البث المباشر
في ظل الظروف الصعبة التي تعيشها الصحفيات شمال غربي سوريا، تزداد تحديات مهنة الصحافة وتتعدد مخاطرها، خاصة بالنسبة للنساء اللاتي اخترن هذا المجال، والعمل ضمن بيئة تعد الأخطر على مستوى العالم.
ومع ذلك تواصل العديد منهن العمل في ظل كل تلك التحديات، إذ تلعب الصحفيات دوراً مهماً في نقل الأخبار والمعلومات وتشكيل الرأي العام، ونقل القضايا التي تهم المجتمع من زوايا يصعب على الصحفيين تغطيتها، ورغم ذلك فإن تحقيق تمثيل متساوٍ، وفرص متكافئة للصحفيات ما يزال تحدياً يواجه العديد من النساء في شمال غربي سوريا.
فمنهن من استمرت بعملها متحدية العادات المجتمعية الرافضة لدورها، وهناك من كان السكوت نصيبها نتيجة التسلّط، واستسلمت للصعوبات والتحديات، ومنهن من اختارت العمل تحت اسم مستعار للحفاظ على حياتهن.
تروي الصحفية عفاف جقمور لـ موقع تلفزيون سوريا، وهي صحفية سورية مستقلة تعمل في الشمال السوري، عن تجربتها في المجال الإعلامي، حيث بدأت مسيرتها الصحفية في سوريا، منذ العام 2011، واضطرت في البداية إلى استخدام اسم مستعار حفاظاً على أمنها الشخصي، ولكن في العام 2015، قرّرت الكشف عن اسمها الحقيقي.
وقالت جقمور: "منذ أن اخترت دراسة الصحافة كنت أعلم أن هذا المجال ليس سهلاً، لكنني كنت مستعدة لمواجهته"، موضحةً: "إخفائي لاسمي الحقيقي واستعمالي اسماً مستعاراً أسهم بشكل ما في حمايتي بداية مسيرتي المهنية، لكنه عرّضني للعديد من المشكلات والتحديات".
وبحسب جقمور فإنّ قسماً من أسباب ضعف تمثيل الصحفيات في المنطقة يعود إلى أسباب ذاتية تتعلق بالصحفيات أنفسهن وهي تتعلق بالمستوى التعليمي والمهني والاقتصادي لهن، فمثلاً لا يوجد الكثير من الصحفيات اللاتي درسن في كلية الإعلام بجامعة حلب "الحرة"، وحتى اللاتي درسن فيها لا يجدن فرص عمل كافية أو مجالات تدريبية متاحة، كما أن الصحفيات يواجهن صعوبات في تأمين الأدوات والمعدات اللازمة لعملهن مثل: "الكاميرات والحواسيب والإنترنت"، وهذا يقلل من فرصهن في التعاقد مع وسائل الإعلام المحلية أو الدولية.
وأضافت جقمور: "هناك أسباب مجتمعية متعلقة بالعادات والتقاليد والمعتقدات السائدة في المجتمع السوري بشكل عام وفي شمال غربي سوريا بشكل خاص، تحد كثيرا من طموحات الصحفيات، فالمجتمع السوري يعتبر المرأة مرتبطة بالبيت والأولاد ولا يحبذ أن تخرج في أوقات متأخرة أو تتعرض للخطر أو تتعامل مع الرجال، وهذا يحد من حرية الصحفيات في التنقل والوصول إلى مكان الحدث أو لمصادر المعلومات".
وتابعت: "بعض وسائل الإعلام تميل إلى توظيف الصحفيين أكثر من الصحفيات لأسباب متعلّقة بالكفاءة أو الثقة أو الانتماء السياسي، وهذا يتعارض مع المادة السابعة من الإعلان العالمي لحقوق الانسان التي تنص على أن الناس جميعاً سواء أمام القانون، وهم يتساوون في حق التمتع بحماية القانون دون تمييز، كما يتساوون في حق التمتع بالحماية من أي تمييز ينتهك هذا الإعلان ومن أي تحريض على مثل هذا التمييز".
