يتطلب الإعداد الأيديولوجي، بجوانبه السياسية والنفسية والمعنوية للقوات تحقيق بنية تنظيمية متينة ومتماسكة، إذ يسهم في تعزيز الجاهزية النفسية والقدرة القتالية العالية لديها، ويقظتها الدائمة، لتكون على أهبة الاستعداد لأداء المهام المطلوبة منها في حفظ سلامة الوطن وكرامته وأمنه في أوقات السلم والحرب.
ضمن هذا السياق، تتضح المهام الجسيمة التي يجب على الجيش الوطني القيام بها من أجل الحفاظ على الأمن الحربي وأمن المواطنين وسلامتهم من الأعمال التخريبية المتكررة، مثل تسلل عناصر تنظيم "قسد" الإرهابي، الذراع السوري لتنظيم "PKK"، الذي يهدد الاستقرار في هذه البقعة الجغرافية، والتي تواجه أيضًا أطماع الشبيحة والميليشيات الإيرانية العابرة للحدود الساعية إلى استعادة السيطرة عليها. هذه المنطقة حُررت بدماء الشهداء وتضحياتهم الكبيرة في مواجهة قوى تتربص بها.
إن منظومة إدارة التوجيه المعنوي والقادة وأركانات الجيش الوطني التي تُشرف على الفصائل تحتاج إلى قادة يمتلكون الخبرة والمهارات والكفاءة اللازمة لتربية القوات على الانضباط والإيمان بعدالة قضيتهم، وتعزيز شخصيتهم العسكرية، وتربيتهم على الإخلاص والتفاني في الدفاع عن الشعب الذي يعاني أقسى أنواع القهر والاضطهاد. ويجب خلق الالتزام الواعي بالفكر الثوري، والابتعاد عن التناحر الفصائلي، والتركيز على القضايا الأساسية، كمعاناة المهجرين من التهجير والقتل والتغيير الديمغرافي وسلب الممتلكات، إلى جانب توطين عناصر خارجية من الأفغان واللبنانيين والعراقيين، استقدمهم النظام للاستقواء بهم على شعبه.
لا يلتزم بعض القادة بأسس القيادة التي تحكم المؤسسة العسكرية، ولو كانت هناك سجلات تضبط القوى البشرية والاختصاصات، لما تجاوزت القيادات الرؤساء هذه القوانين.
لا شك أن السكان المحليين، عندما يشهدون الاشتباكات بين فصائل الجيش الوطني في مناطق النزوح، وسط ترويع الأطفال والنساء والشيوخ، يشعرون بالألم والإحباط، ويزداد يقينهم بغياب الفكر الثوري بين القادة والأركانات وإدارة التوجيه المعنوي في الجيش الوطني. كما أن مقارنة مناهج الإعداد السياسي في الجيش الوطني مع الأنظمة السياسية التقليدية تُظهر افتقار الجيش إلى الالتزام بالتوجيه العقائدي الثوري، والذي يجب أن يتناسب مع المأساة التي يعيشها النازحون، ويعاني منها سكان المخيمات في الشمال السوري.
الأحداث الأخيرة في ريف حلب الشمالي والتوترات المتصاعدة من هجمات واشتباكات بين فصائل الجيش الوطني، إلى جانب الاقتتال الداخلي، تؤكد تزايد الصراع الفصائلي داخل الجيش الوطني. هذا الصراع يعكس أزمات معقدة في الشمال السوري ويؤدي إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية. وقد أظهرت الأحداث غياب التسلسل الهرمي الفعلي، إذ لا يلتزم بعض القادة بأسس القيادة التي تحكم المؤسسة العسكرية، ولو كانت هناك سجلات تضبط القوى البشرية والاختصاصات، لما تجاوزت القيادات الرؤساء هذه القوانين.
قوة الجيش تكمن في نظامه وانضباطه، ولهذا وضعت أنظمة الخدمة لضمان تنفيذ الأوامر العسكرية بدقة ومن دون تردد. الشعب السوري يأمل بأن يتم تفعيل أوامر صارمة من قبل قيادة الجيش الوطني، تتعلق بعدم تنفيذ أي تغييرات في التشكيلات العسكرية إلا بقرارات صادرة عن قيادة الجيش الوطني ووزارة الدفاع. هذا الالتزام يدعم مبدأ القيادة الواحدة، والذي يستوجب أن يكون للجيش الوطني قائد ثوري يتولى قيادة مسيرة الثورة، بحيث تتماسك القوات البرية وتتوزع تحت ثلاثة فيالق تشكل العمود الفقري للجيش الوطني، مع وجود هيئة عليا لقيادة العمليات، وهيئة للتدريب، وإدارات تضمن الحفاظ على بنية الجيش الوطنية والنظامية.
يجب أن تعمل وزارة الدفاع بالتعاون مع الأركانات وقادة الفصائل على توجيه القادة والعناصر للحفاظ على وحدة الصف، والابتعاد عن الاقتتال الداخلي.
من الضروري أن تتوافر في الجيش الوطني قواعد وأنظمة تخدم سهولة تنفيذ قواعد الانضباط العسكري وتحقق الجاهزية النفسية والقتالية. كما يجب إعداد القوات للمستقبل بإشراف مستمر، ونقل القادة بانتظام، وتوزيع العناصر حسب اختصاصاتهم بعد خضوعهم لدورات تدريبية، لضمان عدم اعتبار القادة للفصائل كملكية خاصة.
في ظل هذه المعطيات، يجب أن تعمل وزارة الدفاع بالتعاون مع الأركانات وقادة الفصائل على توجيه القادة والعناصر للحفاظ على وحدة الصف، والابتعاد عن الاقتتال الداخلي، والوصول إلى موقف موحد لتوجيه السلاح نحو العدو الأساسي المتمثل بمنظومة الشبيحة، المسؤولة عن مآسي الشعب السوري وتشريده. من المهم أن يدرك الجميع أن الفكر الثوري هو الذي يجب أن يقودهم، وليس النزاعات الداخلية التي لا تجلب إلا مزيدًا من الخسائر.