بين أسبوع وآخر يختلف الحديث الأكثر انتشاراً بين رواد التواصل الاجتماعي، وقد يصبح من الصعب مجاراة التنوع الكثير والمواضيع المختلفة المنتشرة في كثير من الأحيان.
يعرف "الترند" عادة بأنه الشيء ذو الصلة بحدث معين، وقد يكون له علاقة بالموضة أو الترفيه أو الرياضة أو المجتمع، وقد ثبتت تلك الظاهرة وجودها بقوة مع دخول عالم التواصل الاجتماعي حياتنا اليومية بشكل مفرط، ما جعله يأخذ مكاناً محورياً في أحاديثنا الخاصة والعامة على حد سواء.
ربما لا يحكم انتشار "الترند" قانون وليس له ضوابط لأنه لا يتعدى بالنسبة لكثيرين سوى تناقل معلومات وانتشار أخبار قد لا يكون لها أثر ولا تشكل قيمة، لكن ذلك ليس واقعياً تماماً.
لقد شارك الأعم الأغلب منا مؤخراً في إبداء تعليقاته وتفاعله مع حدث كأس العالم الهام، وكان هو محور الحديث في الشارع والمقهى والمنزل والمحادثات الخاصة بين الأصدقاء، وشكل ظاهرة غنية للكتابة فيها وتناقل المعلومات وتبادل الآراء، وقد لاحظ جميعنا في الوقت نفسه، كيف أن اهتمامنا بشيء معين يجعل منشورات التواصل الاجتماعي الخاصة بنا تتعلق بذلك الشيء فتتكاثر وتتكاثر وفق ما نبحث عنه أو نقرأ بخصوصه، حتى تصبح فيما بعد مسيطرة على مساحة كبيرة من وقتنا واهتمامنا وتفكيرنا.
مع ازدياد استخدامنا لمنصات وسائل التواصل الاجتماعي سيصبح التأثير في اتجاه واحد بحيث يأخذنا محتوى هذه المنصات تماماً من أنفسنا ومحيطنا
في الحقيقة يبين لنا ما سبق أننا ووسائل التواصل المختلفة يتفاعل بعضنا مع البعض الآخر بشكل مستمر، ويبدو للوهلة الأولى أن علاقة التفاعل تبادلية من حيث الأخذ والعطاء، غير أن الإشكالية تتضح في نقطة معينة لا علاقة لها بالتفاعل فقط وإنما تذهب بنا بالبحث عن التأثير ووقعه على طرفي المعادلة.
يتوضح ذلك في أننا مع الوقت ومع ازدياد استخدامنا لمنصات وسائل التواصل الاجتماعي سيصبح التأثير في اتجاه واحد بحيث يأخذنا محتوى هذه المنصات تماماً من أنفسنا ومحيطنا، وستزيد مدة استخدامنا لها في حال وجدنا أنها تلبي رغباتنا وتساير اهتماماتنا، فنمنح لها الفرصة بشكل أكبر في تشكيل أفكارنا وتوجيه معتقداتنا وتحديد أولوياتنا إلى حد كبير، وتمعن تلك المنصات في استغلالنا في حال استخدمت معلوماتنا الشخصية وباعتها للمعلنين الذين يستكشفون بذلك ميولنا ويدخلون إلى أدق تفاصيل تفكيرنا.
تذهب بنا هذه الفكرة إلى استغلال هذه الحالة من طرف السوق الاستهلاكية ومحاولة التأثير فيها عن طريق الدعاية والإعلان لزيادة الطلب على السلع وجذب المستهلكين وهذا هو فحوى القصة وتفسيرها البسيط، لكنه لا يعد كذلك حين ينتقل الموضوع إلى محاولة التأثير بنمط التفكير ونوعيته ومحاولة برمجته بما يتناسب مع المناخ الاجتماعي والسياسي العام، أو لاستغلاله في تهيئة تقبل المجتمعات لما هو غريب عنها أو غير موضع ترحيب، وفي محتوى بعض المسلسلات التي تبثها المنصات التلفزيونية المأجورة أمثلة كثيرة.
