اكتشفت قوات النظام السوري أساليب جديدة في سرقة ممتلكات الأهالي في مدن وبلدات إدلب وحماة بعد سيطرتها عليها، وتهجير مليون و776 ألف شخص ليواجهوا أسوأ الظروف المعيشية في مخيمات تفتقر لكل متطلبات العيش الكريم. فبعد سرقة كل المفروشات والتجهيزات من جميع المنازل، راحت قوات النظام وميليشياته تعمل على تدمير أسقف المنازل التي نجت من التدمير الواسع من جراء القصف المكثف، بغية استخراج الحديد من داخل البيتون وبيعه في الأسواق، ما قتل حلم العودة لدى مئات آلاف العائلات المهجرة منذ أكثر من عامين، والتي ما زالت تتشبث بأمل الخروج من الخيمة والعودة إلى قراها ومنازلها.
ورغم كل ذلك، لم تتوقف روسيا ومن خلفها نظام الأسد عن إطلاق دعوات عودة اللاجئين السوريين من دول المهجر، والحديث عن "الممرات الإنسانية والآمنة" لعودة النازحين والمهجرين من مناطق سيطرة المعارضة إلى المناطق التي سيطرت عليها قوات النظام، وذلك في محاولة لاستثمار "الانتصار العسكري" إلى مكاسب سياسية يأمل الأسد أن تضيف عليه بعضاً من الشرعية المفقودة محلياً ودولياً، وللسيطرة على أموال المساعدات الإنسانية وإعادة الإعمار والتعافي المبكر.
وأظهرت صور جوية التقطها موقع تلفزيون سوريا من مدن وبلدات متعددة في شمال غربي سوريا، تدمير قوات النظام منازل من مواقع مختلفة في أرياف إدلب وحماة، معظمها منازل نجت من تدمير القصف الجوي والمدفعي الذي شنته القوات الروسية وقوات النظام على مدار سنوات، وتكثّف في الفترة ما بين منتصف عام 2019 وحتى توقيع اتفاق وقف إطلاق النار بين تركيا وروسيا في الخامس من آذار عام 2020.
وتعمل قوات النظام وميليشياته على تدمير أسقف المنازل لاستخراج الحديد منه وبيعه في الأسواق، بغية الحصول على مئات الدولارات، لكن في المقابل لن يعود المنزل صالحاً للسكن، وبالتالي قتل حلم العودة لدى أصحابه المهجرين والنازحين في مناطق سيطرة المعارضة.
وبلغ عدد النازحين والمهجرين من مدن وبلدات إدلب وحماة منذ توقيع اتفاق سوتشي في الـ 17 أيلول/سبتمبر 2018 وحتى الخامس من شباط/فبراير 2020، مليوناً و776 ألف شخص، بحسب إحصائيات فريق منسقو استجابة سوريا، حيث شنت قوات النظام خلال هذه الفترة 5 حملات عسكرية.
وبحسب آخر إحصائية للفريق في نهاية 2020، بلغ عدد النازحين مليونين و9 آلاف في منطقة إدلب ومحيطها فقط (47.52% من إجمالي عدد السكان)، بينهم مليون و 48 ألف شخص يعيشون في 1304 مخيمات.
"التعفيش" من حالات فردية إلى عملية ممنهجة بإشراف ضباط الجيش
جاءت تسمية عملية سرقة قوات النظام لممتلكات الأهالي بالـ "التعفيش" من كلمة "عفش"، وتعني في اللهجة السورية المحلية المفروشات وتجهيزات المنزل.
وبدأت الظاهرة عام 2012 مع انطلاق مرحلة الحراك المسلح وحملات المداهمات التي شنتها قوات النظام، وظهرت للعيان للمرة الأولى في مدينة القصير بريف حمص التي سيطرت عليها ميليشيا حزب الله اللبناني وقوات النظام.
من القصير انتقل "التعفيش" إلى أحياء مدينة حمص وثم حلب ومن بعدها كل مدينة تطؤها أقدام قوات النظام من دون استثناء.
وتدرجت ظاهرة التعفيش في سوريا من مرحلة التعفيش الفردي الذي كان يقوم به المقاتلون لنظام بشار الأسد، عن طريق سرقة بعض المقتنيات الثمينة من منازل السوريين، إلى مرحلة أشمل تتمثل بإطلاق يد أولئك المقاتلين لينهبوا ما يشاؤون من الممتلكات الخاصة بالمهجرين، ضمن ما بات يعرف مؤخراً بـ "القتال مقابل التعفيش".
ممتلكات المدنيين غنائم حرب.. القتال مقابل التعفيش
يرى الصحفي محمد العلي أن النظام السوري يُقَدم ممتلكات المدنيين كهدية لميليشياته التي تخوض معارك السيطرة على المدن والبلدات، تحفيزاً لها على استمرارية القتال، والتقدم نحو مناطق أخرى، وتعويضاً عن عجز نظام الأسد عن دفع المستحقات المالية لعناصر تلك الميلشيات.
ويضيف العلي بأن: " تعفيش الميليشيات للمدن والبلدات بات أمراً محتماً وعرفاً سائداً يرتبط بانتهاء العمليات العسكرية، ويجني قيادات النظام العسكريون والأمنيون وعناصر الميليشيات المحلية أموالاً طائلة من "التعفيش".
