دخلت الثورة السورية عامها الثاني عشر، تاركة خلفها سنوات طويلة غيّرت وجه سوريا والمنطقة، بل والعالم أيضاً، وقد مرت على السوريين سنوات مليئة بالمصاعب والتحولات والتعقيدات الكبيرة، اختبروا فيها القتل والإرهاب والتهجير والاعتقال والكوارث الطبيعية والإجرام بمختلف أشكاله، لكن صمودهم وإرادتهم بالاستمرار ظلت الثابت الوحيد، وعلى الرغم من الاختلافات والآراء المتنوعة على صعيد المعارضة السياسية والحراك الثوري، إلا أن هامش الاتفاق الذي طالما التقت تحت ظله جميع الغايات وتلاشت عنده كل الخلافات، كان ولا يزال وسيبقى متمثلاً بالتمسك بمبادئ الحرية والعدالة والكرامة لكل أبناء الشعب السوري.
مسيرة الثورة التي بدأت في العام 2011 لا تزال مستمرة ولن تتوقف أو تنتهي قبل تحقيق أهدافها، قد تتغير الوسائل أو الوجوه السياسية، قد تتعرض خلال مسيرتها لانتكاسات أو خذلان أو تحولات سياسية، إلا أن انتصار الشعب -كحال سائر الشعوب- هو حتمية تاريخية لا يمكن الالتفاف عليها، كما أن سقوط الظالمين والمستبدين والطغاة جزء لا يتجزأ من تلك الحتمية.
لا بد من إعادة تنظيم أنفسنا، ورفع الوعي المجتمعي بخطورة المرحلة الحالية والقادمة، والعمل معاً بشكل منظم وعملياتي
وللوصول إلى الحرية والعدالة والكرامة التي تمثل عناوين الثورة ومبادئها الأصيلة، يجب علينا تجاوز العقبات التي تقف في وجه تحقيق تلك الأهداف، إذ لا بد من إعادة تنظيم أنفسنا، ورفع الوعي المجتمعي بخطورة المرحلة الحالية والقادمة، والعمل معاً بشكل منظم وعملياتي للمساهمة في تحويل المناطق التي عانت طيلة سنوات إلى مناطق يحلم بها جميع السوريين، مع نبذ الخلافات الآنية ووضع حد لكل ما يشوه مستقبل سوريا وكل من يضع مصلحته وأجندته الخاصة فوق مصلحة القضية الوطنية التي ثار من أجلها ملايين السوريين.
أما عن المجتمع الدولي، فيواجه اليوم امتحاناً حقيقياً في مخاطبته الشعب السوري، حيث لا تزال فاتورة الفشل السياسي وفشل مفاوضات جنيف منذ عام 2014 تسدد من دماء السوريين الأبرياء، بينما تستمر السياسة الدولية في التحرك بما يخدم مصالحها قصيرة الأمد، حتى فيما يخص ملف المساعدات الإنسانية الذي يديره مجلس الأمن الدولي عبر قرار لا حاجة له عملياً يتم تجديده كل ستة أشهر، رغم قدرة الأمم المتحدة ووكالاتها على تقديم الخدمات الإنسانية لملايين السوريين المقيمين في شمال غربي سوريا بشكل مباشر وضمن إطار القانون الدولي الإنساني من دون الحاجة لقرار من مجلس الأمن، وذلك حسب دراسة قانونية أجراها التحالف الأميركي من أجل سوريا بالتعاون مع مؤسسة جورنيكا 37 القانونية البريطانية.
ولا بد من التنبيه إلى أن الابتزاز السياسي الذي تمارسه بعض الأنظمة في مجلس الأمن الدولي، والمقايضات السياسية المنفذة على حساب الشعب السوري بهدف الحصول على مكاسب سياسية ومحاولة تعويم نظام الأسد من جديد، باتت أموراً واضحة وجلية للشعب السوري، خاصة بعد محاولة تسييس المساعدات الإنسانية في ظل كارثة الزالزال المدمر، وانتظار الأمم المتحدة موافقة نظام الأسد على دخول المساعدات عبر الحدود من معابر لا يتحكم بها، وعلى المجتمع الدولي أن يدرك مقدار الخطر الذي سيترتب عليه وعلى المنطقة في حال الخضوع لهذا الابتزاز.
إن مواجهة الأزمات والمشكلات التي تعترض طريق البشرية ليست مهمة اختيارية بل مصيرية، تتطلب بذل كل الجهود الممكنة لإنجاحها في أسرع وقت، حتى لا تستحيل الحياة في الغد إذا لم تتم مواجهة وقائع اليوم بعقل ووعي.
ولذلك؛ نبدأ اليوم عاماً جديداً من ثورة أسطورية، مؤكدين من جديد أننا لن نيأس وسنستمر في عملنا بدعم الشعب السوري في كل المناطق التي نستطيع أن نعمل بها، من خلال تقديم الخدمات الإنسانية والتمكين الاقتصادي وتمكين الأسرة والمجتمع ومشاريع الحماية، وصولاً إلى عملية بناء الإنسان السوري عبر دعم مشاريع التعليم بكل مستوياته ومراحله.
مساعينا كسوريين داخل وخارج سوريا أثبتت أننا قادرون على النهوض من جديد وعلى مساعدة بعضنا البعض في كل المحن والكوارث
ورغم كل الظروف السيئة التي تحيط بالسوريين، خصوصاً بعد كارثة الزالزال التي أثرت بكل السوريين في كل المناطق وبالمنظمات الإنسانية السورية التي تعمل في شمال غربي سوريا بشكل خاص، لم يعد هناك شيء خارج إطار الممكن، فمساعينا كسوريين داخل وخارج سوريا أثبتت أننا قادرون على النهوض من جديد وعلى مساعدة بعضنا البعض في كل المحن والكوارث مهما بلغت شدة قوتها على نفوسنا ومجتمعنا، كل الخيارات والوسائل ستكون خياراً مطروحاً للعمل من جديد، وسنسعى في الفترة القادمة لتحقيق المستحيل بالتعاون مع جميع شركائنا في العمل الإنساني من منظمات سورية ودولية ومجالس محلية، وبدعم من كل الجهات التي لا تزال تؤمن بقدرة الشعب السوري على النهوض من تحت الأنقاض من جديد.