انقضى عقد على اندلاع الثورة السورية، ومازال آلاف المعتقلين والمختفين قسراً محتجزين في سجون نظام الأسد، دون أي تقدم ملموس في هذا الملف، والعمل اقتصر فيه على إصدار نشرات دورية بأعداد المعتقلين والمطالبة بالإفراج عنهم، والإدانات.
في العام 2018 عُلقت آمال السوريين على وجه العموم وذوو المعتقلين بشكل خاص في تحقيق تقدم ولو خجول خلال محادثات "أستانا - 9" التي عقدت في أيار من العام ذاته، والتي شاركت فيها كلا من روسيا وتركيا وإيران، لأن هذه الجولة كان من المقرر فيها تناول ملف المعتقلين، بناء على تشكيل لجنة عمل مخصصه والتي أُقرت بمحادثات "أستانا – 8" في كانون الأول من العام 2017، ليأتي البيان الختامي مخيباً للآمال مجدداً، ليبقى ملف المعتقلين "تحصيل حاصل" لا أكثر عند المجتمع الدولي، كما يرى مطلعون.
المعتقلون بالأرقام
وثقت "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" اعتقال النظام ما لا يقل عن 131,106 أشخاص لايزالون قيد الاعتقال التعسفي أو مختفين قسراً منذ آذار من العام 2011 ولغاية آذار من العام الفائت.
وأكدت الشبكة أن حصيلة المختفين قسراً في سجون النظام من ضمن إجمالي عدد المعتقلين نحو 86,276 وذلك منذ آذار من العام 2011 ولغاية تموز من العام 2020.
وقال، فضل عبد الغني، مدير "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" لموقع تلفزيون سوريا إن هناك تقارير دورية تصدرها المنظمات الإنسانية والشبكة السورية على مدى سنوات حول أعداد المعتقلين في سجون النظام، دون أن "يتخذ مجلس الأمن أي قرار عملي بخصوص هذا الملف".
وعلى الرغم من وصول الاختفاء قسراً إلى مرتبة الجرائم ضد الإنسانية، أكد عبد الغني أن هناك "تخاذلاً وإهمالاً وتقصيراً في ملف المعتقلين، وذلك لعدم الاكتراث بالقدر الكافي لما يحصل في سوريا من قبل المجتمع الدولي"، منوهاً أن هناك "فشلاً مستداماً بهذا الملف، وأنه لا يوجد أي ضغط دولي على النظام بما يخص المعتقلين".
وأكد رئيس "الهيئة الوطنية للدفاع عن المعتقلين والمفقودين" المحامي، ياسر فرحان، لموقع تلفزيون سوريا أن المجتمع الدولي "لم يضغط بشكل فاعل على النظام بقضية المعتقلين وأنه يتحمل جزءاً كبيراً من أسباب الفشل وعدم إحراز أي تقدم يذكر في إنقاذهم".
وضرب فرحان مثلاً في هذا الخصوص قائلاً إن "سفراء 8 دول كبرى قدموا واجب العزاء بغياث مطر في مدينة داريا عقب تسليم النظام جثمانه لذويه بعد اعتقاله، تبع ذلك حملة اعتقالات طالت الأشخاص الذين استقبلوا السفراء الثمانية ونسقوا معهم لمشاركتهم في واجب العزاء، حيث أخفاهم النظام ثم قتلهم في سجونه، دونما عقاب رادع من قبل هذه الدول لإنقاذ الشبان".
وأشار إلى أن الهيئة تشكلت بقرار من الائتلاف وتعمل بالتكامل مع منظمات المجتمع المدني والأطراف الحقوقية الأخرى على إبراز الملف في المحافل الدولية والأوساط السورية، وتعمل بصورة مستقلة فنياً للدفاع عن المعتقلين والمفقودين السوريين لدى كل الأطراف، ولتمثيلهم في الاجتماعات الدولية، عبر استخدام الوسائل المشروعة بهدف الإفراج عنهم وإنصافهم، ومساءلة مرتكبي الانتهاكات بحقهم، ومكافحة ظواهر وسلوكيات الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب والتصفية التي يتخذها النظام نهجاً له.