بعد سقوط الأحياء الشرقية لمدينة حلب نهاية عام 2016 بيد قوات النظام وتهجير أهلها، وما تبعها من حالات مشابهة تماماً في الغوطتين الشرقية والغربية، حيث إن هذه المناطق تعد من المدن الكبيرة وفيها كميات هائلة من المواد الممكن سرقتها، لاحظ قيادات النظام العسكريون الأموال الطائلة التي يمكن جنيُها من هذه السرقات، فسيطروا على عملية "التعفيش" وأعطوا حصصاً محدودة للعناصر، واستقدموا ورشات لفك كل ما يمكن بيعه في أسواق المستعمل التي باتت أيضاً ظاهرة في شوارع المدن الخاضعة لسيطرة النظام، كان أبرزها ما عرف باسم "سوق السنة" في مدينة حمص الذي يحمل دلالة طائفية، وسوق في مدينة السقيلبية بريف حماة الغربي.
ولم تقف قوات النظام وميليشياته عند سرقة كامل المفروشات والتجهيزات الكهربائية، فراحت تسحب أسلاك الكهرباء المصنوعة من النحاس من داخل الجدران، وتطورت الأساليب حتى وصلت حدّ فك الأبواب والنوافذ والمغاسل وأحجار الإكساء والبلاط ورخام المطابخ، ليبقى المنزل مجرد سقف ولبنات بناء.
بدأت معركة النظام الكبرى على إدلب في أيار من العام 2019 من ريف حماة الشمالي، ووصلت قواته إلى مدينة سراقب لتتوقف المعارك على أطرافها، وفي هذه المنطقة سيطر النظام على 9 مدن كبيرة ونحو 250 بلدة وقرية في أرياف حماة وإدلب وحلب.
كانت مدينة معرة النعمان أكبر المدن التي سيطر عليها النظام وهي ثاني أكبر مدينة في محافظة إدلب، ومنها انتشر تسجيل مصور يظهر حجم المسروقات في شارع واحد من شوارع المدينة وتكديسها بعد فرز المسروقات كل على حدة، تحضيراً لتحميلها في الشاحنات ونقلها لأسواق البيع.
وقالت زلوخ الكحيل امرأة نازحة من بلدة معرشورين بريف إدلب الشرقي، إلى كفريحمول شمال إدلب لموقع تلفزيون سوريا: "تواترت صورا بثها عناصر النظام من داخل قريتي، يظهر فيها تجميع الأثاث المنزلي في ساحة القرية الرئيسية، بعد تحويلها إلى مركز رئيس لجمع المسروقات وفرزها، ثم تلاها فيديو آخر يظهر قيام عناصر النظام بحفر الطرق في البلدة، لاستخراج خطوط الهاتف الأرضي لما تحويه من أكبال نحاسية يمكن بيعها".
وأضافت زلوخ الكحيل: "لطالما كنت أحمد الله أن بيتي لم يُدمَّر بالقصف وأعزّي نفسي بسلامة الجدران على أمل العودة يوماً ما، لكن حصل ما لم يخطر على بالي ولا بال أحدٍ من قبلي، حيث قامت الميليشيات بتكسير سطح المنزل واستخراج الحديد منه لبيعه".
زلوخ التي فقدت زوجها عام 2013 من جراء غارة جوية وتعيش مع طفلها الصغير؛ لم تستطع إخفاء العبرة عند حديثها عن منزلها الذي فكّك سقفه، وامتنعت عن إكمال الحديث.
تحطيم أسقف المنازل واستخراج الحديد من داخل البيتون المسلح وبيعه، مَثّل قفزة نوعية في مسيرة "التعفيش" لدى قوات النظام والميليشيات الموالية لها، وهو ما لم تشهده أي حرب على مر الزمان وما يضرب بعرض الحائط كل الدعوات والمؤتمرات الهادفة لعودة اللاجئين، وينتهي مع ما دمرته آلة الحرب السورية والروسية أمل العودة لمئات آلاف المهجرين.
وسبق لعناصر تابعين للنظام نشر فيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي يتوعدون فيها أهالي القرى التي سيطروا عليها وهجروا أهلها بسرقة كل شيء.
وهو ما فعله جندي النظام سامر حلوم الملقب بالأصلع في بلدته خان السبل بريف إدلب والذي نشر عدة فيديوهات كان أشهرها تحطيم ونبش قبر قيادي سابق في الجيش الحر قُتل قبل أعوام، وثم قيام العنصر علاء دحروج من نفس القرية بنشر فيديو يتوعد فيه المهجرين بتحطيم أسقف منازلهم واستخراج الحديد منها، كما يظهر في الفيديو الآتي:
زلزال تحطيم أسقف المنازل.. البداية من بلدة الحماميات في ريف حماة
أولى عمليات تحطيم أسقف المنازل واستخراج الحديد منها سُجلت في بلدة الحماميات بريف حماة الشمالي والتي فرّ سكانها خارجها منتصف آذار عام 2013 عقب مجزرة ارتكبتها قوات النظام بحق عدد من أهالي البلدة ذبحاً بالسكاكين، وبقيت البلدة خالية من سكانها إلى يومنا هذا، وكانت خط دفاع عن مدينة السقيلبية بلدة كرناز وتمثل خط تماس بين قوات النظام المتمركزة في تلتها الاستراتيجية وفصائل المعارضة التي كانت في مدينة كفرزيتا، والتي سيطرت على البلدة وتلتها ليوم واحد فقط ضمن ما يعرف بمعركة السلالم بتاريخ 11/7/2019 ومن ثم عادت قوات النظام لتسيطر عليها.
