يصادف يوم الثالث من أيار في كل عام اليوم العالمي لحرية الصحافة، وفي هذه المناسبة تستذكر الصحفيَّات السوريات ما واجهته كل واحدة منهن من صعوبات ومعوقات في مسيرتها المهنية، إذ طالت آراء بعض الناس انتقاد الصحفيات دينياً، واتِّهامهن بسرقة فرص العمل وغيرها.
قالت الصحفية سلوى عبد الرحمن، لموقع "تلفزيون سوريا"، "أصبحت أكثر خبرة في التعامل مع التحديات التي تواجهني، سواء على الصعيد المهني أو المجتمعي، كما أنني أتوقَّع المخاطر وأفكِّر في إدارتها قبل أن أقوم بإنتاج أي محتوى، سواء كان مكتوباً أو مرئياً".
وأكَّدت أن "الصحفية السورية يجب أن تكون حذرة دائماً، لأننا نعايش حرباً محفوفة بالمخاطر، مضيفة "أعمل بأريحية طالما أن عملي ضمن التغطيات العادية كالأنشطة وقصص النجاح".
كلية الإعلام للذكور فقط
من جانبها، تقول الصحفية سوسن الحسين إن "أهم العوائق التي تواجه الصحفيات السوريات هي تقبُّل المجتمع لفكرة عمل النساء في مجال الصحافة"، مضيفة أن "المجتمع ليس العامل الوحيد، إذ إن الجهات الحكومية لها دور في تعزيز هذا الشأن لأنها على سبيل المثال منعت الإناث من الدراسة الأكاديمية للصحافة في كلية الإعلام المنشأة منذ سنتين في إدلب وخصصتها للذكور فقط".
وأضافت "ما زلنا نلمس بعض مواقف الرفض المجتمعي التي تظهر في التعليقات السلبية على مواقع التواصل الاجتماعي، أو رفض بعضهم التصريح في المقابلات التي نجريها لأسباب تتعلق بكون الطرف الآخر صحفية".
وتستاءُ كثير من الصحفيات السوريات من استبعادِ الإناث عن كلية الصحافة التي تم افتتاحها في مدينة إدلب، وعبَّرت كثيرات عن وجوب افتتاح التسجيل للإناث.
وسأل موقع "تلفزيون سوريا" عميد كلية العلوم السياسية والإعلام، عادل حديدي، عن سبب اقتصار التسجيل في الكلية على الذكور فقط، فأجاب بأنه "لم يتم افتتاح شعبة للإناث بسبب قلة إقبالهنَّ على التسجيل".
وفي مقابل ذلك، لم تلغ جامعة إدلب دفعة السنة الثانية من قسم اللغة الفرنسية، والتي لا يوجد فيها سوى أربع طالبات، بل تم دمجهنَّ مع دفعة الذكور بسبب قلة عددهن، وفق الطالبة في قسم اللغة الفرنسية بتول الزير.
وتتساءل الصحفيات السوريات عن سبب استبعاد المُقبلات على التسجيل في كلية الإعلام بدلاً من قبولهنَّ ودمجهنَّ مع دفعة الذكور، كما هو الحال في قسم اللغة الفرنسية.
ووفق آلاء المحمد، وهي إحدى السيدات اللواتي يطمحنَ للدراسة في كلية الإعلام، فإن مسؤولي التسجيل أخبروها أن عدد المتقدِّمات قليل، مما دفعهم إلى إلغاء تسجيل الإناث.
الصحافة ليست حكراً على الرجل
وتواجه الصحفية السورية كثيراً من "الجعجعات"، التي تتهمها بأنها "تصارع لسرقة مناصب الرجال"، وأنها "تزاحم الرجل على لقمته"، وغيرها من الانتقادات اللاذعة، وفق ما أكدته الصحفية حلا اسليم.
وقالت حلا لموقع "تلفزيون سوريا" إن "تنمُّر الجنس الآخر هو إحدى المشكلات التي تواجه الصحفية السوري اليوم، إذ تواجه الصحفية السورية عبارات مثل (مكانك المطبخ، شو رح يطلع معك، عم تنافسوا الرجال..)".
ووفق حلا، فإن "الصحافة ليست حكراً على الرجل، إذ إن هناك مواضيع تحتاج إلى إحساس المرأة أكثر من الرجل، كما أن هنالك مواضيع خاصة بملف المرأة تفضِّل المرأة أن ترويها لصحفية من جنسها بدلاً من الخوض فيها مع صحفي".
وأوضحت أنه "كنت أعمل على مادة تسلِّط الضوء على طلاق القاصرات، وقوبِلتُ بكثير من الانتقادات والاتِّهامات التي كان أبرزها أنني أحرِّض النساء على الفساد والحرام مقابل أجر أتقاضاه من الجهة التي أعمل لها، ومع الأسف لم أستطِع إكمال هذا التقرير بسبب رفض المجتمع لهذه الفكرة، وامتناع معظمهم عن التصريح بأي قصة تخص الموضوع".
