في وجه إجرامي آخر للحرب

2024.09.23 | 05:47 دمشق

آخر تحديث: 23.09.2024 | 05:47 دمشق

35555555
+A
حجم الخط
-A

بالمقارنة، بين طريقتي التعاطي مع حدثين محتملين، أولهما الرد الإيراني العتيد الذي لم يحصل حتى الآن، وثانيهما الاستعدادات الحثيثة لحرب إسرائيلية ضد حزب الله في الجنوب اللبناني.

يجد المتابع أن وسائل إعلامية عربية، مشهود لها بالخبرة المهنية، تولي الحدث الأول اهتماماً كبيراً، وتضعه بالإجبار في عيون وآذان المشاهدين، بينما تتحدث عن الثاني بتركيز أقل، وتقلل من تأثيراته المحتملة، وتضعه ضمن سياق الحدث الأساسي، الذي بدأ في هجوم السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.

من تجارب سابقة، ردة الفعل الإيرانية على مقتل ضباطها، تبدو رمزية، فهي لا تستهدف إحداث الأذى لدى الخصوم، بقدر ما تبغي حفظ ماء الوجه أمام جمهور، تحفزه الشاشات التلفزيونية، وتوهمه بأنه على موعد مع لحظة مفصلية في التاريخ! سيكون ما بعدها مختلفاً عما قبلها!

لكن الحقيقة الصادمة، تعيده إلى الأرض، ليمشي عليها بقدميه، وليس عبر نِعال، بأجنحة من الشعارات!

فعل الإيرانيون، عبر الميليشيات التي خاضت حروباً محلية، في سوريا والعراق واليمن ولبنان، جرائم إبادة بحق المدنيين، واستدعوا ردود أفعالٍ تزكي سياستهم، في الحقن الطائفي.

ومن تجارب سابقة أيضاً، لا يطنطن مجرمو الكيان كثيراً أمام جمهورهم، لكنهم، يُخططون دائماً، ويضعون حلولاً على الطاولات، ويفسحون المجال، لأشد العقول رغبة في الفتك، من أجل تدمير الجهات المعادية للدولة العبرية، وغالباً ما تكون أفعالهم غاية في الأذى للمدنيين، الذين يسقط من بينهم عشرات الآلاف، كضحايا لحروب، لم يختاروا مواعيدها أو أمكنتها.

الموقف الأخلاقي الصحيح، تجاه ما يجري في الحروب، يبدأ من رفضها بشكل عام، والسعي من أجل ألا تحدث، إن كان وقودها من المدنيين، إذ لا شيء يبرر مطلقاً أن يُقتل إنسان، كل ذنبه أن القدر ساقه، إلى مكان وزمان، مفخخين بموته المجاني!

عندما تكون الحروب مبنية على عقائد فتاكة، كما هو الحال الآن، في دول تبني خطاباتها على الدين، كإيران الولي الفقيه، التي يقودها متطرف اسمه علي خامنئي، وإسرائيل، الدولة اليهودية، التي يقودها متطرف آخر اسمه بنيامين نتنياهو، نكتشف طبقة أخرى من الفداحة، قوامها أن الحروب التي تنطلق من هذا الوعي الديني المحقون بالتطرف، ستكون حروب إبادة!

فعل الإيرانيون، عبر الميليشيات التي خاضت حروباً محلية، في سوريا والعراق واليمن ولبنان، جرائم إبادة بحق المدنيين، واستدعوا ردود أفعالٍ تزكي سياستهم، في الحقن الطائفي، من خلال تنظيم الدولة "داعش" الذي يُشك دائماً، بأنه يُقاد من الخلف، من قبل استخبارات الحرس الثوري!

وفعل الإسرائيليون، الأمر ذاته، في غزة، في حربهم الإجرامية، ضد حركة حماس ظاهراً، وضد الشعب الفلسطيني فعلياً، فقتلت أسلحتهم، عشرات الآلاف من المدنيين، في حمام دم لم يشهد له العالم مثيلاً!