تامر هليل أحد أهالي بلدة الحماميات تحدث لتلفزيون سوريا عن قيام ميليشيات محلية موالية للنظام من المناطق القريبة وخاصة بلدة كرناز بتعفيش البلدة وسحب تجهيزات الآبار الارتوازية فيها منذ فرار أهلها منها.
أما عن القوات التي كانت تتمركز في البلدة فجميع مصادر موقع تلفزيون سوريا أكدت أن البلدة كانت معقلاً لقوات الحرس الجمهوري، ولا وجود لميليشيات موالية للنظام فيها وذلك لأهمية البلدة وتلتها كنقطة دفاع أولى.
بعد عام واحد من دخول قوات النظام السوري بلدة الحماميات والسيطرة عليها وتهجير أهلها، أصبح حال الجارة القريبة الجُبين مماثلاً في كل شيء، من تهجير السكان، وتحويل البلدة إلى خط تماس مع المعارضة، ونهب ممتلكاتها، وأخيراً تحطيم الأسقف فيها.
الحال ذاته ينطبق على بلدتي الجلمة وتل ملح أيضاً حيث كانت البلدات الأربع تمثل خط الدفاع الأول عن مناطق سيطرة نظام الأسد بريف حماة الغربي، وشهدت تحطيم أسقف منازلها بنسبة تتجاوز الـ 90 بالمئة.
بلدة الحواش في سهل الغاب غربي حماة
بلدة الحواش في سهل الغاب غربي حماة والتي تبعد عن مركز مدينة حماة 56 كم هي الأخرى تم تدمير أسقف منازلها بنسبة تزيد على الـ 90 في المئة، بحسب ما تظهره الصور الجوية التي التقطها موقع تلفزيون سوريا بواسطة طائرة درون مسيرة.
وقال زكريا عطية أحد سكان بلدة الحواش لموقع تلفزيون سوريا: كنت أسكن في منزل العائلة الذي بناه والدي عام 1992 و كان مكوناً من غرفتين وحمام ومطبخ، وبعد أن كبرت العائلة وسعنا المنزل لأربع غرف مع حمام ومطبخ مجهزة أفضل تجهيز، واكتمل البناء عام 2011، بكلفة مليون ليرة سورية (20 ألف دولار أميركي).
ويضيف العطية بأن بلدة الحواش تعرضت للقصف منذ طرد قوات النظام منها في مطلع شباط 2012 وحتى نزوح سكانها عنها بشكل كامل حتى مطلع أيار 2019 كسائر المناطق الخارجة عن سيطرة الأسد، لكن حدة القصف ازدادت بسبب اقتراب العمليات العسكرية منها وسيطرة قوات النظام وميليشياته عليها بدعم جوي روسي نهاية شباط 2020.
تعرض منزل العطية لدمار جزئي خلال تلك الفترة وبقي صالحاً للسكن، لكن قبل أيام وصلته صور من القرية تظهر تحطيم أغلب أسقف المنازل في القرية، بما فيها منزله.
لم يتعرض العطية للصدمة لأنه كان موقناً أن إجرام نظام الأسد وقواته، وأن طرق انتقامه ممن خرجوا ضده مطالبين بالحرية، لا حدود لها.
مدينة كفرنبل في ريف إدلب الجنوبي
مدينة كفرنبل جنوبي إدلب والتي سيطرت عليها قوات النظام في الـ 25 من شباط عام 2020، شهدت أحياؤها أيضاً عمليات تحطيم لأسقف المنازل، وتركزت تلك العمليات في الحي الشمالي إلى جانب الفرن الآلي على طريق كفرنبل - البارة.
بحث موقع تلفزيون سوريا عن أصحاب هذه المنازل الظاهرة في الصور، فوجد أحمد الحناك نازحاً في مخيم المدينة المنورة على أطراف بلدة باريشا قرب الحدود السورية التركية.
يقول أحمد الحناك بأن كلفة صب سقف المنزل فقط كانت 3 آلاف دولار أميركي، وذلك عندما بناه عام 2016.
ويضيف أحمد: "دفعت دم قلبي حتى بنيت هذا المنزل، فكنت أذهب إلى الموصل العراقية بغرض التجارة، وأخاطر بنفسي في مناطق سيطرة تنظيم الدولة، وذلك كله حتى بنيت منزلي الذي لم يبق منه شيئاً الآن".
وتابع: "بحثت عن وصف لأولئك المجرمين فلم أجد، فحتى التتار والمغول لم يفعلوا ذلك".