وأعربَت حلا عن "أسفِها من اضطرار الصحفيات السوريات إلى اجتناب الحديث عن قضايا تتعلق بالمرأة، مثل التحرش والتعنيف وغيرها من المواضيع التي تُعتبر مهمة جداً، ولكنها تفتح كثيراً من أبواب الانتقادات والاتهامات الباطلة".
"في حارتنا صحفية"
وتضطر الصحفيات السوريات في شمالي سوريا إلى سماع جميع أنواع التعليقات السلبية من القريب قبل الغريب، وفق الصحفية سناء العلي، التي قالت "أعمل في الصحافة منذ ثماني سنوات، وأؤكد أن العمل في هذه المهنة بمنزلة تحد لإثبات الذات".
وأضافت "تعرضتُ لكثير من التنمُّر والسخرية في بداية عملي من الوسط القريب، كالجيران مثلاً، وأطلق بعضهم عبارة (في حارتنا صحفية) وكانت تُقال بسخرية مقيتة، كذلك بعض الأقارب عارضوا عملي لأنني أنثى، وخروجي للتصوير هو أمر مستنكر، حتى أصبحت أصطحب ابني كرفيق في كل عمل، مما جعله يتعلَّم التصوير ويُرافقني في المهنة".
وأشارت سناء إلى أن "إيجاد فرص العمل هو إحدى المشكلات التي تواجه الصحفية في شمال غربي سوريا، بحُكم وجودها في منطقة صغيرة شبه محاصرة وضمن كثافة سكانية كبيرة تشابهت فيها قصص الناس وأحوالهم وتكرر تصوير كثير من الحالات".
صعوبات مجتمعية وآلام نفسية
وتترسخ كثير من المشاهد المأساوية في ذاكرةِ الصحفيَّات السوريَّات اللواتي وثَّقن أحداث كارثة الزلزال العام الفائت، لكن ما عايشته الصحفية فاطمة حج موسى جمع بين صعوبات الصحافة والأمومة في آنٍ واحد، إذ أنجبت فاطمة طفلها قبل الزلزال ببضع ساعات، وبعد وقوع الكارثة اضطرت إلى صعود الدرج ونزوله كثيراً مما أثَّر على صحتها.
وذكرت فاطمة أنه "كنتُ أنا وطفلي الرَّضيع بحاجة ماسَّة إلى الراحة والدفء، لكننا أمضينا معظم الأوقات في الخارج تحت الأمطار".
من جانبها، عبَّرت الصحفية سوسن الحسين لموقع "تلفزيون سوريا" عن الآلام النفسية التي عايشتها في فترة الزلزال، موضحة أن "المشاهد والحالات التي قابلتها جعلتني أعيش شعور الناجين والفاقدين، لذا فإن كل ما نمر به في الشمال السوري يترك أثراً ليس بالقليل، وذلك لأن الفقد والفقر والألم عامل أساسي في معظم القصص التي نقابلها".
"للرجال الحق بالكلام والصمت للنساء"
كما تواجه الصحفيات السوريات شريحة من المجتمع تؤمن بأحقيَّة تكلم الرجل مع وجوب صمت المرأة عن كل ما تراه، وتحدثت الصحفية ياسمين المعراوية لموقع "تلفزيون سوريا" عن أبرز وأهم ما تحتاج إليه وتفتقده الصحفية السورية.
وقالت ياسمين "نعاني من استنكار المجتمع الذكوري وتغيُّب الإعلام المرئي الرسمي، بالإضافة إلى حاجتنا للأمان ووجود جهات تضمن عدم تعرُّض الصحفية لأيِّ ضغط أو ممارسة العنف بحقها من أيِّ جهة كانت، وضمان حقوق الصحفيَّات من الاستغلال بحال العمل، ووجود مؤسسة قضائية ترعى حق الصحافة، ولا ننسى مشكلة تغيُّب الإعلام العالمي والإعلام الرسمي في مناطقنا كمراسلين محليين للأحداث والوقائع".
ووجهّت الصحفية سوسن الحسين رسالة إلى المجتمع عبر موقع "تلفزيون سوريا" قالت فيها إن "الصحفية واحدة من المجتمع، وتقبُّل فكرة أهمية وجود صحفيَّات في الميدان مسألة مهمة جداً، لأنها أقدر على الوصول إلى مجتمع النساء من الصحفيين أحياناً، حالها كحال المسعفة أو الطبيبة أو المحامية".
وأكدت الصحفية سوسن أن "بعض النساء قد تجدن حرجاً في التحدث عن قضاياهنَّ أمام الرجال، لذا تسهم برامج المناصرة الإعلامية لأهمية دور الصحفية بدور في الحلول التي تساعدها في الاستمرار، وللإرادة الذاتية دور في هذا الاستمرار أيضاً".