ستيفان ديمستورا: ملف المعتقلين مؤجل
في الوقت الذي كان فيه ستيفان ديمستورا، المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا أجل الضغط على النظام بملف المعتقلين إلى حين الوصول إلى اتفاق سياسي نهائي في سوريا وفق استنتاج فرحان للمباحات الأممية التي جرت في عهده، منوهاً أن الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما "تخاذل أيضاً بالتعامل مع الملف لاعتقاده أن فتحه بشكل كامل وتفصيلي يؤثر على المفاوضات السياسية، ويمنع النظام من الاستمرار فيها، الأمر الذي كان له تأثير كبير على مستوى التحرك الدولي والمحلي".
وقال فرحان إن "موقفنا تجاه الملف كان واضحاً ومعلناً بالنظر لهذا النمط في التفكير غير الأخلاقي وغير القانوني وغير الإنساني فضلاً عن أنه غير مجدٍ، مطالبين الالتزام بنص القرارات الدولية التي تدعو إلى الإفراج الفوري عن المعتقلين (مذكراً) أننا نجتمع بعد عشر سنوات في آذار، وحادثتان في الذاكرة الحاضرة شكلت البداية لثورة الشعب السوري، ففي مثل هذه الأيام من عام 2011 اعتقل نظام الأسد أطفال درعا وعذبهم لأنهم كتبوا على جدران مدارسهم عبارات تطالب بالحرية والكرامة".
ونوه فرحان أن "عشر سنوات مرت بثابتين اثنين، الأول يتمثل باعتماد نظام الأسد على الاعتقال والتعذيب والتصفية والتي تعد أحد أهم ركائزه في الحكم، والثاني استحالة الوصول إلى السلام والاستقرار في سوريا والمنطقة قبل معالجة أسباب المشكلة، وعلى رأسها قضية المعتقلين".
وأكد أن "الاعتقال خارج القانون والاختفاء القسري والتعذيب والتصفية وكل ضروب المعاملة اللاإنسانية، أوصاف لسلوكيات متجذرة لدى النظام ومترسخة في ممارسات أجهزته على مدى نصف قرن في تعاطيه مع المعارضة قبل وخلال الثورة، حيث يعتبر نشر الرعب في صفوف الشعب السوري أحد أهم ركائزه في الحكم".
غير بيدرسون: الملف ضمن شواغله الخمسة
حدد المبعوث الدولي الخاص إلى سوريا،غير بيدرسون، في جلسته الأولى بـ "مجلس الأمن" شواغله الخمسة وكان من ضمنها ملف المعتقلين، وأشار فرحان إلى أنَّ ذلك جاء بناء على مطالب السوريين، خلال "اجتماع عقد مع لجنة المعتقلين في جنيف، والتي قدمت أوراقاَ لبيدرسون لاعتبار قضية المعتقلين الملف الأكثر إلحاحاً".
وأضاف أنه في أول اجتماع للجنة الدستورية في مقر هيئة التفاوض بالرياض تم تسليم بيدرسون الرسالة الأولى تحت عنوان "نداء من أمهات المعتقلين والمعتقلات" جاء فيها أن العملية الدستورية "لا تشكل بالنسبة إليهن أي قيمة إلا بمقدار ما تحققه من كشف مصير أحبائهن، وبمقدار ما تضمنه من إفراج وإنصاف ومنع لتكرار هذه الانتهاكات".
وبيّن أنه "تم تسليم آلية التحقيق المستقلة (IIIM) حقيبة أدلة تدين النظام بملف المعتقلين، وبناء على مذكرة تفاهم شاركتها الآلية مع إحدى المحاكم الأوروبية، مضيفاً أن لجنة التحقيق الدولية فتحت تحقيقاَ خاصاً حول إخطارات الوفاة التي يرسلها النظام من معتقلاته إلى دائرة النفوس، بناء على مذكرة رسمية قيدت شكوى لدى اللجنة مع مرفقاتها من بيانات وأدلة".
ويحاول النظام عبثاً إغلاق ملف المعتقلين من خلال مراسيم عفو مزيفة ليخدع بها المجتمع الدولي، وبالمقابل ينفذ حملات اعتقال جديدة بإعداد مضاعفة، ونوه فرحان أنه من خلال بيانات الرصد والدراسة المنجزة "كل الأطراف باتت تدرك أن النظام لا يغير سلوكه".