والدة أحمد هي الأخرى عبرت عن صدمتها لما حل بمنزل ابنها الذي كانت تعيش فيه معه.
ويحتفظ أحمد الحناك بالصورة الوحيدة المتبقية لمنزله وشاركها معنا.
مدينة سراقب شرقي إدلب
في مدينة سراقب أيضاً قامت قوات النظام بتحطيم أسقف المنازل، وتركزت عمليات التحطيم في الحي الغربي على وجه الخصوص.
وتظهر الصور تحطيم الأسقف إلى الشمال والغرب من مخبز المدينة الآلي.
وتحدث ناشطون من المدينة لموقع تلفزيون سوريا عن عمليات تحطيم أسقف أيضاً في حي شابور في الطرف الجنوبي الغربي من المدينة، لكن تعذر الحصول على صور جوية من ذلك الحي بسبب التشويش الذي تقوم به كل من قوات النظام والقوات التركية في المدينة ومحيطها مما يعيق إرسال طائرات الدرون إلى هناك.
وحصل موقع تلفزيون سوريا على فيديو قام أحد المراصد التابعة لفصائل المعارضة بتصويره من خطوط التماس يظهر مجموعة من الأشخاص يرتدون زياً مدنياً ويقومون بتحطيم سقف أحد المنازل في أطراف مدينة سراقب.
بحسب إفادات المصادر المحلية من سراقب حول الفيديو المتداول تبين أنه يعود للمواطن عيسى معلول من أبناء سراقب، وبدوره حاول موقع تلفزيون سوريا التواصل مع عيسى للتأكد من صحة المعلومات، إلا أن عيسى اعتذر عن الرد على التساؤلات.
ويمثل فيديو تحطيم سقف منزل عيسى معلول في سراقب الدليل الصوري الأبرز لعمليات تحطيم الأسقف، مما استدعى قيام موقع تلفزيون سوريا بإجراء تحليل بصري يحدد موقع عملية تحطيم سقف المنزل الظاهرة في الفيديو عبر الاستعانة بخرائط غوغل وصور الدرون.
ريف معرة النعمان الشرقي
في ريف معرة النعمان الشرقي أيضاً لم تخلُ قرية أو بلدة واحدة من تحطيم الأسقف لكن بنسب متفاوتة، وعلى الطرف الغربي من بلدة الغدفة بالتحديد حُطمت أسقف منازل حي المشاع بالكامل واستخرج الحديد منها، ذلك الحي الذي تم إنشاؤه عام 2014 وما بعد، على يد نازحين من مناطق سورية مختلفة، وبعض أهالي القرية، ومنهم أيمن الإسماعيل الذي دفعه تدمير منزله الأول داخل بلدة الغدفة بقصف جوي إلى بناء منزل آخر على أطراف البلدة عام 2014، ومن ثم ظهور حي كامل حول منزله، أُطلق عليه اسم المشاع.
يقول أيمن لموقع تلفزيون سوريا إنه علم بتدمير سقف منزله بعد فترة قصيرة من سيطرة نظام الأسد على المنطقة مطلع 2020، ووصلته فيما بعد صور لمنزله وسائر منازل الحي وقد تعرض معظم أسقف المنازل فيه للتحطيم.
يضيف أيمن: "قمت بحذف تلك الصور من هاتفي حتى لا أظل أشاهدها وأشعر بالقهر والأسى على ما حل بالمنزل"
وبحسب أيمن فقد بلغت كلفة إنشاء سقف منزله المكون من غرفتين ومطبخ وحمام 425 دولاراً أميركياً للسقف فقط.
عمليات تحطيم الأسقف مسحت أحياء بكاملها كالحي الشمالي من منطقة البرساني في جرجناز، وحي السبلان على طريق تلمنس – الحراكي والذي أنشأه أهالي تلمنس بسبب تعرض مركز البلدة للقصف المستمر من قوات النظام التي كانت تتمركز في معسكري وادي الضيف والحامدية خلال الفترة ما بين عامي 2012 و 2015.
وتظهر صور من قرية الشيخ إدريس بريف إدلب الشرقي، كيف تبدو منازل المدنيين بعد تحطيم أسقفها.
معايير انتقاء المنازل لتحطيم أسقفها
تتركز عمليات تحطيم أسقف المنازل في القرى والبلدات أكثر منها في المدن بشكل ملحوظ جداً، ويكمن السبب في ذلك لأن قوات النظام وميليشياته لا تقوم بتحطيم جميع أسقف المنازل، بل تقوم بانتقائها بحسب معيارين:
- أن يكون المنزل حديث البناء للحصول على الحديد الجديد.
- انتقاء الأسطح التي لا تحوي على هوردي، والمعروفة باسم (البلاطة المصمتة)، لسهولة تحطيمها واستخراج الحديد منها.
وتنتشر هذه الأبنية ذات البلاطة المصمتة في القرى والبلدات أكثر منها في المدن التي تعتمد على الأبنية الطابقية التي لا تتناسب مع هذا النوع من الأسقف.
