وصلت الدمية العملاقة (أمل) إلى ساحة (بهدريان غيوتيير) وسط مدينة (ليون) الفرنسية أول أمس السبت، قادمة من دولة الفاتيكان، التي تمَّ فيها استقبالها رسمياً بحضور المئات من الشخصيات الدينية والسياسية البارزة.
وترافق مع حضور الدمية عدة نشاطات ثقافية منها تصوير فيلم درامي عن رحلتها يسلّط الضوء على رحلات عبور الأطفال اللاجئين، والتحديات التي يواجهونها ومآسيهم. بالإضافة إلى فيلم وثائقي جسدته عائلة سورية تصورت وتحدثت مع (أمل) عن المآسي التي صاحبت رحلتها، والخوف والرعب الذي لازمهم بالبحر، وتفاصيلها التي تتشابه مع حكاية أمل التي تريد إيصالها إلى العالم.
كما صاحبَ وصول أمل إقامة ورشة رسم للأطفال عُرضت من خلالها حكايتها أمام عدد كبير من الفرنسيين واللاجئين السوريين، مع جدارية خلفية مرافقة عبرت عن قصتها ومعاناتها، وشارك في إضافة رسم للجدارية عدد من الأطفال السوريين والفرنسيين كمشاركة وجدانية لها وتضامهم وحزنهم لعذابات الطفلة أمل وكل السوريين الذين أجبرتهم حرب النظام المجرم على اللجوء، كما حضر العرض فنانون ومؤسّسات ثقافيّة ومنظمات مجتمعيّة وإنسانيّة تحت عنوان: "لا تنسوا أمرنا".
الفعالية نفذت بدعوى من منظمة (ألوان) السورية التي نظمت هذا النشاط وأشرفت على الفعاليات المرافقة.
حكاية أمل
الدمية (أمل) التي تجسد شخصية طفلة سورية عمرها تسعة أعوام، خرجت أمها من المخيم لإحضار الطعام ولم تعد أبداً لتبدأ رحلة البحث عنها، حاملة معها رسالة نضال وكفاح وشقاء الملايين الذين هاجروا من أوطانهم بحثاً عن حياة أفضل ولتسليط الضوء على معاناة اللاجئين والمآسي التي عاشوها حتى وصولهم إلى بلدان لجوئهم.
طول الدمية ثلاثة أمتار ونصف، وستمر خلال رحلتها الرمزية على غالبية بلدان أوروبا (اليونان وإيطاليا وسويسرا وألمانيا وبلجيكا وفرنسا)، وكانت بدأتها من الحدود السورية التركية في (غازي عنتاب) متوجهة إلى (مانشستر) البريطانية بمسافة أكثر من نحو 8 آلاف كيلومتر حاملة معها رسالة نضال وكفاح وشقاء الملايين الذين هاجروا من أوطانهم بحثاً عن حياة أفضل ولتسليط الضوء على معاناة اللاجئين والمآسي التي يعيشونها.
يقوم تسعة من محرِّكي الدمى بتحريك (أمل)، بحيث يتناوب ثلاثة أشخاص على تشغليها والتحكم في تعابير وجهها عبر نظام متكامل من الأوتار، بحيث يكون أحدهم داخل الدمية، في حين ستتم الاستعانة بحاسوب للتحكم بحركات وتعابير الوجه.
ويشرف على هذا العمل الملحمي فريق مسرح (The Jungle) والذي بفضله ستزور أمل ما يزيد على 70 مدينة وبلدة باستقبال استعراضي وعروض مسرحية، وذلك قبل أن تدخل بريطانيا عبر ميناء (فولكستون – كينت)، جنوب شرقي إنكلترا، لتحتفل بعيد ميلادها العاشر في لندن قبل أن تشق طريق رحلتها الذي تختتمه في مانشستر.
في هذا الصدد، يقول عضو الفريق، المخرج البريطاني، (ستيفان دالدري): "قصة أمل تتخطى الحدود واللغة لتسلط الضوء على المعاناة التي يواجهها الأطفال اللاجئون، وهي أيضاً شخصية تحمل أملاً كبيراً".
وتتنوع الأحداث في رحلة أمل في كل مدينة تزورها، ففي العاصمة الإيطالية روما، ستمر بمبانٍ مطلية بلوحات فنية تصور القصف الذي تعرضت له البيوت السورية، والتي رسمها الفنان السوري (تمام عزام).
ويرى المخرج الفلسطيني السوري (أمير نزار الزعبي)، الذي يشرف على المشروع أن تضاؤل الاهتمام العالمي بقضايا اللاجئين السوريين قد جعل الحديث عنها الآن أكثر أهمية من أي وقت مضى: "صحيح أن اللاجئين يحتاجون إلى الطعام وأغطية النوم، لكنهم يحتاجون أيضاً إلى الكرامة، والهدف من رحلة (أمل) هو تسليط الضوء على إمكانات اللاجئين، وليس فقط محنتهم القاسية".
كما تهدف هذه الرحلة المسماة (المشي) إلى رفع مستوى الوعي في أوروبا بشأن محنة اللاجئين، وخاصة الأطفال غير المصحوبين بذويهم أو المنفصلين عنهم، ونقل الصعوبات التي يعانيها الأطفال السوريون اللاجئون إلى الأجندة الدولية وإلى الشعوب الأوروبية لكسب تعاطفهم والتخفيف من العنصرية والتنمر التي يتعرض لها بعض السوريين.
ويعد هذا العمل واحداً من أكثر الأعمال الفنية ابتكاراً وشجاعة فهو مصمم كي يقدم إلى الناس في الأماكن العامة، وهو جزء من مبادرة فنية ثقافيّة عابرة للحدود والسّياسات واللّغات، من أجل ألا ينسى العالم ملايين الأطفال المهجّرين.
رحلة أمل
غادرت أمل مدينة ليون متوجهة إلى سويسرا وبعدها إلى ألمانيا لتعود مجدداً إلى العاصمة الفرنسية باريس، ثمَّ إلى مدينة مانشستر شمالي المملكة المتحدة.
اليونان هي الدولة الوحيدة التي أعاقت رحلة الصغيرة أمل المصمَّمة لنقل معاناة الأطفال السوريين اللاجئين، وتمَّ رفض استقبالها في منطقة (ميتيورا) السياحية ذات الكنائس والأديرة العديدة بذريعة أنها (مسلمة)، وقال رئيس بلدية (ميتيورا) آنذاك: "المنطقة لها (طابع ديني)، لذلك نعارض قدوم الدمية المسلمة".
كما أصدرت جمعية (ميتيورا ليثوبوليس) بياناً أكدت فيه أن فعالية الدمية أمل هي عبارة عن "خطة خبيثة لتخريب البنية الحضارية والثقافية للمنطقة"!.
ما حققته أمل في رحلتها فاق بكثير ما قدمته المعارضة السورية الرسمية، وحققت أموراً كثيرة مهمة في تقديمها الصورة الحقيقية لما يحدث في سوريا والأحداث المأساوية التي أرغمت السوريين على ترك وطنهم واللجوء إلى أوروبا بحثاً عن الأمان والاستقرار.
وفي جميع الوقفات التي شاركنا فيها بفرنسا، كنا نصطدم بالموقف المضلل الذي وصل إلى غالبية الشعوب الأوروبية عبر الإعلام المسيّس، بأن نظام الأسد المجرم هو نظام "علماني" يحافظ ويدافع عن الأقليات بما فيها المسيحية ضد ما يصفونه بـ "الإرهاب" الإسلامي، الذي يهدف إلى قتل وإلغاء كل من ينتمي إلى دين آخر.