دعكم من الأكاذيب المستهلكة، عن أن إيران الولي الفقيه، تريد تحرير القدس، وكذلك، فَلْنرمِ في سلة المهملات، ادعاءات الإسرائيليين بأنهم يريدون السلام، ولننظر فيما تستهلكه الدعاية الإعلامية، الصاخبة في موضوع الردود، في حالتي رد إيران على مقتل إسماعيل هنية على أراضيها، ورد حزب الله على مقتل قائده الميداني فؤاد شكر، وكذلك الردود المزمعة على هجمات أجهزة البيجر والووكي توكي السيبرانية، وقتل قادة وحدة الرضوان وسط منطقة نفوذها!

حيث نكتشف أن هذا الترويج، يقودنا إلى هياج مرتفع المستوى، يقوم على تعظيم المنتقمين، والإعلاء من شأنهم، ومن طبيعة ردود أفعالهم، وهذا ينطوي بذاته على تقليلٍ من قيمة، وقدرات المُنتَقم منهم! لكن النتائج بعد كل ردة فعل، لا تتناسب مع الضجيج الذي مهد لها.

ولننظر في النتائج المحتملة، لأي عملية عسكرية، يحتمل أن تقوم بها آلة الحرب الإسرائيلية، ومن خلفها تأييد عالمي، يتذرع بحق إسرائيل في الوجود، وفي الدفاع عن نفسها.

الآن، وبعد شهور من "الإسناد" الذي يدعيه حزب الله تجاه "المقاومة" في غزة، يمكن الحديث عن قرى بكاملها في جنوبي لبنان، باتت مهجورة، لا يمكن لسكانها أن يعودوا إليها، طالما أن قرار الحرب، أو السلم، يؤخذ في أقبية الضاحية الجنوبية، في بيروت، وبأوامر تصدر من "بيت القيادة" (مكتب الخامنئي) وسط طهران!

هل نحن ندين الجميع في هذه اللحظة، نعم، من الضروري أن نفعل ذلك، طالما أن آخر من يؤخذ بالحسبان، هو دم الضحايا، وصرخات آلام الجرحى، والمفجوعين!

وبالتوازي مع هذا الواقع، ثمة تفاصيل تروى عن أن سكان الجنوب، يتم إسكانهم، في بيوت، يحتكم الحزب عليها في سوريا، أي في مناطق قام بطرد سكانها منها، وأن هؤلاء "المُهجرين" الهاربين من الحرب في لبنان، سيسكنون في بيوت أشخاص، هربوا في أوقات سابقة، بسبب إجرام ميليشيا الحزب، فهل ثمة صوت بين حاضنته الشعبية، ينطق بالحق، ويرفض هذه الحلول المبنية على تراكم إجرامي لاأخلاقي!؟

ثمة قضية عادلة، هي حق الفلسطينيين في استعادة وطنهم السليب، وكذلك صارت لدى السوريين، قضيتهم العادلة، وهي حقهم بالعيش بحرية وكرامة، وفي أن يعيشوا، في دولة مدنية ديمقراطية.

وفوق هاتين القضيتين، تراكمات حروب مصالح، يدعي المتحاربون فيها، أنهم لا يبتغون سوى إحقاق الحقوق، غير أنهم ينجون دائماً، ويموت آخرون بسببهم، وبسبب قراراتهم، التي تؤخذ بسلطة قهرية، وليس بتفويض شعبي.

غير أن حقائق دامية مثل هذه، تبتلعها آليات الترويج الإعلامي، وربما لا تنظر فيها من الأصل، إذ لا أحد يناقش على الشاشات "الحربجية" قضايا الحريات والديمقراطية، وقوننة السلاح، وتقييد استعماله، إلا بموجب قرارات تعقد من أجلها البرلمانات.

وإذا بحثت عن السبب، فستجد أنه ببساطة، الوعي التلقائي الذي يُحدثه في المجتمعات، تأبيد سلطات أصحاب اللحى، ورجالات العسكر، وشرائح سياسية انتهازية، تنمو كطفيليات، بقرب مصادر الجعالات!

هل نحن ندين الجميع في هذه اللحظة، نعم، من الضروري أن نفعل ذلك، طالما أن آخر من يؤخذ بالحسبان، هو دم الضحايا، وصرخات آلام الجرحى، والمفجوعين!