تحطيم الأسقف يشمل المنشآت الحكومية أيضاً
كان لثبات خطوط التماس بين فصائل المعارضة وقوات النظام لسنوات طويلة الدور الأبرز في استغلال قوات النظام لوقت فراغها وتحطيم أسقف المنازل في القرى الخالية من السكان كما في الحَمّاميات والجلِمة والجُبين وتل مَلَح، كما أن صِغر تلك القرى وقلة عدد منازلها دفع بالميليشيات لتحطيم الأسقف التي تحوي على الهوردي والتي يصعب تحطيمها، وذلك بعد الانتهاء من تحطيم الأسقف المكونة من البلاطة المُصمَتة.
ولم تتوقف قوات النظام عند تحطيم أسقف منازل المدنيين، فكان للمؤسسات الحكومية نصيبها أيضاً، حيث تثبت شهادات المدنيين الذين التقاهم موقع تلفزيون سوريا، وخرائط غوغل، تحطيم أسقف كل من مدارس الجُبين الابتدائية وسط البلدة، والإعدادية والثانوية على طرفها الشمالي، بالإضافة للوحدة الإرشادية الزراعية أيضاً.
من جهته يتوقع الباحث الميداني محمد العلي أن تلاقي المنشآت الحكومية والخدمية بريف إدلب المصير نفسه الذي لاقته في الجبين، لكن ذلك يستغرق وقتاً أطول، بسبب كثرة القرى والبلدات التي سيطر عليها نظام الأسد في حملته الأخيرة على أرياف حماة وحلب وإدلب، ووضع المنازل المسقوفة بالبلاطة المصمتة كأولوية لدى ورشات تحطيم الأسقف.
ويضيف العلي بأن جيش النظام انتقل منذ أعوام، من جيش منظم إلى ميليشيات لها متزعمون لا همّ لهم إلا جمع المال، فلن تراعي تلك الميليشيات بناءً حكومياً أو مؤسسة خدمية تعود للدولة السورية، فهو يريد الحديد وسيحطم السقف، وهناك من سيتكفل من المؤسسات بالبناء على نفقته عند الحاجة.
آلية استخراج الحديد
يُظهر مقطع الفيديو الذي صور من أطراف مدينة سراقب قيام أشخاص يرتدون زياً مدنياً بتحطيم سقف أحد المنازل باستخدام أدوات بدائية كالفؤوس والمطارق، وهي الوسيلة الأكثر استخداماً في عمليات تحطيم أسقف المنازل على يد الورشات المدنية التي تتعهد باستخراج الحديد من أسقف المنازل وتعمل تحت إشراف ضباط "الجيش السوري" المسؤولين عن تلك القرى والبلدات باعتبارها مناطق عسكرية.
وكشف أحد المدنيين المقيمين في مناطق سيطرة النظام أن ورشات تعفيش حديد أسقف المنازل تعمد إلى تجميع كميات من الأخشاب والبلاستيك كبقايا الأشجار والأثاث المنزلي وإطارات السيارات وإشعالها في غرف المنزل المراد تحطيم سقفها، وذلك لتعريض البيتون المسلح للحرارة العالية وإحداث تصدعات فيه تسهل تحطيمه بالمطارق والفؤوس، وهو ما شاهده في قرية الشريعة بسهل الغاب.
وكذلك كشف أحد العاملين في ورشات تحطيم الأسقف والذي طلب عدم الكشف عن هويته أو منطقة عمله، لموقع تلفزيون سوريا، عن استخدام قوات النظام الأسلحة لتسهيل عمليات تحطيم أسقف المنازل.
وأكد "أحمد" وهو الاسم المستعار لشاب في مناطق سيطرة النظام، أن قوات النظام تستعمل قنابل النابالم الحارق في تحطيم أسقف المنازل، حيث لاحظ ذلك أول مرة عندما ذهب لتفقد منزل صديقه النازح، وشاهد بقايا قنبلة نابالم في منزله الذي تعرض للحرق وتحطيم سقفه.
وتحدث أحمد عن استهداف أسقف المنازل بالنابالم بشكل متعمد بالقول: "أنا عاينت المنازل، كانت قطع الإسمنت المتبقية من السقف المحطم متفسخة ومتعرضة للحرق، في حين كان البلاط في أرض المنزل سليماً، هذا يعني أن السقف حرق بالنابالم لإفقاد البيتون المسلح صلابته، ولو أن قنبلة النابالم رميت داخل المنزل لتعرض البلاط للضرر وتخلخل من موضعه بسبب الحرارة العالية جداً".
المصدر لم يقدم لموقع تلفزيون سوريا أي دليل ملموس يدعم أقواله بذريعة عدم حمله لهاتفه الجوال عند خروجه من منطقته، وذلك بسبب تعرضه لتفتيش هاتفه مسبقاً عند توجهه لتفقد أحد منازل أصدقائه المهجرين، وتخوفه من أن يتعرض للاعتقال إن صور منزلاً أو أي شيء يثبت تواصله مع من يصفهم النظام بالإرهابيين.
