في أنَّ نظام الأسد إيموجي

2022.10.08 | 06:13 دمشق

في أنَّ نظام الأسد إيموجي
+A
حجم الخط
-A

قال المناطقة: الإنسان حيوان ناطق، وأصوب منه القول: كائن عاقل، أما عند النظام فهو إمّا حيوان وإمّا إيموجي. تكتظ رواية الثورة بالأبطال؛ الساروت، وحجي مارع، وحمزة الخطيب، وكل واحد له قصة أو قصص كثيرة بينما إيموجيات النظام فهم أسماء بلا تاريخ. أين البشر في قصة الفانتازيا الأسدية؟ أيها السادة: هذا نظام بلا قصة؟

يتجنب إعلام الأسد ذكر سير أبطاله، رفعت الأسد هو أخو الرئيس، فاروق الشرع وزير خارجية، العطار هي أخت زعيم الإخوان المسلمين، هي مراتب ومواقع وحسب.

لا توجد أمة من غير أبطال، لا بد من أسوة للاقتداء بهم، إنْ قراءةً، أو بصرًا، أو سماعًا، أبطال النظام هم أيقونات وصور وحسب، وإنْ كان من بطولات، فهي رمزية، إشارية، أو هي بطولات بالجملة، أما البطولات الفردية، فهي محصورة بالقائد الرمز، وهذا يقتضي ذاك، سبب ونتيجة.

وقصة الرئيس أيضًا بلا متن حكائي، وهي أيضًا رمزية. لا مذكرات للشهيد الرائد الركن أو لأبيه كما نقرأ لزعماء العالم. الكتاب الوحيد الذي روى سيرة للأسد الأب حيّة بالأحداث ومائرة بالوقائع هو كتاب الخواجة باتريك سيل الممنوع من التوزيع في سوريا، فلن يجرؤ سوري على الإشارة إلى صراع الأسد مع أخيه أو الإشارة إلى طائفته، أما السيرة المعروضة على التلفزيون وفي الصحف، فصور وتواريخ و"استقبل وودع" وقصف وأخضع، وأخفض ورفع، وضرَّ ما نفع.

لسوريا بطل أشهر وأولى بالذكر هو الرائد المظلي باسل الأسد، الذي سجلت باسم مظلته ومظلة أبيه مئات المرافق والحدائق والشوارع والمساجد

لسوريا أبطال نعلم بعضهم وأكثرهم مجاهيل، خذ مثال رائد الفضاء محمد الفارس، الذي لم نعرف قصته المثيرة إلا بعد الثورة، أما زميله (وغريمه أصوب) منير حبيب، الذي كادَ له كيدًا، وحاول قتله حسدًا بعد أن اختاره السوفييت رائدًا على صاحبه، فلم نعرف عنه شيئًا عنه سوى إنه رائد "فائض" عن الحاجة، وأنّ حديقةً سميت باسمه في حمص، وهي باسم رائد الفضاء أولى، لكن لسوريا بطل أشهر وأولى بالذكر هو الرائد المظلي باسل الأسد، الذي سجلت باسم مظلته ومظلة أبيه مئات المرافق والحدائق والشوارع والمساجد. من غير أن نعرف شيئًا عن سيرته، أصدقائه، حبيبته، إن كان له حبيبة، أشهر أصحاب الراحل هو حصانه الأغر وهو حيوان أعجم لا يبين، لا يفشي الأسرار، قيل إنه تزوج وسجلت زوجته باسمه مثل المرافق الكثيرة من أجل استرجاع بعض الأموال المودعة باسمه في مصارف سويسرا بشفاعة من راتب بدر الدين الشلاح وسعي منه لدى أصحابه الدوليين. ليس أسهل من تزوير الوثائق الرسمية.

تصدّر النظام السوري صناعة الدراما التلفزيونية العربية، ولم يصدر مسلسلًا واحدًا عن ثورة الثامن من آذار، أو أبطال البعث، ولم يعرض سيرة بطل واحد من أبطال حرب تشرين، ونحن نعرف أبطال يوم بعاث ويوم الفجار أكثر من أسماء أبطال حرب تشرين!

 لم نر مسلسلًا يروي سيرة الرئيس مثل مسلسل الاختيار المصري الذي يروي سيرة الرئيس المصري، لكن النظام برع في الهجاء والتقبيح، فقد صورت أفلام هجائية عن الثورة أخرجها نجدت أنزور، أو جود سعيد، وأمثالهما، هي أفلام عن الأشرار. إن كان للنظام أبطال، فهم صور، إيموجي، حتى مكافآتهم رمزية، مثل ساعة حائط معطلة، أو علب متة أرجنتينية.