ابتزاز
أصدرت "رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا" في كانون الثاني الفائت، تقريراً يبيّن استغلال عناصر النظام وضباطه لذوي المعتقلين مادياً للكشف عن مصير أبنائهم، وتحدث التقرير عن العائد المالي الكبير الذي يحققه النظام من هذه القضايا، بهدف إبلاغهم معلومات عن أبنائهم إن كانوا أحياءً أم أمواتاً، أو إفادتهم في أي فرع يتم اعتقاله.
وبيّن التقرير أن النظام جنى من ابتزاز عائلات المختفين قسراً ما يقارب 900 مليون دولار أميركي منذ عام 2011، وذلك بناء على 508 مقابلات أجرتها الرابطة مع ذوي المعتقلين منذ عام 2018، منوهاً أن المصاعب التي يتعرض إليها أهالي المعتقلين خلال بحثهم عن ذويهم، والحصول على أي معلومة عنهم، إن كانوا أحياءً أم متوفين، أو معرفة المكان الذي يوجدون فيه، حيث بلغت نسبة ذوي المعتقلين الذين سألوا عن مصير أبنائهم نسبة 67.78 في المئة، ونسبة من يحاولون معرفة أبنائهم في أي معتقل 47.8 في المئة.
وبلغت نسبة العائلات التي تمكنت من خلال دفع المال من رؤية ذويها المعتقلين في سجون النظام 4 في المئة، ونصفهم كانوا يخشون من اعتقالهم عند سؤالهم عن المعتقل، وذكر التقرير أن الجهة المعتقلة لا تعترف بوجود المعتقل لديها، وشمل التقرير أكثر من 1200 معتقل سابق وأفراد عائلاتهم.
عدم الإفراج عنهم
لام عبد الغني مجلس الأمن الدولي لعدم تمكنه من ردع النظام وحلفائه (روسيا والصين) اللتين مكنتا النظام من التوسع في الجرائم التي يرتكبها بحق الشعب السوري، منوهاً أن هناك "مسؤولية وتقصيراً يقع أيضاً على دول العالم، لأنه يجب عليهم الضغط على النظام وحلفائه خارج نطاق مجلس الأمن، مشيراً إلى أنه لن يتحقق أي تقدم في هذا الملف مالم يُضغط على حلفاء النظام.
وعلى الرغم من تقديم المذكرات إلى الأطراف السياسية، لم يحصل أي تقدم ملموس في ملف المعتقلين كالإفراج عنهم أو الوصول إلى اتفاق دولي ببدء الإفراج عنهم، وهذا ما أكده فرحان قائلاً "نحن أمام خيارين إما أن نقول إن النظام لا يستجيب ونتوقف، أو نتابع بإبراز الملف وتقديمه بشكل مستمر".
وأصدرت اللجنة الدولية للتحقيق تقريراً "بعيداً عن العين بعيداً عن الخاطر" طالبت فيه مجلس الأمن بإحالة الملف لمحكمة الجنايات الدولية، والتي أكدت فيه أنه لديها معلومات عن شخصيات مسؤولة عن إعطاء الأوامر بارتكاب جرائم الإبادة في معتقلات النظام، وعلى الرغم من هذا لم يتمكن مجلس الأمن من إحالة الملف للجنايات الدولية بسبب الفيتو الروسي.
الملف بيد إيران
في الجولة الأولى من أستانا عام 2017 "استثمر وفد المعارضة الحضور الروسي للمطالبة بالإفراج عن المعتقلين، وبتقديم ضمانات دولية كافية، ورقابة من الصليب الأحمر لتحقيق ذلك" وفق ما صرح به فرحان الذي نوه أنه "بعد إعلان، ألكسندر لافرنتييف، فشله في الإفراج عن الدكتورة رانيا عباسي وأولادها الخمسة وزوجها، قدمت روسيا ورقة تقارب الحل باتجاه تبادل الأسرى، ليأتي رد وفد المعارضة برفض الورقة الروسية وعرض صيغة بديلة تتضمن الإفراج عن المعتقلين وكشف مصير المفقودين وتسليم جثامين الضحايا، برقابة الصليب الأحمر".