تدمير منزل بالكامل مقابل 700 دولار
بحسب عينة من المتضررين بتحطيم أسقف منازلهم ممن التقاهم موقع تلفزيون سوريا فإن مساحة سقف المنزل الواحد تتراوح ما بين 100 و 250 مترا مربعا، ويقدر المهندس المدني عبد الحكيم الأسعد بأن المتر المربع الواحد من مساحة السقف المنشأ من البلاطة المصمتة يتضمن قرابة 7 كيلوغرامات من الحديد، ويمكن أن يزيد وزن الحديد أو ينقص تبعاً لعدة عوامل تتعلق بمساحة السطح وأبعاد الجدران وغيرها.
ويباع الكيلوغرام الواحد من حديد الصب المستعمل في مناطق سيطرة النظام بقرابة 2500 ليرة سورية أي ما يعادل 0.7 دولار أميركي بحسب أسعار الصرف الحالية.
وبالتالي، تستخرج قوات النظام نحو طن واحد من الحديد من كل منزل تبلغ مساحة سطحه 150 مترا مربعا، مما يعني حصولها على 700 دولار أميركي من بيع حديد سقف منزل واحد.
وأوضح عدد من المهندسين المدنيين أن كلفة بناء المتر المربع الواحد نحو 60 دولاراً أميركياً وسطياً، وكلفة إكسائه نحو 30 دولاراً أميركياً.
وبالتالي تكون كلفة بناء وإكساء المتر المربع الواحد من منزل نحو 80 دولاراً أميركياً، وبذلك تكون كلفة بناء منزل مساحته 150 متراً مربعاً 12 ألف دولار أميركي.
ورشات تدمير وأسواق علنية
وتتم عمليات تحطيم الأسقف عبر ورشات يتم جلبها بواسطة متعهدين متعاقدين مع ضباط النظام المسيطرين على المنطقة في أرياف إدلب وحماة وحلب، ويستغل المتعهدون حالة الفقر المدقع وقلة فرص العمل لتشغيل الرجال والشبان في أكثر الأعمال مشقة مقابل أجور زهيدة، بحسب ما أكده أحد العاملين في هذه الورش لموقع تلفزيون سوريا.
وأوضح هذا العامل أن الورشات تبيت في منطقة العمل فيها لمدة تتراوح بين الأسبوع والعشرة أيام قبل عودتهم إلى منازلهم للاستراحة.
وأشار سائق شاحنة يعمل على نقل الحديد المستخرج من المنازل، أن أسواق بيع الحديد المستعمل تنتشر في مختلف مناطق سيطرة النظام وخاصة في مدن سلمية وصوران ومصياف والسقيلبية وسلحب بريف حماة، ومدينة اللاذقية، ومدينة حمص والسويداء ودمشق.
وأوضح تاجر حديد مستعمل في مدينة السويداء لموقع تلفزيون سوريا أن "حديد إدلب" يباع في حماة، وأنه لا يصل للسويداء وغيرها من المناطق الجنوبية بسبب ارتفاع تكاليف نقله، التي قد تصل للضعف.
موقع تلفزيون سوريا عمل على رصد أسواق بيع الحديد المستعمل المستخرج من أسقف المنازل في المناطق الموالية عبر الانترنت، ورصد عينة من المنشورات التي قوبلت برود عبر التعليقات تؤكد بأن هذا الحديد "مُعفّش" من أسقف منازل المهجرين، وتنتقد عمليات تعفيشه.
"الجيش السوري" هو المسؤول المباشر
خريطة توزع أعمال تحطيم الأسقف لا تدع مجالاً للشك بضلوع أي جهة أخرى محلية أو ميلشياتية بعمليات تحطيم أسقف منازل السوريين، فبدءاً من قرى وبلدات الحماميات وتل ملح والجبين بريف حماة الغربي، والتي تحطمت أسقف منازلها قبل أعوام، ووصولاً إلى مدن كفرنبل وسراقب وبلدات جرجناز والغدفة ومعرشمارين ومعرشورين وتلمنس ومعصران والغدفة ومرديخ وداديخ ومعردبسة والشيخ إدريس وريان والدير الشرقي والدير الغربي ومناطق أخرى بريف إدلب، يظهر جلياً للمتابع للوضع في إدلب بأن جميع المناطق هي مناطق تماس أو مناطق عسكرية لقربها من خطوط التماس.
وبحسب المعلومات التي قدمتها مراصد عسكرية وقياديون في فصائل المعارضة، وتطابقت مع رصد أجراه موقع تلفزيون سوريا لمنشورات عناصر النظام على وسائل التواصل الاجتماعي، والتسجيلات المصورة التي بثها الإعلام الموالي، تمكنا من رسم خريطة سيطرة وتوزع لقوات النظام وميليشياته:
في ريف حماة كان الحرس الجمهوري هو المسيطر على البلدات الأربع التي تحطمت أسقف منازلها سابقاً.
وفي ريف إدلب تتركز عمليات تحطيم أسقف المنازل في مناطق سيطرة تشكيلات "الجيش السوري" النظامية، التي تتموضع على جبهات إدلب وحماة التي شهدت منازل المدنيين فيها عمليات تحطيم لأسقف على الشكل الآتي:
في منطقة سراقب توجد مجموعات تتبع لكل من: الفرقة الثامنة والفرقة التاسعة والفرقة 11 والفرقة 14 والفرقة 25 (مجموعات الشاهين، ومجموعات الحيدر) والحرس الجمهوري (اللواء 105)
أما إلى الجنوب من سراقب في كل من قرى داديخ وكفربطيخ ومعردبسة وخان السبل والدانا وجرادة وما يليها إلى الشرق، فتوجد مجموعات تتبع لكل من: الفرقة الأولى والثالثة والسابعة والحادية عشرة والرابعة عشرة قوات خاصة، بالإضافة لمجموعات من الحرس الجمهوري والفيلق الخامس.
