرة تعلموا هذه الحرفة في ورشات تصنيع الأكواب، ومن خلال تلك التماثيل الصغيرة يبدو بأن الأطفال قد عبروا عن حسهم الإبداعي وعن الخيال لديهم".

يذكر أنه من السهل العثور على القطع الأثرية السورية ونهبها، بما أن معظم المواقع الأثرية والتاريخية في سوريا لا تخضع لرقابة أمنية صارمة.

 

المصدر: Green Prophet