أما هادية المنصور وهي صحفية سورية مستقلة تعمل في شمال غربي سوريا، قالت لـ موقع تلفزيون سوريا إنّ الصحفيات في الشمال السوري يقمن بعمل مميز ومتنوع في مختلف المجالات الإعلامية، فهناك محررات ومنتجات ومصممات ومصورات ومراسلات وكاتبات ومقدمات برامج ومذيعات، لكن للأسف هناك تهميش وتمييز ضدهن من قبل المجتمع الذكوري الذي يعتبر الرجل أكثر قدرة وكفاءة على العمل الصحفي، كما أنّ هناك وصمة اجتماعية تلاحق الصحفيات اللاتي يعملن في الميدان بإدلب، حيث ينظر إليهن على أنهن خارجات عن المألوف ومخالفات للعادات والتقاليد التي تحد من حرية ومشاركة المرأة في الحياة العامة".
وبيّنت منصور أنّ "عمل الصحفيات لا يلقى الاحترام والتقدير الذي يستحقه، فعمل الصحفيات لا يقل أهمية عن عمل الصحفيين، بل ربما يكون أكثر صعوبة ومخاطرة في بعض الأحيان، فالصحفيات ينقلن الحقائق والمعلومات والآراء والتأثير على الرأي العام بشكل مهني ومسؤول فيواجهن التنمر والمحاربة والكراهية من بعض الفئات المجتمعية التي لا تقبل وجود المرأة في المجال الإعلامي، وتشكك في حرفيتها وقدرتها على الأداء بدقة وسرعة رغم أن الصحفيات قد أثبتن عكس ذلك".
وشدّدت على أنّ "غياب القوانين التي تحمي حرية الصحافة والإعلام في المنطقة والتي تتعرض للانتهاكات والتضييقات من بعض الجهات المسلّحة أو السياسية، وانعدام الأمان وصعوبة الحركة والتنقل بسبب القصف المتواصل والمواجهات المسلحة والحواجز والنقاط الأمنية، تشكّل خطراً على حياة الصحفيات ومعداتهن".
وتابعت: "الجهل أيضاً وقلة الوعي وحصر دور المرأة بأعمال محددة، والتي تنطوي على نظرة متحيزة ومهينة للمرأة وعملها وتؤدي إلى تقليل من قيمتها وإنجازاتها، بالإضافة إلى الوصمة الاجتماعية الناتجة عن المواقف والأفكار الرافضة لعمل النساء، خاصةً في المجال الصحفي والإعلامي، حيث تعتبره عملاً غير لائق أو غير محترم أو غير مقبول".
كذلك "حملات الكراهية ضد عمل الصحفيات على وسائل التواصل الاجتماعي والتي تستخدم السب والشتم والتهديد والتشهير والتحريض ضد الصحفيات وعملهن وتحاول ترويعهن وترهيبهن وتخويفهن هي عوامل تعيق عمل الصحفيات".
وفي تقرير لحقوق الإنسان السوريّة لعام 2023 يرصد حجم هذه الجرائم بحق الصحفيات السوريات من انتهاكات متعددة ومستمرة من قبل جميع الأطراف المتصارعة، وعلى رأسها النظام السوري، حيث بلغ عدد الصحفيين والعاملين في مجال الإعلام الذين قتلوا 715، بينهم 6 صحفيات، و52 آخرون توفوا نتيجة التعذيب، بالإضافة إلى إصابة 1603 بجروح مختلفة، هذه الأرقام تنذر بخطر يهدد حرية الصحافة وحق الجمهور في الحصول على معلومات موثوقة ومحايدة".