وفي كل من مدينة معرة النعمان وريفها الشرقي وبلدة كفروما غربي المعرة تتموضع مجموعات تتبع لكل من الفرقة الأولى والثالثة والحادية عشرة والفرقة الثلاثين والحرس الجمهوري.
في مدينة كفرنبل وما حولها إلى الغرب من معرة النعمان توجد مجموعات تتبع للفرق الثامنة والتاسعة والحادية عشرة ومجموعات من أفواج الحيدر والهواشم والطراميح وفوج طه التي تتبع للفرقة 25 في الجيش السوري، بالإضافة إلى مجموعات من الفيلق الخامس.
وكما توجد مجموعات من الفرق الرابعة والسادسة والفيلق الخامس في مناطق سهل الغاب غربي حماة.
ويدير هذه التشكيلات ضباط يعتبرون المسؤولين عن عمليات تحطيم أسقف المنازل على الشكل الآتي:
الفرقة الأولى اللواء جابر علي
الفرقة الثالثة موفق محمد حيدر
الفرقة الرابعة اللواء ماهر الأسد شقيق رأس النظام السوري والمقرب من إيران
الفرقة السادسة اللواء هيثم عساف
الفرقة السابعة اللواء علي أيوب محمود
الفرقة الثامنة اللواء عساف نيساني
الفرقة التاسعة اللواء أحمد نيوف
الفرقة 11 اللواء كمال صارم
الفرقة 14 اللواء يوسف العيسى
الفرقة 18 اللواء محمد شكيب الحاج
الفرقة 25 العميد سهيل الحسن المدعوم من روسيا
الفرقة 35 لا معلومات متوفرة
الفرقة 30 اللواء بركات بركات
الفيلق الخامس اللواء ميلاد جديد المدعوم من روسيا
القوات الخاصة في الفرقة 14 لا معلومات متوفرة
الكتيبة 671 في الفرقة 14 لا معلومات متوفرة
الحرس الجمهوري اللواء مالك سليم عليا
اللواء 105 في الحرس الجمهوري لا معلومات متوفرة
ويستند موقع تلفزيون سوريا في تحديد الضباط المسؤولين عن فرق الجيش السوري النظامية، إلى تقرير أعده مركز عمران للدراسات بعنوان "سلسلة القيادة والأوامر في الجيش والقوات المسلحة"
الفرقة 25 في "الجيش السوري" والتي يقودها العميد سهيل الحسن، هي أكثر الفرق العسكرية تحطيماً لأسقف منازل المدنيين، وذلك لتركز عمليات تحطيم الأسقف في مناطق وجودها على جبهات إدلب بالدرجة الأولى دون باقي التشكيلات.
وتعتبر الفرقة 25 نفسها الوصي على ممتلكات المهجرين في إدلب لكونها كانت رأس الحربة في عملية السيطرة على هذه المناطق، ويقودها العميد سهيل الحسن الملقب بالنمر والمدعوم والمقرب من روسيا، ويتفرع عنها كثير من الأفواج والمجموعات، ويوجد على جبهات إدلب وفي مناطق تحطيم أسقف المنازل خاصة كل من:
- مجموعات الشاهين: بقيادة يوسف شاهين
- فوج الحيدر: بقيادة سامر إسماعيل المدرج على قائمة العقوبات الأميركية منذ آب 2020، بسبب خرقه لوقف إطلاق النار في شمال غربي سوريا. وأيضاً حصل إسماعيل على تكريم روسي.
- فوج الطراميح: القائد الحالي حيدر النعسان المنحدر من بلدة قمحانة شمالي مدينة حماة.
- فوج الطه: بقيادة علي طه
- فوج الهواشم: بقيادة يوسف كنعان
- مجموعات السحابات
- مجموعات الباسل
انتهاك القوانين الخاصة بحماية ممتلكات المدنيين
قال فضل عبدالغني مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان إن النظام السوري ينتهك حقوق الملكية التي يصونها القانون الدولي بشكل واضح، وهذا الانتهاك يرسخ منع عودة النازحين واللاجئين.
ويرى المحامي غزوان قرنفل مدير تجمع المحامين السوريين والمتابع لموضوع الملكية العقارية، بأن قوات النظام والميليشيات الموالية لها تنتهك كل حقوق الملكية والدستور والقانون السوري، وتخالف مضمون المادة 15 من الدستور التي تحمي حق الملكية وعدم جواز المصادرة إلا بموجب حكم قضائي مبرم.
ويضيف قرنفل: "النظام لا يقيم وزناً للدستور والقوانين، وإن آخر ما يهتم به النظام هو عودة السوريين إلى سوريا، لكن روسيا تضغط عليه بهذا الملف".