سميت بأسماء أبطاله مدارس، كانت موسومة بأسماء شهداء من حرب تشرين، بدلت إلى أسماء ضحايا حوادث سيارات من الضباط، نزعت شاخصات المدارس وبدلت أختامها ووثائقها، وسلخت سلخا عن أسمائها، مثل: الفارعة الشيبانية، أم البنين، سهلة العامرية، القادسية.. كيف لا يبدل الأسد اسم مدرسة القادسية وقد انتسب إلى إيران الفارسية!

 يظهر النظام ورعًا شديدًا في ذكر شمائل أبطاله المجهولين وحكاياتهم، أكثر بطلين كرمًا في سوريا هما حافظ الأسد والجندي المجهول! وقد ظهر أمس الجندي المعلوم ماهر الأسد، الزاهد في الكاميرات، المتبتل في صومعة الفرقة الرابعة، الذي يعيش على السوادين، بين جنوده، كأنه من السلف الصالح، الصورة التي ذكرتنا بزهد أخيه بشار الأسد في المؤتمر القطري الوحيد الذي عقد بعد ربع قرن من الصمت، جالسًا في آخر الصفوف، مثل هارون الرشيد الذي كان يجبي الخراج من السحاب عندما كان يصل متأخرًا إلى صلاة الجماعة! القذة بالقذة.

ظهر مثل البدر علينا من ثنيات "البتاع"، بالبدلة العسكري لا بالبيجاما، من غير سجادة حمراء أو طبول وصنوج، فإما أن الرجل يحب دور المخرج، أو أنه لا يريد اختيالا على رفات العباد! الرياء يحرق الحسنات كما تأكل النار الحطب.

كانت حيطان الساحل قد امتلأت بصور قتلى النظام حتى فاضت، ولم يعد لأصحابها منزلة ومثابة، فصدر قرار بنزعها، إما لأنَّ الحداد يجب أن ينتهي، أو لأنَّ الصورة الوحيدة التي تستحق التشريف هي صور الرئيس!

الحق يقال: إن شبيحة النظام قاتلوا ببسالة ودافعوا عن "فيش" العسكرية السحري، وذادوا عن كرسي رئيسهم ذودًا مشهودًا، فهذا من ذاك، بل إنّ فيهم فدائيين، قذفوا أنفسهم في وغى الخطر إما اغترارًا بقوتهم، وإما استصغارًا لأعدائهم.

إن معارك النظام بلا أسماء، عشر سنوات في معركة بلا أسماء بينما تجد أيام العرب في الجاهلية أشهر من أيام النظام وأعرف!

لكن من أين يستمدون الأسوة والقدوة، فلا حرب بدون قدوة ولا سلم أيضا، مثل كل الأمم محاربةً أو مسالمةً، خذ مثال أميركا التي استعادت ميراث حرب طروادة، فهي أم كل الحروب اللاتينية، يقول براد بيت الذي مثل دور أخيل في فلم طروادة، أنها ذكرته بحصار العراق. زميلته سافرون بوروز مضت أبعد وقالت إن الشقيقين أغا ممنون ومينلاوس يذكرانها ببوش وبلير.

بل إن معارك النظام بلا أسماء، عشر سنوات في معركة بلا أسماء بينما تجد أيام العرب في الجاهلية أشهر من أيام النظام وأعرف!

 هذا نظام ضد التاريخ.

الحق يقال: إنَّ النظام باسل في تصوير قصص معارضيه وأخوات معارضيه وأمهاتهم، لكنها قصص ملفقة، فهم إرهابيون، عراعير، عثمانيون، أردوغانيون، ويظهرون على التلفزيون وهم يحملون بطاقاتهم الشخصية، ويرتعدون من الخوف، ويروون قصصًا عن سفاح المحارم في النهار أمام الأطفال. أما إذا صنع النظام قصة تروى فهي أيضا أفلام عن الجنس والرغبة المكبوتة مثل خيمة 56.

هذا نظام بورنوغرافي! مَثَلُ الأسد مثل القاتل الشامل الذي لا يقتل سوى من أجل الجنس. القاتل المتسلسل يقتل فردا فردا، أما الشامل فيقتل من أجل الدم والجنس جمعا جمعا.

الحق يقال: هناك كثير من الأبطال وهم جميعًا من وحوش الشاشة والخيال الروائي، مثل الرجل الشجاع مفيد الوحش الذي شهدنا نهايته الخارقة، وفاتح "الردة" ابن الوهاج، والراقصة عزيزة، وأبو عصام، وهذا الأخير يحسب على الدواعش بسبب دوره. هناك حسناوات مثل سلاف فواخرجي التي اختيرت بين أهم مئة جميلة في العالم، ومذيعات عربيات مثل كوثر البشرواي، وحسناء العاصفة الغبارية، يظهرن على التلفزيون ويقبّلن الجزمة العسكرية كأنها المصباح السحري!

أبطال الأسد أسماء وإيموجي، أما أشراره فأفعال "فورمات".