تبدو الخطورة هنا في توظيف حالة التأثير الممنهج من طرف واحد باستغلال سيطرة وسائل التواصل الكبيرة على أدمغتنا ونجاحها في استقطاب الجيل الشديد من الشباب وتوجيه اهتماماتهم بحسب أجندات معينة، ويصبح الأمر أكثر جدية في محاولة فهم سلوكنا وأفكارنا تحليلهما ومحاكاتهما، والتنبؤ بها مستقبلاً وإعداد الخطط بعيدة الأمد بالاعتماد على ذلك.
أين تكمن المشكلة في هذا إذن؟ قد يبدو فيما سبق أنه من الطبيعي أن تدرس الفعاليات الاقتصادية والمؤسسات القائمة على الربح شرائح المستهلكين في السوق وتتعامل في طرح منتجاتها وفق رغباتهم، إلا أن المشكلة الحقيقية التي نواجهها عندما يصبح التعامل من جانب الرأسمالية الحاكمة مع قضايانا الإنسانية ومشاريعنا السياسية على أنها سلع، فيطرحون خطط تتعامل معنا على أننا مستهلكون محتملون ويبدأ العمل على التأثير النفسي والبرمجة العقلية، وهذا بالفعل ما حدث حين باعت منصة فيس بوك معلومات الناخبين فلعبت دوراً هاماً في الانتخابات الأميركية، وما حدث على غراره حين طرحت بعض القوى صاحبة القوة والنفوذ مشاريع تقسيم سوريا عن طريق جهات مشكوك في ولائها لجسّ نبض الشارع السوري، وهو ما يحدث يومياً مع ما ينتشر من أخبار هدفها تقبل تعويم نظام الأسد وغض النظر عن التطبيع به لإقناع الرأي العام بأن ذلك أفضل من سيناريو استمرار الحرب الضارية في سوريا لأن الثمن سيكون غالياً في حال تدميرها عن بكرة أبيها، ولا يخرج عن ذلك السياق ما تضخه وسائل الإعلام المتطرفة بمختلف أشكالها من معلومات مغلوطة بخصوص ملف اللاجئين لشحن المجتمعات ضدها ومنع الاندماج بين المكونات الاجتماعية بهدف خدمة أجندات مغرضة.
أثبتت التجربة أن الإنسان باندفاعه يسعى أن يكون ضمن الحدث محور الاهتمام مشاركاً ومهتماً ومؤثراً، ولهذا يحاول أن يكون متفاعلاً على الدوام مع ما يُتداول على المنصات الاجتماعية
كيف تؤثر فقاعات التواصل الاجتماعي المسماة بالـــــ"ترند" على القضايا السياسية اليوم؟ قد يبدو أن ذلك يحدث بتوجيه الانتباه إلى زيادة الانخراط بمشاريع معينة أو محاولة برمجة الأدمغة بشكل ما، لكنها قد تعطي الأثر نفسه في حال نجحت في صرف الانتباه وتشتيته عن قضايا حقيقية ومصيرية في حياة الشعوب، وهو أمر اضطرت إلى معايشته المجتمعات التي ترزح تحت وطأة الاستبداد أو في المجتمعات التي تعاني أزمات اقتصادية مزمنة أو عانت من تدني الأحوال الاجتماعية، وقد بدأ الالتفات إلى ذلك الأثر مؤخراً فأصبح صرف الانتباه بـــــــ"ترند" معين "فني أو اجتماعي أو ذي علاقة بالسياسة الدولية" سياسة متبعة للتغطية على أثر أخبار اقتصادية أو سياسية معينة.
أثبتت التجربة أن الإنسان باندفاعه يسعى أن يكون ضمن الحدث محور الاهتمام مشاركاً ومهتماً ومؤثراً، ولهذا يحاول أن يكون متفاعلاً على الدوام مع ما يُتداول على المنصات الاجتماعية، بينما يسهّل ذلك عمل الرأسمالية في جمع المعلومات وبيعها فيصبح التعامل مع الإنسان وقضاياه وتفاصيله على أنها أدوات تخدم هدفاً معيناً قد لا يكون لعقل الإنسان نفسه علاقة به، وقد يجعله ذلك متأثراً لا مؤثراً وهو الأمر الذي بدأت فئة كبيرة من الناس تنبه إليه وتلاحظ أثره في الآونة الأخيرة.