وينص الدستور السوري على حماية الملكية الفردية وعدم جواز نزعها غصباً، وتعويض عادل لأي عقار تتم مصادرته ضمن ظروف استثنائية في الحرب مثلاً، لكن "النظام السوري يلتف حول الدستور ويصدر القوانين العرفية لمصادرة ممتلكات الناس بحجج كثيرة أبرزها دعم الإرهاب" بحسب ما يراه المحامي غزوان قرنفل.
والجدير بالذكر بأن ناشطين وحقوقيين سوريين حذروا من قيام النظام السوري بتمليك الأجانب من الميليشيات الطائفية الموالية له ممتلكات تعود بالأصل لمدنيين سوريين هجرتهم هذه الميليشيات في عمليات تغيير ديموغرافي واضح كما حصل في العاصمة دمشق ومحيطها ومدينة حلب وهو ما يمثل خرقاً صارخاً للقانون الدولي الإنساني وبروتوكولات جنيف التي كفلت حماية المدنيين والأعيان المدنية في المادة 52 والتي عرفت الأعيان المدنية بأنها: "كافة الأعيان التي ليست أهدافاً عسكرية كالمنازل والمدارس والجامعات والمستشفيات ودور العبادة وغيرها من المنشآت الحيوية التي تخدم المدنيين"، وحظرت المادة كافة أشكال الاعتداء عليها، سواء كان ذلك في مهاجمتها أو تدميرها أو نقلها أو تعطيلها.
تشريعات خاصة لسرقة ممتلكات المهجرين والانتقام منهم
قالت سمية الحداد مديرة قسم التقارير في الشبكة السورية لحقوق الإنسان لموقع تلفزيون سوريا إن الشبكة رصدت قيام قوات النظام والميليشيات المتحالفة معها بعمليات نهب للمنشآت، بلغت حدَّ تفكيك النوافذ والأبواب وتجهيزات الصرف الصحي وأسلاك الكهرباء، وسرقة حديد التسليح وغيرها، كما ترافقت عمليات النهب أحياناً مع حرق للمنازل، ما يشير إلى رغبة كبيرة في الانتقام من كل مَنْ طالبَ بتغيير سياسي ورحيل النظام والحكومة المتسبب الرئيس في معظم ما وصلت إليه الدولة والشعب السوري
وتضيف الحداد: "لا يمكن تصور أن تتم عمليات النهب الواسعة هذه بمعزل أو دون انتباه قادة الجيش السوري والقوات الروسية، حيث تتم عمليات بيع علنية للممتلكات التي تم نهبها في مناطق يسيطر عليها النظام السوري وحليفاه الإيراني والروسي، وتظهر في هذه الأسواق كميات من المفروشات وتجهيزات كهربائية، وأدوات زراعية، وماشية وغيرها، ونعتقد أن التغاضي عن هذه العمليات سببه أن هذا النَّهب هو جزء من الدخل الشهري لقوات النظام السوري والإيراني والروسي".
وتردف الحداد: لم يكتف النظام السوري بنهب محتويات المنازل والمحتويات التجارية وحرق العديد منها، لكنه بدأ بسنِّ تشريعات تساعده في عمليات السطو على المناطق التي دمرها، من بينها القانون 63 عام 2012 والمرسوم التشريعي 66 عام 2012 والمرسوم التشريعي 19 عام 2015 والمرسوم التشريعي 11 لعام 2016 والمرسوم التشريعي 12 لعام 2016 والمرسوم التشريعي رقم 3 لعام 2018 والقانون رقم 42 لعام 2018
وتعتبر الحداد أن عملية السطو على الممتلكات عبر تشريع القوانين يخالف القانون الدولي لحقوق الإنسان وتنتهك أبسط حقوق المواطن السوري في الملكية، عقبة أساسية أمام عودة اللاجئين والنازحين، وترقى إلى عملية إخلاء قسري ومحاولة تلاعب بالتركيبة السكانية والاجتماعية.
كما يحظر القانون الدولي العرفي والقانون الجنائي الدولي النهب ولا يشترط أن يكون النهب واسع النطاق أو ذا قيمة اقتصادية عالية، وهو ينطوي على عواقب خطيرة على الضحايا، ومن ثم فإنه يرقى إلى أن يكون انتهاكاً خطيراً للقانون الدولي الإنساني. وفقاً لما تمكنا من تسجيله في الشبكة السورية لحقوق الإنسان فإننا نعتقد أن عمليات النهب التي قام بها النظام السوري بمساندة حليفيه الإيراني والروسي تُشكل جريمة حرب، ذلك وفقاً لما نصَّت عليه القوانين الأساسية والأحكام الصادرة عن المحكمتين العسكريتين في نورمبرغ وطوكيو، ونظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، وقد ترافقت عمليات النهب مع تكسير ما لا يتمكن من نهبه، ثم حرق المنازل. كما انتهك النظام السوري وحلفاؤه عبر عمليات النهب الواسعة اتفاقيات جنيف، وقد اتخذ في عدد كبير من المناطق شكل تدمير الممتلكات أو الاستيلاء عليها على نطاق واسع لا تبرره الضرورات الحربية، وبطريقة غير مشروعة وتعسفية.