وعن السياسات المتبعة لدى بعض وسائل الإعلام السورية حيال الصحفيات قالت مديرة "راديو نسائم" ريم الحلبي لـ موقع تلفزيون سوريا: "لدينا في راديو نسائم سياسة جندرية خاصة بالمؤسسة بالإضافة إلى السياسات العامة التي تشجع على التوازن بين الجنسين، ولدينا سياسات تضمن وجود محتوى متوازن ومتنوع سواء لناحية التوازن في جنس المصادر أو لناحية إظهار الأصوات النسائية الفاعلة، ومحاربة صورة المرأة الضحية ضمن المحتوى الإعلامي".
وعن الصعوبات التي تواجها كسيدة تدير مشروعاً إعلامياً، بيّنت "الحلبي" أنها تواجه مجموعة من المصاعب أهمها صعوبة الحصول على تمويل مشاريع جديدة لتطوير المؤسسة، غالباً ما يكون الدعم المالي محدوداً بالنسبة للمؤسسات الصغيرة أو التي تركز على دعم النساء، بالإضافة إلى الصورة النمطية والتحديات الثقافية في بعض الأحيان حيث يُعتبر دور النساء في الإعلام محدوداً، ممّا يصعّب تغيير توقعات المجتمع أو المجال نفسه، وأخيراً المنافسة والمجتمع المسيطر عليه من قبل الذكور في صناعة الإعلام بالمراكز القيادية، مما يُضعف فرص النساء في الصعود في السلم الوظيفي أو التأثير بشكل أكبر على صنع القرارات.
وأكّدت الحلبي بأنها "لا تتوانى بشأن تشجيع وتدريب وتطوير الصحفيات اللاتي يعملن معها، حيث تعمل على تطوير المهارات الصحفية والقيادية لديهن، وتوفير فرص للمشاركة في مشاريع مهمة أو تدريبات احترافية وتقديم الدعم الشخصي والمهني للنمو في مسارهن المهني مع مراعاة جوانب عديدة والتي تقع على عاتق النساء كالحمل والأمومة، وإمكانية العمل عن بعد إن كان ذلك يساعد الصحفيات ويوصلهن إلى نتائج عملية ومريحة بشكل أفضل".
حلول غائبة
بالنسبة للحلول ترى جقمور، أنه "يجب العمل على توفير المنح والمساعدات الاقتصادية للصحفيات لتمكينهن من شراء الأدوات والمعدات اللازمة لعملهن وتحسين جودة إنتاجهن، بالإضافة إلى تشجيع وسائل الإعلام على تطبيق مبدأ المساواة بين الصحفيين والصحفيات في التوظيف والترقية والتقييم والأجور والحماية القانونية والأمنية".
بدورها، بيّنت المنصور أنه "يجب تنظيم حملات توعوية وتثقيفية للمجتمع عن دور وأهمية الصحفيات في نقل الحقيقة والمعلومات والرأي والتأثير على القرارات العامة، وتغيير النظرة السلبية والمتحيزة للمرأة وعملها، وتعزيز الاحترام والتقدير للصحفيات وإنجازاتهن وتشكيل شبكات وتحالفات وتعاون بين الصحفيات في شمال غربي سوريا وفي باقي المناطق السورية والعربية والدولية".
وحثّت مديرة "راديو نسائم" الصحفيات على ضرورة الالتزام بالمعايير المهنية والأخلاقية للصحافة في مختلف الظروف، واكتساب الخبرة المتنوعة من خلال العمل في مختلف المجالات داخل الإعلام، سواء كانت صحافة مكتوبة، تلفزيونية، راديو، أو وسائط رقمية، لاكتساب تجربة متعددة وتعمق في مجالات مختلفة والبحث عن زوايا جديدة للقصص وطرق مبتكرة للتواصل مع الجمهور، والاستفادة من التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي للترويج للعمل الصحفي.
تم إنتاج هذه المادة من خلال مشروع ربط طلاب الإعلام بسوق العمل الحائز على جائزة (ivlp impact) ضمن مشروع الزائر الدولي التابع لوزارة الخارجية الأميركية".