"تبنى الوفد التركي ووفد الأمم المتحدة ورقة المعارضة، ووقعت مذكرة تفاهم، لكنها لم تنفذ بسبب تعطيل النظام وإيران، مثلها مثل قرارات مجلس الأمن التي نصت على الإفراج ولم تنفذ، مع الأخذ بعين الاعتبار أن التفاهم المنجز على الورقة يمثل انتزاع إقرار من النظام أن المعتقلين لديه سجناء رأي تعالج قضيتهم وفقاً لأحكام القانون الدولي لحقوق الإنسان وليس فقط وفقاً للقانون الدولي الإنساني الذي ينظم الحل في حالات النزاع المسلح"، وفق فرحان.
وأجرت الأطراف الضامنة بعد ذلك عمليات محدودة بالإفراج كخطوات تجريبية لاختبار مدى قدرتها على التنفيذ، الأمر الذي لم يكن كافياً ولا متناسباً مع ما هو مطلوب
قانون قيصر
فرضت الولايات المتحدة الأميركية "قانون قيصر" في عام 2019، والذي تضمن عقوبات اقتصادية على النظام والشخصيات المقربة منه، وذلك بعد مباحثات دامت 3 سنوات بين مجلس النواب الأميركي ومجلس الشيوخ، بناء على صور مسربة لضحايا النظام في معتقلاته.
واكتفى القانون بفرض عقوبات اقتصادية، على النظام، الذي استمد اسمه من رمزية صور المعتقلين المسربة عبر سيزر، وأوضح فرحان أن الأسباب الموجبة لإصداره وفقاً لمادته الثانية هو "الانتقال بسوريا إلى دولة ديمقراطية تحترم القانون الدولي وحقوق الإنسان، وتحفظ الأمن والسلم" مشيراً إلى أن هذه الموجبات بفرض العقوبات تستدعي "المضي بإجراءات فعلية لمحاسبة المتورطين، وبنزع الصفة التمثيلية لحكومة النظام في الأمم المتحدة".
وعن سبب عدم تعليق المفاوضات لحين الوصول إلى حل أو بوادر حل لقضية المعتقلين قال فرحان إن هذا المطلب "محق لكن يجب أن يكون مجدياً، وإنَّ هيئة المفاوضات السابقة علّقت مشاركتها في المفاوضات لمدة 8 أشهر لتنفيذ البنود الإنسانية المتمثلة بالإفراج عن المعتقلين وفك الحصار، لكن هذا لم يجعل المجتمع الدولي يضغط على النظام، بل استمر النظام في عمليات الاعتقال"، مضيفاً أن تعلّيق المفاوضات يجب أن يوازيه "ضغط على النظام من جانب آخر".
وحمّل "عبد الغني" المعارضة السورية مسؤولية التقصير في ملف المعتقلين، لأنها تتناول الملف بشكل شكلي، مشيراً إلى أن جميع البيانات التي تصدر بخصوص المعتقلين سواء في اجتماعات جنيف أو أستانا تكون واحدة حول فشل المحادثات في ملف المعتقلين، وعدم إحراز أي تقدم فيه، مطالباً المعارضة السياسية بإشراك منظمات الضحايا والمنظمات العاملة بهذا الملف في هذه المحادثات لأنها تملك الخبرة والمعلومات الكافية فيه، وهو أولويتها.
ليؤكد فرحان أن المعارضة السياسية دعمت عمل المنظمات في الأوساط الدولية وتكاملت معها في الأداء، باستثمار كل الجولات التفاوضية والاجتماعات السياسية بمقاربات ومطالبات مشتركة، وبأن هيئة المعتقلين التي تعمل بصورة مستقلة فنياً، تشرك ممثلين عن الضحايا معها في عملها وجلساتها، وبأن الإفراج عن المعتقلين مسؤولية جماعية تقع على عاتق جميع الأطراف في المجتمع السوري والدولي شعوباً وحكومات ومنظمات".
ليبقى ملف المعتقلين على طاولة الاجتماعات والمفاوضات، دون تحقيق أي تقدم في الإفراج عنهم سوى إدانات وتسجيل مواقف، واجتماعات وتشكيل لجان وجميعها لم تحقق الهدف المرجو وهو الإفراج عن المعتقلين والمختفين قسرياً، وأعداد المعتقلين في سجون النظام تتزايد يومياً بعد يوم في ظل التخاذل الدولي بالضغط على النظام في هذا الملف الذي وصل إلى جرائم حرب.